فصل يحكي فصول حياة

5 1 0
                                    

يُحكى موت بِلال

السبت..

١٠-٨-١٤٤١

يدخل غرفته المظلمة بينما يلفح وجهه المكسو بالتجاعيد الهواء البارد الهارب منها وتتسرب رائحة الورق والخشب العتيقان لأنفه متوسط الحجم، يُشعل النور ويغلق الباب خلفه، يمشي بخطى أثقلتها السنين وحمل الصناديق الثقيلة، بهداه المعتاد سحب كرسيه المليء بالنتوءات بفعل الزمن وجلس عليه، هذا أرثه في هذه الحياة منذ ٥٤ عام هذه الغرفة ذلك السرير تلك المكتبة وهذا المكتب والكرسي الخشبيان والمئات من الكتب والأوراق المجموعة والمرتبة في كل مكان في هذه الغرفة الصغيرة، إرثه العتيق.

الخميس..

٢٧-٥-١٣٨٨هـ

صغيرٌٌ قلبُ هذا الطفل لا يحتمل الوداع وغدرات الموت، يقف بجانب الباب بينما يتمتم خاله مع زوجته بالداخل، يناديه ليودع والدته قبل غسلها ودفنها، في الخامسة يفقد والده والآن يطبع قبلة الوداع على جبين أُمه الراقدة على فراشهم اليتيم في تلك الغرفة الصغيرة لم يأخذ ما يكفيه لمسح الشوق من قلبه ولن يأخذ، يأمره خاله بالخروج بينما يحتضن والدته بكل قوةٍ لطفلٍ في الثانية عشر من عمره بينما يهُم خاله بإبعاده عن والدته بشعر وكأن قلبهُ يتقسم ويتقطع متناثراً على هذا الفراش الهزيل..

عاد لحاضره على أثر سُعالٍ قوي لطالما هتك بصدره الضعيف، فتح الكتاب الكامن أمامهُ "طريق الحياة"* وقلب صفحاته حتى وصل لآخر صفحة قرأها:

(من الممكن أن يمنع الإنسان نفسه عن الشعور بالشفقة حتى تجاه بني البشر، ومن الممكن أن يُعوِّد نفسه على الشفقة حتى مع الحشرات.

كلما يزداد الشعور بالشفقة داخل الإنسان، كلما يكون ذلك أفضل بالنسبة لروحه.)ص٦٢-١١-

الأحد أول أيام عيد الفطر المبارك ١٣٩٠..

كان بلال دوماً بلالاً لعائلته قبل موتها ولجيرانه وأصدقائه البسطاء مثل غيمة غيث يسقي ويغيث من حوله هكذا أعتادوه حتى في أحلك الظروف وطأة، يقف بالقرب من خاله ينتظر مناداته لإعطائه العيدية رغم أن عقله يعلم بأن هذا لن يحصُل ولكن قلبه لم يحتمل قسوة الفكرة وهاوية الظنون وظل مؤمناً متمسكاً بيقينه، أنكرته الحياة فوقف ذلك الصغير في مكانه حتى مرت الساعات وهاجم الألم قدماه وأنهكه التعب وخرج مغادراً الحي لحيِّه القديم الذي ليس بذلك البعد، جلس على عتبة منزله يٌفكر بوالدته كانت عائلته الوحيدة بعد وفاة أبيه وكانت أقرب صديق، مرت سنتان ياللبعُد! سنتان لم يعُد فيها أبن أمه المحبب ولم يذق بها طعم العيد الحقيقي، لم يُقبل رأس والدته ويأخذ عيديته التي تبلغ ريالاً وتُشكل ثروة هائلة، كانت تكدح كي يذوق طعم العيد، من دكانه العتيق صدح العم صالح منادياً: بلال

رفع رأسه ونظر له قبل أن ينصب طوله ويتجه نحوه، قبل رأسه احتراما وعايده بعبارات بسيطة، نظر له العام صالح نظرات حزن ليسأله بعدها: مالذي تفعله في هذا الوقت خارج منزل خالك؟ يجب أن تكون بينهم يا بُني مالذي يجعلك تتجول وحيداً في هذا الوقت والشوارع تكاد تكون فارغة؟ لا تعلم مالذي قد يصيبك ولن يعلم عن أحدٌ شيئاً

يُحكى موت بِلالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن