وحين اعتنقتُ الجُرمَ لرُوحي المُهلكة؛ لَم أكُن بنادِم!يومًا ما، كنتُ طِفلًا انبلجَ به الضياءُ فابتسمَ طوعًا، وبخطواتٍ سنَت براءَتُها ركَضتُ على دربِ السماحِ والتَّخطِّي أرمِي آلامِيَّ وراء ظهرِي، وغَايَتِي كانت نجمةً صغيرةً تتخذُ مكانها في ثرايا الضّحكات، لكِنهَا كانت نجمةً محرمةً علَيَّ دون سِواي.. فتساءَلتُ حين صدّتنِي الغيُوم عن إبصارها حتى؛ أكانَت الرغبةُ بالابتسامِ جشعًا منِّي؟
لوهلَةٍ كُنتُ سعيدًا.. لكن السعادةَ بُنيّت بطوبِ الماضي فهجرَت مُعجمِي حينَ اجتثّت الأيامُ روحي بعيدًا عن جُدرانِها. في محطّةٍ من محطات الضياع توقّف بي قطار الزمن ورماني دون رأفةٍ بحالِي، أفلتَ العالم يدِي وسط غابةٍ مدلهمةٍ بالحقد فتشبّعتُ به مُسكتًا جُوعي. كنت دخيلًا في طريقِ الحياةِ لكني تعرّيتُ من مشاعري مُكتفيًا من ارتشافِ الضررِ لوحدي، ومِن بلعِ الوجعِ لُقمةً فلقمَة مُتخذًا دورَ الضحيّة في قصّتي.. حينَ وضعتُ حدُودًا لنَفسي قررتُ أن أكُون البطَل، ولَا ضيرَ في تسربل رداءِ التمردِ على المُجتمعِ الذِي شيّد لي معيشةً ضنكةً سُجنتُ بها علَى مدارِ سنواتٍ طِوال.
يومَ نثرَت السمَاءُ دموعهَا مُنتحبةً علَى حالِي، كانَ الأوانُ فائتًا فقد اجتثَثتُ الرّحمة مِن قلبِي نافِضًا أطلال المشاعرِ عنّي، ضبطتُ نفسي فجازيتُها بالانجلادِ بسوطٍ تتلاعبُ به ذاتِي عند كُل آهةٍ حلّلتُ استبانتهَا لمرأى العيان، أقسمتُ علَى مواراةِ عيوبِي الدّهماءَ عقبَ برودٍ ساورتُ بهِ مشاعرِي في قبرِ النسيان، ولم أنكُث بوعدِي لنفسي، كما تمكّنتُ من بترِ أحاسيسي فمَا عادَت تقفُ حاجزًا في طريقِي. ذاك الطفلُ الذي أوعَتهُ الحياةُ بصردِ صفعاتِها، غدَى رجلًا قاسيًا لَا يُخدشُ ولا يُطحن، وبدل محوِ كسراتِه؛ أسكَنهَا ثُم ارتفعَ بها! فطُمرَت عن مرأى غَيرِه.. هوّ أنا.
لكِن وعندَ كُلًِّ مرةٍ أعيدُ الكرَّة وأمُدُّ يدي أملًا لالتقاطِ نفسِي مِن عُتمتِي، يُعانِقُ السّرابُ كفّي فيصفعنِي الواقِعُ بزمهرِيرهِ وينتَشلُنِي مِن سمَاءِ آمالِي، ثمّ يفتحُ أبوابَهُ للفرَاغِ فيأذِنَ لهُ بمُساورَتِي، وأسرِي.
هُناكَ فِي شارِعِ المجهُول، كنتُ قد آثرتُ احتقانَ خافقِي بسمّ الوجعِ لوحدِي بدلَ إبصارِ عبراتِ الشّفقة علَى عيُون أيِّ آدمِي، فتستّرت عن مكنوناتِي بقلنسوّة التكتم أضفرُ أوجاعِي وأضمدُ جراحِي خفيةً عن الأنظار، لم أتوهّن يومًا ولم تتناءَى لغيرِي محطّاتُ ضعفِي، فأنا عبدٌ لكبريائي المستمِيت ومُكبّلٌ بأغلالِه.
جرفتُ خيُوط الضعفِ أبتُرها من نفسِي لأغُوص بين هفَواتِ المثاليّة، أضعُ قناعًا غدَى منّي، اُوثيهِ ابتسامةً ساخرةً عهدَها الجميعُ فنسبوا لي لقبَ كابوسِهم. لم يفعلوا سوى خيرًا حينَ تنحَّوا جانبًا وأخرسُوا همساتهم إثر بذُوخ حضورِي، فالظلامُ هو مثوايَ والسمُ هو كلُّ ما أيصقُه، كذلك طاقتِي أستمدُّها من آهاتِ مَن جعلَ حيَاتِي ديجُورًا دميمًا.. كمَا دبَّرتُ لهُم مواعيدًا مُدبرةً سويًا ومصيرهُم!
أنت تقرأ
وَهمُ الأقنِعَة.
Action| تراتيل المَلَنْخوليا. قد أكُون مُجرمًا بِحقِّ مشاعِري أيضًا، تحتَ منطقِ اقتُل قبلَ أن تُقتَل. فما طمَرتهُ مِنهَا في صَمِيمِ الفُؤادِ بغير حقٍ مشرُوعٍ قد غدَى سردابًا أبيضَ يكفنني، وذِحلًا مما لم اَقترفهُ ودَّ قتلي، لكني وبابتِسامةٍ نكرَاءَ دفَنتُه...