الجزء 3

107 5 3
                                    

في الصباح كانت نورة تجهز الفطور لصلاح بنشاط، تضع أمامه ما لذ وطاب على غير العادة، حتى انها استيقضت قبل عليا التي من عادتها هي تجهيز الفطور صباح كل يوم لأخيها، بينما تكون نورة لم تكتفي من حصة نومها بعد...
نورة: تريد المزيد من العصير حبيبي؟
صلاح: لا شكرا، أين عليا لقد تأخرنا
نورة: ستأتي حالا،
وقفت تقابله، تعدل ياقة قميصه بأنامل مغرية، مقتربة منه إلى أقصى حد، نفضت بلطف على كتفه العريض ومررت يدها الأخرى على لحيته الكثيفة قائلة بصوت تغزوه الأنوثة
نورة: لم تخبرني عن رأيك فيما اقترحت عليك البارحة، هل انت موافق على فكرتي؟
صلاح: نورة، لقد أخبرتك مسبقا بأنني لا احب ان اتشارك املاكي مع الغير.
نورة: لكن يا حبيبي هذا أخي وليس شخصا غريبا، إنه اخي الوحيد وأريد أن أضمن له مستقبلا.
صلاح: انا ضمنت مستقبلي بنفسي، انا بدأت من الصفر والآن انظري، لست فاحش الثراء، لكني على الأقل أعيش واعيشك انت وإبني واختي حياة كريمة، وفري ضمان المستقبل لإبنك احسن، سيف يعمل عندي وراتبه يحسده عليه الكثيرون فليحمد الله وليقنع بما عنده احسن من أن يخسر كل شيء.
كادت نورا ان تعقب على كلامه، حتى صاحت عليا: انا جاهزة صلاح، هل نذهب؟
غادر صلاح وعليا، بينما تأكلهما نظرات نورة المشتعلة غيرة وحقدا و غلّا.

اتصلت بعد مغادرتهما بسيف

نورة: ألا تزال نائم أيها الغبي، استيقظ حالا قبل أن يسبقك صلاح إلى الشركة، اسمع، أضنه لن يوافق على اقتراح شراكتكما مطلقا، لدي خطة بديلة، لكني أريدك منتظما في العمل أمامه كعقارب الساعة أتسمعني، لا أريد أي غلطة، وانتبه جيدا للعمل أمامك ابحث هناك عن أي ثغرة أو زلة نستطيع الضغط عليه بها.

رن هاتف ملك معلنا عن مكالمة فيديو من كوريا،
ملك وهي لا تكاد تفتح عينيها من شدة النعاس: ما الذي تريدينه في هذا الصباح الباكر
لينا: استيقضي يا مكتئبة.
ملك: ما رأيك أن تتركيني وشأني
لينا: اعرف انك اليوم لا تعملين، استيقضي هيا فالوقت تأخر عندي ولا استطيع النوم، قومي يا بنت كي تسليني
صاحت ملك تبكي كالأطفال : هل انت جادة، الساعة عندي لم تتجاوز الثامنة صباحا، لما تفعلين بي هذا، اللعنة على اليوم الذي تعرفت فيه عليك
تواصلت ضحكات لينا على بلاهة صديقتها: ماذا لو رآكِ صلاح بهذه الحالة، سيهرب لا محالة.
تحول بكاء ملك المصطنع الصاخب إلى ضحكة طويلة ثم استقامت في جلستها وراحت تسرح شعرها على شاشة الكاميرا بتكبر قائلة: بل سيذوب حبا أمام شعري القصير، هو فقط لم يتعرف علي، لكني إن رأيته في المرة القادمة لن ارتبك وسأذهب لأسلم عليه.
لينا: وماذا ستقولين له عندما يسألك عن زوجك؟ عن الشخص الوهمي الذي اخترعته كي تتركيه.
ظهر الحزن على ملامح ملك جليا، تذكرت بأنها قد كذبت عليه وجرحته، تذكرت بأنها تركته بدون أن تشرح له شيئا، وما أقسى أن يُترك العاشق بلا سبب، بلا حجة تشفي غليله، بلا ذريعة تجعله يمضي، ويبدأ من جديد، صعب ما جعلته يعيشه قبل عشر سنوات، صعب ومؤلم وظالم، تركته بعذر أقبح من ذنب، تركته من أجل رجل آخر كما قالت.
قالت ملك وهي تحدق بعيدا: هل يسامحني برأيك؟ هل يتقبل بأن كل شيء كان فقط كذبة! هل سيتفهم أنني فعلت ذلك لأحميه من والدي ؟
لينا: السؤال الأهم الآن هو هل في حياته فتاة أخرى ام لا، ماذا إن كان يحب؟ ماذا ستفعلين حينها!
بد الانزعاج الشديد على ملك وقالت مقطبة حاجبيها بلؤم : لقد ضاعت عشر سنوات من عمري وانا اعيش على أطلاله، أنسيتِ كم بحثت عليه بعد موت والدي، وكأن الأرض انشقت وابتلعته، انتظرته كثيرا من أجل هذه اللحظة التي سأجده فيها، والآن حان الوقت سأفعل ما بوسعي لاسترجاعه لينا فأنا كما ترين عاجزة لا استطيع أن أبدأ من بعده، قصتي معه لم تنتهي بعد، يجب علي انهاؤها أولا كي استطيع العيش من جديد
لينا: وماذا لو كانت في حياته غيرك؟ استدخلين مثلث حب كطرف شرير؟
ملك: أجل سأفعل، صلاح حبي الأول، وكنت حبه الأول أيضا، ولو لم يختفي بتلك الطريقة كنا الآن مع بعضنا نعيش في سعادة، لكني لن أستسلم سأحاول استرجاع ما كان يجمعنا، وإن فشلت على الأقل سأستطيع مواصلة حياتي التي وقفتها بسبب حبي الكبير له وشعوري بالذنب تجاهه.
لينا: لن أمنعك فأنا أعرفك حين تضعين شيئا في رأسك، أعلم أنك ستفعلين المستحيل، لكن كوني حذرة صلاح اليوم لا يشبه صلاح الذي كنت تعرفينه، الشاب الغني الذي رأيته البارحة، مستحيل أن يكون نفس الفتى الفقير الذي تركته بسبب فقره.
ملك: لكني لم اتركه بسبب فقره.

لينا: لكنه يضن بأنك فعلت ما فعلت لأنه كان فقيرا ومن دون عمل. لذلك احذري أن يحاول الانتقام منك.

تواصل حديث الصديقتين، وفعلا كان كلام لينا منطقيا، فصلاح لا يعلم السبب الحقيقي وراء ترك ملك له، وأكيد سيفكر بأنها ابتعدت لأنه في ذلك الوقت لم يكن يملك شيئا ليقدمه لها سوى حب كبير فقير.

وصل صلاح وعليا إلى الجامعة، وعيونه تمشط المكان بحثا عنها، عن ملاكه، ملاكه الشرير، عن تلك الفتاة التي تحولت من طفلة بريئة إلى امرأة قاتلة الأنوثة...
عليا: شكرا على التوصيلة.
صلاح: متى تنتهي محاضراتك؟ سأعود لاصطحابك
تلعثمت عليا وهي تنظر إليه باستغراب، لقد كانت تترجاه كي يأتي لأخذها ولم يكن يفعل، ما الذي يحصل الآن لما يلتصق بها هكذا!! هل يشك في علاقتها مع سيف، هل لاحظ شيئا ما بينهما يا ترى، أسئلة كثيرة كانت تدور في رأسها، بينما كان هو يبحث بعينيه عن شيء آخر تماما.
عليا: لا بأس سأعود بمفردي لا تترك أعمالك بسببي
صلاح: لست مشغولا كثيرا اليوم، اتصلي بي عندما تخرجين.
عليا: حاضر أخي، مع السلامة
انطلق صلاح ببطىء وكان واضحا جدا لأخته بأنه يبحث عن شيء... بينما هو واصل تشتيت نظراته حول الجامعة
لا أثر لها، لا هي ولا سيارتها، ترى هل وصلت قبلهم؟، أن أنها لم تأتي بعد، هل انتظر قليلا، أم أغادر.... ماذا لو انها لا تعمل اليوم؟
ما الذي يحصل لي، لما ابحث عنها هكذا، ما الذي أريده منها، لا بل أريد، أريد الكثير، أجل أريد تفسيرا، أريد جوابا على السؤال الذي أرهقني عشر سنوات مضت، أريد أن أعرف لما؟ لما تركتني بتلك الطريقة، أريد أن تجيبني لما اختارت شخصا آخر؟ ما الذي كان ينقصني وقتها؟ المال! لكنها لطالما اخبرتني بأنها لا تفكر في المال، وبأنها تحبني وستساندني مهما حصل، ما الذي غير رأيها؟ أم أنه لم يتغير بل كان مجرد كذبة لا أكثر.
تضاربت الأفكار في رأسه مسببة له ألما جاهدَ كثيرا كي لا يشعر به، عاد ذلك السؤال يلح عليه طالبا الإجابة، لماذا تركتني؟

أقلع بسرعة بعد أن فقد الأمل في أن يجدها، عازما على العودة من جديد وعيونه تشتعل غيظا...

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 06, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

حبي الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن