فترة التيه:
ولعل أعظم إيذاء لموسى، كان رفض بني إسرائيل القتال من أجل نشر عقيدة التوحيد في الأرض، أو على أقل تقدير، السماح لهذه العقيدة أن تستقر على الأرض في مكان، وتأمن على نفسها، وتمارس تعبدها في هدوء. لقد رفض بنو إسرائيل القتال. وقالوا لموسى كلمتهم الشهيرة: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ).
وبهذه النفسية حكم الله عليهم بالتيه. وكان الحكم يحدد أربعين عاما كاملة، وقد مكث بنو إسرائيل في التيه أربعين سنة، حتى فني جيل بأكمله. فنى الجيل الخائر المهزوم من الداخل، وولد في ضياع الشتات وقسوة التيه جيل جديد. جيل لم يتربى وسط مناخ وثني، ولم يشل روحه انعدام الحرية. جيل لم ينهزم من الداخل، جيل لم يعد يستطيع الأبناء فيه أن يفهموا لماذا يطوف الآباء هكذا بغير هدف في تيه لا يبدو له أول ولا تستبين له نهاية. إلا خشية من لقاء العدو. جيل صار مستعدا لدفع ثمن آدميته وكرامته من دمائه. جيل لا يقول لموسى (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ).
جيل آخر يتبنى قيم الشجاعة العسكرية، كجزء مهم من نسيج أي ديانة من ديانات التوحيد. أخيرا ولد هذا الجيل وسط تيه الأربعين عاما.
ولقد قدر لموسى. زيادة في معاناته ورفعا لدرجته عند الله تعالى. قدر له ألا تكتحل عيناه بمرأى هذا الجيل. فقد مات موسى عليه الصلاة والسلام قبل أن يدخل بنو إسرائيل الأرض التي كتب الله عليهم دخولها.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان قومه يؤذونه في الله: قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر.
مات هارون قبل موسى بزمن قصير. واقترب أجل موسى، عليه الصلاة والسلام. وكان لم يزل في التيه. قال يدعو ربه: رب أدنني إلى الأرض المقدسة رمية حجر.
أحب أن يموت قريبا من الأرض التي هاجر إليها. وحث قومه عليها. ولكنه لم يستطع، ومات في التيه. ودفن عند كثيب أحمر حدث عنه آخر أنبياء الله في الأرض حين أسرى به. قال محمد صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر.
وفي وفاة موسى - عليه السلام - يروي البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكه - أي لطمه على وجهه فأصاب عينه وفقأها - ، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عليه عينه، وقال: ارجع، فقل له يضع يده على متن ثور - أي ظهر ثور - ، فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة. قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر). قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلو كنت ثم لأريتكم قبره، إلى جانب الطريق، عند الكثيب الأحمر).
مات موسى -عليه الصلاة والسلام- في التيه، وتولى يوشع بن نون أمر بني إسرائيل
أنت تقرأ
قصص الانبياء
Espiritualقصص الانبياء قصص الأنبياء هي مجموعة مختلفة من القصص التي تم ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بتفسير القرآن الكريم، وقد تم تأليف الكثير من الكتب عبر العصور الإسلامية تتناول قصص الأنبياء، وقصص الأنبياء تشمل الخمسة وعشرين ن...