First Talk

4 1 1
                                    


-هو احنا مش هنشوف بعض تاني؟
انْدَهَشَ مُتَفَاجِئًا من مباردتها، ولكن ما أن استوعب وقوفها أمامه، أيقن أنه سؤالٌ مُهمٌ حَقًا. لأن ذات السؤال أيضًا يَشْغَلَه.
-ونشوف بعض تاني ليه؟
أراد منها مبادرة أخرى، ليس بشخصٍ جريء، ليقول: "لنفعل"، أو بالأحرى ليس برجلٍ يجيد التعامل مع الناس ليجيد التعامل مع النساء، وأيضًا في المرة الأولى له حتى. ومع ذلك فقلبه أحوج من أن يقول لها ألا نفعل.
- آاه.. صـ صـ صح..
شَبَكت يداها وتراجعت خطوةً للخلفِ، وبدا على مأمَلِها الخيبة، وأكملت بابتسامةٍ لم تكتمل:
-صح.. نشوف بعض تاني ليه!
صَمَتَ لِبُرهَةٍ وقد حَدَ من نَظرَتِهِ، فأعتقدت أنه رآها مُتَبَجِحَةٍ أو متخطية للحدود بينما هي المرة الأولى التي يتحدثان فيها معًا. فقالت ببطيءٍ خَجول:
- آااه، أعتذر لو تخطيت حدودي
-لاا أبدًا.. قصدي مش ممكن.. قصدي مش.. مش..
-مش ايه!
-مش.. مش.. مش عارف!
-مش عارف ايه!
-مش عارف لوو .. ينفع!
شَعَرَ بتصبب العرق على جَبيِنَيه، ولكن لا يعلم لمَ؟
هل لأنها المرةُ الأولى التي يعامل فيها فتاة، وبالتحديد فتاةً تُعجِبَهُ أم لأنه يبدو كأحمقٍ في الثالثة من عمره لا يستطيع تكوين جُملَةً واحدةً مفيدة!
طال صمتهما وشَعَرَا بحرارة المكان، تعتقد أنها أرعنت بتصرفٍ خاطيءٍ، ربما كان يجب ألا تَفعَلهُ، ربما كان يجب أن تفكر يومًا وليلة أو ربما يومان وليلتان، ولكنها في الأخير ستنساه.. لمَ كان يجب عليها أن تسأل.
وهو.. هو فقط أراد أن يزيل شعورها بعدم الراحة جراء حديثه السخيف، ولا يعلم لماذا أراد فِعْلُ ذَلِكَ، إنه أنقى من أن يَفهم!
-قصدي لو هنشوف بعض تاني.. هيكون إزاي؟!
بُهِّتَّ مما خرجَ توًا من فمه، وتسارعت دقاتُ قلبه الذي ربما غَفِلَ عنه لثانيةٍ، أو رُبَما غَفِلَ قصدًا؛ ليعطي نَفْسَهُ فرصةً، ليسمح بدخول أحدٍ إليه، ليشغَلَ وِحْدَتِهِ بِوَحْدَةٍ مع إمرأةٍ لا تأتي في العمر مرتين مهما طَال..
اتَّسَعَت عَيناها مما قيل، وما قيل ليس بهينٍ!
رغبته في إيجاد طريقةٍ يراها بها جعلت فاهِهَا يُفتَح متفاجيءً رغمًا عنها.
-هه!
-هه!
وضع يده اليسرى أسفل رقبته من الخلف ونظر بالجهة الأخرى، ونظرت هي إلى الأرض، بينما أحمرت وجنتاه.
سَرَقَت نظرةً إليه، فوجدته خَجِلًا، فَضَحِكـَت بلا سبيل منه، وتداركت الأمر بدهاءٍ، وقالت في نفسها أنه لربما على متخذ الخطوةَ الأولى أن يتخذ الثالثة.
-احنا ممكن نتفق على طريقة!
نظر لها ولَمِعَت خضراوتاه وشارف على الابتسام. فأكملت مبتسمةً وهي تُشير بيدها اليسرى ناحيته، وباليمنى أشارت إليها وهي تشرح وكأن الأمر عسير الفهم:
-قصدي طريقة نشوف بعض بيها تاني.. فاهمني؟
ضحكت مجددًا ولم تفترق شفتاها عن بعضهما بينما تنظر إليه بأملٍ لا يخلو من حديث لا يقال علنًا، فأرسلته إليه سرًا بنظراتٍ وحده يستطيع تفسيرها، وعلى محياها تلك الابتسامة الرقيقة التي إستأنسها منذ عَرِفَّها، تلك البسمة التي أذابت جبال الجليد بينه وبين العالم كله.
يبدو بأنه صمتٌ طويلٌ بينهم، لأنها سألت بحذرٍ:
-مش فاهم؟
اكتملت ابتسامته أخيرًا ورد بهدوء ضَحِك:
-لا، فاهم...
نظرت أرضًا تاليًا، وضحكت بروية بعدها ثَم قالت مازحة:
-هو أنتَ فضائي؟ أحيانًا بحس أنك متعاملتش مع بشر قبل كدا!
اختفت ابتسامته وكَشَرَت نَظْرَتُهُ قليلًا، فتابعت موضحة بتقطعٍ بطيء:
-دي .. المفروض.. ألشة!.. أنتَ.. فاهم؟
لم تتغير ملامحه.. وفجأة انفجرت منه ضحكة عالية لدرجة أن صداها صدى! فنظرت باستفهام، ولكنها حافظت على مراقبة ملامحه التي انكمشت عندما ضَحِكَ، والتجاعيد الخفيفة التي ظهرت عند جانبي عيناه، وتلك النغزةَ على صَدغهِ الأيسر التي تعمقت بشدةٍ وكأنها استغلت أنه أخيرًا ضَحِكَ.
انتشلها من تأملها الذي لم ينتهِ بعد، ملامح الراحة التي رَسَت على وجهه بديلة.
ناظرًا إليها بشغف لم يلحظه، وتمنته هي.
شَعَرَ بشيءٍ ما في صدره، ولم يفهم..
هل هو وَقْعُ خطواتها تدلو داخل قَلبِهِ بإرادته أم نظراتها التي اخترقت وجدَانهُ ولم يستطع جمح قلبه عن حبها؟
لاحظ صمتهما الذي يبدو أنه سيكون من عاداتهما إطالته، فقاطع تشوشات قلبهِ مع عقلهِ بتَصَرفٍ جازفٍ من نفسه للمرةِ الأولى بدون تفكيرٍ أو استشارة، متخذًا منحنًا عجيبًا قد يؤدي بهما إلى طريقٍ عسى يكون كاملًا، أو ربما ينتهي ناقصًا، ولكنه أجزم دون خوفٍ هذه المرةَ وليس من شِيَمِهِ. رَفَعَ رأسه مجددًا بعدما أخفضها وأطال النظر في عينيها، وتقدمَ بِخطوةٍ صَوبَهَا، وبادر هذه المرة بلباقة تُمَيِزُ الرِجَالَ قائلًا:
-أعتقد أننا ينفع نشوف بعض تاني..
تَقَدمَ خطوةً أخرى نحوها مجددًا، وابتسم متابعًا ولم يزح عينيه:
-حتى أعتقد أننا ينفع نشوف بعض تالت..
قلص مسافة بينهما مجددًا، مسافةً تَمَنى زوالها، وأكمل بجرأةٍ لم يعهدها في نفسه من قبل:
-أعتقد أننا كمان..  ينفع نشوف بعض.. كل يوم!

____________________________________

-رأيكم؟😅

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 02, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

May we meet again? حيث تعيش القصص. اكتشف الآن