الرجوع إلى علاقة قديمة.. تشبه إلى حد ما تدخين سيجارة مكسورة.. تمسكها من المنتصف.. فيما الدخان يخرج واهيا..يكاد لا وجود له..
وقف الشاب على حافة الشرفة ينظر إلى الخارج وبيده كأس شاي ساخن.. وهنا كانت الالتفاته التي لم يعني بها شيئا.. لكنها غيرت مجرى الأمور كعادة الأشياء الصغيرة.. وكما هو معروف الأشياء الصغيرة تتسبب فيما كل ماهو كبير وضخم.. عود الثقاب بإمكانه إحراق مدينة.. ودمعة طفل جائع تخرق آلاف القلوب من خلف الشاشات..
كانت لمياء تغوص بين الباعة.. تشتري من هذا وترفض دعوة ذاك..تحمل حاويات مشترياتها بعناية ..وكما يُصور إلى ذهن الشاب بأنها تحمل تلك الأشياء بمشقة.. حين يغدو قلبك مكسوراً ..فإنه يرأف لحال طفل يتشاجر مع والدته رافضاً الذهاب للمدرسة.. إن القلوب المحطمة أشبه بأسماك زينة في حوض مشفى..والناظرون إليه قد ألفوا هذا المشهد فلم يعد بالنسبة إليهم زينة أو ماشابه بل تحول إلى انطباع دائم بأنه من واجبات المشافي توفير حوض زينة..وعناية بحوض إنسان مكسور.. هنا يصبح الألم حبيس ذاتك المتشرخه .. كما أن النظر إلى البؤساء أصبح لايعطي الانطباع الكافي المفعم بالرهافه والاشفاق .. هم مثل الآلاف بل مثل الملايين .. بل مثل معظم الناس.. الشعور بأنك إنسان حزين هو شعور كاذب لأنه من مُسلّمات الحياة .. من آفات كثيرة تصيب حتى الحشرات قبل موتها..والأشجار قبل تحولها إلى حطب..والأحلام قبل سقوطها إلى القاع..
نزل الشاب مهرولاً إلى أسفل العمارة ليعرض مساعدته لها.. إلا أنها بادرت القول لا.. لا داعي.. وقف الشاب في منتصف الشارع..بينما كانت أصوات السيارات تحثه على الابتعاد..هكذا وقف متبلداً.. ويائس.. فيما تبعتها نظراته التي تجري بعد خطواتها الرطبه كدودة تلتف حول العربات ، والأعمده الخشبية في السوق، حتى ضاعت واختفت عن عينيه بين حشود هائلة من الأزياء الملونه ،والبشرات المتدرجة الألوان..
في صباح يومٍ آخر وكعادته من الشرفة يستمع إلى الصخب الذي يدوي من الأسفل.. رأى الفتاة نفسها .. فخالجته مشاعر لم يعرف عن كنهها إلا أنها كانت تسري في جسده، وتحيط به كضباع جائعة ..إن الشخص الذي لايرسم لنفسه وجهه ثانية بعد الضياع يظل فريسة الطرق الأخرى للأبد..
وقف الشاب أمام الفتاة.. عازماً وبأشد ما أمكن من ذلاقة اللسان لديه افتتاح حديث عابر، لكنها ناولته هذه المرة بعض اشياءها، وانتشل ما تبقى من الأرض، كما لو كانت عواطفه المتناثره، أحاسيسه التائهه، وقدره الأخير، ونهاية دربه الأخضر والمغسول بأرواح من مضى قبله ،
وهنا في طريق العودة التي تخص لمياء بالطبع، جرى حديث شفيف حول استيقاظ الذكرى القديمة لديه عندما رآها ، حبه الأول ، أيامه الأولى في كتابة أشياء رقيقة يرسلها ذات مساء لإحداهن، نوعا من الامتنان الذي يحببنه الفتيات هي الاعترافات حتى ولو كانت زائفة ، كان يقتسم كما اردف الأخطار التي تداهمه في كل ليلة مع من أحب بشده...
كانت لمياء توافقه الرأي والتأكيد بقولها: إن البدايات مظللة عن التصورات النهائية.. الحياة لم تكن عادلة يوماً، إلا أنها كانت تسبقنا بخطوتين ، والحب الذي يعد ممكناً ، صار بالإمكان بروزته، والنظر اليه كصوره قديمة ، تبعث فيك التمعن برعشة لذيذة إلى ذاتك القديمة ، إرث من نوع آخر تماماً..
اقتربا من المنزل لكن شاءت الحياة التي تسبقهما بخطوتين، مصادفة شخص آخر كان ينتظر لمياء ، تحيطه هاله من البؤس والجمود، الهالة التي لاتخفيها أبداً الأناقة ، الضعف الواضح الذي لايغطيه أبداً التظاهر بالقوة،
كان ذلك الشاب الآخر على علاقة قديمة معها .. كما توضح من خطابه الحزين وملامحه الهزيلة ، وهو ما سبب رجفة بسيطه لصديقنا صاحب الشرفة حين سمعها تقول له.. بعد أن تركته عن بعد خطوات.. سامحتك فأنا لطالما كنت أعاملك بعواطفي لا بالمبادئ، ابتعد صديقنا تاركهما خلفه وهو يغمغم..
لكن الرجوع إلى علاقة قديمة.. تشبه إلى حد ما تدخين سيجارة مكسورة.. تمسكها من المنتصف.. فيما الدخان يخرج واهيا..يكاد لا وجود له.. وهنا بدأ جسده بالاختفاء رويدا بين الضباب الذي يغطي الشارع، وقد أصبح موقناً بأن البدايات مظللة عن التصورات النهائية، والأسئلة الصعبة ترد عليها الحياة التي تسبقنا دوماً بخطوتين .

أنت تقرأ
علاقات قديمة
Romanceالرجوع إلى علاقة قديمة.. تشبه إلى حد ما تدخين سيجارة مكسورة.. تمسكها من المنتصف.. فيما الدخان يخرج واهيا..يكاد لا وجود له..