قصة قصيرة
ابن عمرى
الجزء الأول
تقف أمام المنزل متحيرة .لا تعرف أتدق جرس الباب ام ترحل وتنسى كل هذا وتعيش كما دائما عاشت ..ألم يشق صدرها مما هى مقبلة عليه .ليس بالسهل عليها ان تأخذ الخطوة او حتى تتراجع عنها هى وسط النيران حرفيا ..والأمر كله ليس بيدها ..اخذت نفس عميق وتوكلت على الرحمن وكبست جرس الباب لتفتح لها سيدة في مقتبل الثلاثينات. رائعة الجمال .واضحة الثراء ..انها تشبهه. لم يعد لديها أدنى شك فى هذا ..تمتمت بالسلام في خفوت لتنظر نحوها المرأة فى حذر وتعجب وتسألها فى أدب جم
( اى خدمة ممكن اقدمها لحضرتك يا هانم؟)
ابتسمت فى مرارة وهتفت فى حزن شديد
( هانم ...يعلى مراتبك ويكرمك يا ست هانم بكل خير ...أنا جاية اقولك معلومات عن ابن حضرتك اللي ضاع من عشر سنين...أنا أعرف.....
قاطعها سقوط المرأة أرضا وصراخها الذى جمع سكان المنزل سريعا نحوها..
ارتجفت السيدة ذات الملابس البسيطة جدا جدا حين تجمع أفراد الأسرة حولها محاولين تهدئة سيدة المنزل ومعرفة ما حدث ..
حاولت التحرك للخلف إلا أن السيدة أمسكت بها بشدة وهى تنتحب فى صوت يقطع نياط القلوب العامرة ..
مالت السيدة على قدمها مقبلة إياها في هستيريا عنيفة
( ابوس رجلك متمشيش..ارجوكِ ابنى فين ؟.خدى اللي انت عاوزاه ...اكتب لك شيك ...اجيبلك فلوس حالا ...تاخدى دهب ..اهو...
كانت السيدة تتحدث وهى تخلع كل ما تلبسه من ذهب ومجوهرات...حتى انها جذبت القرط من اذنيها ولم تشعر بتدفق الدماء إثر جرحها....
بكت فادية في عنف وهى تنظر لحال السيدة وهى من كانت تحاول أن تبرر لنفسها إبقاء الأمر سرا وأنها اكيد نسيت ابنها بعد عشر سنوات كاملة ....
همست فادية في صوت مبحوح من شدة الانفعال
( يا هانم ابنك بخير ...واعرف مكانه ..ارجوكِ اهدي علشان اقدر اوصلك ليه )
خرست المرأة تماما ونظرت نحوها السيدة في صمت واعين متسعة مليئة بالدموع ...
تنهدت فادية حين أشار لها زوج السيدة بالدخول والجلوس لمعرفة كل المعلومات عن ابنهم المفقود...
***************
العيون كلها تتجه نحو فادية التى ترتعش فعليا وتحاول السيطرة على نبرات صوتها الضائع إلا أنها ألقت القنبلة لتتسع اعين الجميع ذهولا:
( ابنكم عندى وسط اولادى أخ ليهم وراجل ملهوش زى ...ابنكم ابنى من عشر سنين من وقت ما ضاع منكم بشهر معرفش الشهر حصله فيه اية؟ ...لكن الفجر اللي جوزى فتحى لقاه فيه كان بنفس الهدوم اللي حضرتك نشرتى عنها والمعلومات اللي دايما تكتبيها فيه فعلا ...بس بعد غيابه عنكم بشهر ...ابنى على هو ابنك مهاب يا هانم ....ابنك هو ابن عمرى ...هو سندى بعد ربنا ...ابنك إللى عمره حاليا اتناشر سنه ارجل من أى راجل عرفته ولا هعرفه فى حياتى ...كان نفسى اشوفك ...اشوف الست اللي خلفت ابن عمرى ...
استمعت لها السيدة وهى فى حالة من الذهول والتوهان لا تكرر إلا جملة واحدة من وقت للاخر
( ابنى عايش ....هشوفوه ..اخيرا هاخده فى حضنى...ابنى عايش)
هزت فادية رأسها فى حزن على حالها وهتفت
( ايوة عايش بس ميعرفش ان أهله عايشين ...يعرف انه يتيم ..أنا هحكيلك الحكاية كلها وبعدها نفكر سوا ازاى نقوله بهدوء يا هانم ....لكن لازم تعرفى مهما كان حبك لعلى...لا يمكن اتنازل عن ابن عمرى........
يتبع مع الجزء الثاني ان شاء الله
استغفر الله العظيم رب العرش العظيم واتوب اليه# ابن عمرى
المشهد الثاني
العيون فقط هى من تحاور ..من تسأل ..من تحاول أن تعرف أكثر..الكل صامت يستمع بقلبه لكلمات فادية التى تتوقف كل لحظة لالتقاط انفاسها محاولة شرح الموضوع بأكثر الطرق بساطة ..تمتمت فى سعادة خفية وهى تتذكر أولي لحظات لقائها بعلى ابن عمرها كما يحلو لها ان تنادى عليه
( انا ولله الحمد مستورة ...جوزى بيشتغل قهوجى وماشى الحال يوم حلو ويوم صعب كنت لسه مخلفة تؤام عمره ست شهور ..خرج جوزى فتحى لصلاة الفجر لقى اتنين ومعاهم طفل ما شاء الله تبارك الخلاق فيما خلق ...واحد فيهم كان بيحاول يخنق الطفل والتانى بيصرخ فيه "بسرعة يا غبى قبل ما حد يشوفنا ونروح في ستين داهية "...فتحى صرخ فيهم واترعبوا سابوا الولد وهربوا....وهو اخده جابه لى على البيت )
نظر نحوها زوج السيدة سائلا في حدة واتهام صريح
( جوزك اخد الولد ووصله ليكِ ..ليه معملتوش محضر بأنكم لقيتوه)
تنهدت فى صدق هاتفة
( أول ما وصل علي البيت عندى قلت لفتحى يعمل محضر علشان يوصلوا لأهله...وحصل يا باشا عملنا المحضر فعلا والرقم لسه محتفظة بيه ...الضابط طلب اننا نسلم الولد لدار رعاية وانا رفضت وطلبت اخليه عندى وكتبت إقرار انا وجوزى بكدا ...والله علي ما اقول شهيد يا أستاذ..)
تنهدت فى حزن للمرة الالف وهتفت فى ألم شديد
( على كان جميل ..مؤدب..يخطف القلب والروح ...كان عنده تقريبا سنتين لكن تصرفاته كانت اكبر منه ..عاقل نضيف جدا تحس انه ابن ناس فعلا..)
نظرت نحو والدته هاتفة فى امتنان شديد
( كان يعرف ياكل بنفسه ويغسل ايديه وممكن يلعب مع اخواته ويسكتهم ولو طلبت يساعدنى رغم سنه الصغير كان بيفهم ويساعد ..عمره ما قالى لاء .....كبر وهو بيقولى يا ماما ...اخواته بيحترموه ويسمعوا كلامه اكتر منى)
سرحت السيدة بفكرها بعيدا جدا الي ما قبل عشر سنوات ...الي حيث تقف أمام الحوض لغسل يد مهاب وهو يهمهم بكلمات غاضبة غير مفهومة عن انه لا يتحمل وجود قاذورات علي يديه ويطلب بطفولية لذيذة ان يغسلها...الى حيث تتذكر اختفاؤه من بين يديها وهى تتجول لتشترى له لبس العيد ...عادت من ذكرياتها لتصيح مرة واحدة
( هو لسه بعد ما يغسل ايديه يمسحهم فى اللي قدامه ويفضل يضحك ..كأنه بيقول غسلتلك وشك كانت ضحكته عصافير اجمل ضحكة فى الكون ...تسحب كل الحزن إللى في القلب ...عاوزة اشوفه ...يا ترى شكله بقى ازاى ؟ وسيم ابنى اجمل ولد ...حبيب أمك يا ولدى ...ارجوكِ نروح نشوفه دلوقتى)
اقترب منها مراد زوجها وهتف فى رقة حتى لا يؤثر على نفسيتها مرة أخرى
( نفهم الأول ظروفه ونحاول نعرفه بهدوء يا رضوى...كملي الحكاية يا هانم)
ابتسمت فادية وهمست لنفسها
( من البداية وانت كلك خير يا على يا ابن عمرى ..اخرتها بقيت هانم يا حبيبي)
اخذت نفسا عميقا وأكملت
( لو قلت انه كان قدم الخير للبيت تصدقينى...لو قلت الدنيا اتعدلت وجوزى اشتغل اكتر وخلفت أخ رابع ليهم ....غيرنا السكن لمكان أفضل وهو كان متفوق حفظ القرآن الكريم ودخل مسابقات وفاز وكل الفلوس كان يصر تكون كلها ليا...
ثم نظرت نحو رضوى مرة أخرى وهمست فى حب واضح المعالم قوى .....
( كنت بشتغل في البيوت أحيانا لما الدنيا تزنق معانا او جوزى يتعب مثلا ويغيب عن الشغل فترة ....اول ما وصل عشر سنين رفض انى اشتغل تانى ...أصر يكون راجل البيت زى ابوه فتحى..يشتغل قهوجى معاه يذاكر وينجح ويكون الأول كمان...
ثم رفعت نظرها مرة أخرى نحو رضوى كأنها تريد أن تملأ عينيها من السيدة التى أنجبت مثل هذا الغلام وهتفت فى حب شديد
( عارفة اولادى التلاتة كلهم فى المدرسة حاليا ...هو بيذاكر ليهم ويساعدهم ويعلمهم...مع انه عارف انه يتيم واحنا مش اهله)
تساءل مراد فى دهشة
(ليه طيب ...هو كان صغير ...ليه قولتله انه يتيم ..كان المفروض تقولوا انه ابنكم)
هزت فادية رأسها فى مرارة هاتفة
( المحضر اتعمل وكل شوية يبعتوا ناس تشوفوه ممكن يكونوا أهله...لكن للأسف لاء ...نفسيته بدأت تتعب لما وصل خمس سنين ونفسه ارتاحت ان أهله توفوا وإلا كانوا دوروا عليه لحد ما وصلوا ليه)
ثم استطردت فى هدوء وهى تنظر للسيدة بكل إحترام
( وكمان هو كان فاكر أمه جدا كان يسميها.........
قاطعتها رضوى فى عيون متسعة مرتجفة
( دوبااا....كان بينادى عليا دوبااااااا.....علشان الفيلم اللي دايما يحب يتفرج عليه وانا معاه ...ابنى عمره ما نسينى...صح قولى صح الله يخليكِ)
نظرت نحوها فادية وردت فى حزن مرير
( صح عمره ما نسى على الرغم من عمره الصغير جدا وقتها لكنه عمره ما نسى....لكنه بيلوم عليكم أنكم انتوا اللي نسيتوه ولا دورتوا عليه .....صعب صعب يا هانم يتقبل وجودك دلوقتى).........
يتبع ...............استغفر الله العظيم رب العرش العظيم واتوب اليه
أنت تقرأ
ابن عمرى
Short Storyتحكى قصة ابن عمرى عن صبى ضاع من اهله لمدة عشر سنوات وكيف يمكن تقبل رجوعه لأهله بعد كل هذه السنوات التى قضاها فى كنف أسرة أخرى معتقدا انه يتيم وكيف يستطيع الحياة بينهم ....كيف يكون علي ومهاب في نفس الوقت