أتعلمون يا رفاق كم أن الحياة قاسية هي دائما ما تأخذ منا مقابل ضحكتنا فقانون الحياة أخذ و عطاء
و هذا ما حصل..
أنا الآن في السابعة عشر لقد مرت سنين طوال حدث فيها الكثير و تغير الكثير ،صوت الجرس المزعج أصبح مألوفا و ها هو يعلن عن دخول ضيف جديد لمكتبتي الحبيبة بينما أتفقد أنا عمال المكتبة و مرتاديها و أجيب السائل بما دريت عنه ثم انسحبت الى ركني الصغير المنعزل لأعيش لحظات مختلفة و أنا أغوص في أحداث الرواية التي أحملها بين يدي الآن ..بحلول المساء كانت المكتبة قد خلت الا مني و.. منصف أنه مساعد هنا و هو صديق لي منذ قدومه إلى هنا منذ سنتين
"هل ستبقين هنا أكثر؟"
"لا سأغادر " قلت وأنا أقف نافضة غبارا وهميا عني
"حسنا سأرافقك "
أومأت بهدوء و انصرفت عنه أتفحص الرفوف لآخر مرة لهذا اليوم و أعدل الكراسي حول طاولات المطالعة ثم ارتديت معطفي الثقيل ولففت شالي الدافئ حول عنقي واتجهت خارجا حيث كان منصف يفرك يديه و ينفخ فيهما نظرت نحو السماء الملبدة بغيوم رمادية و غصت في أفكاري الخاصة حتى شعرت بنظراته نحوي فاستدرت لاواجهه و احدق بخضراوتيه
"هل نذهب؟"بادرني
"اجل هيا"
تمشينا انا و منصف بتأني و الصمت ثالثنا ، لا أخفي أن هذا الهدوء أربكني و ظللت أحاول نبش موضوع ما للحديث
"آه رحمة!"
الحمد لله ، إلتفت إليه بابتسامة
"نعم؟"
"آه أظننا تجاوزنا بيتك" قال بتلعثم ، سأحرص على جعله يتخلى عن خجله المبالغ فيه هذه الأيام
"أحقا؟ لم أنتبه"
"أجل لقد كنت شاردة حتى_ أنك لم تنتبهي لحديثي"
"كنت تكلمني؟"تسائلت بدهشة
قهقه و أجاب "أجل منذ مبارحتنا المكتبة"
شعرت بخجل شديد و واثقة أن الحمرة قد نالت نصيبا من وجنتي
"أنا فعلا آسفة"
"تعتذرين كثيرا"
لا أدري إن كنت اتوهم و لكني لمحت الجدية في عينيه
"ربما.."
"بلى!"
"حسنا هل ترغب في احتساء كأس من الشاي الأخضر ربما؟"
"لا مانع لدي" قال بابتسامة مشرقة و إستدار متراجعا نحو المنزل
زفرت و تبعته
______
•وجهة نظر منصف•
_____
انسحبتُ و انسحبتْ الإبتسامة التي رسمتها و سمعت خطوات قدميها التي تدوس الأرض باِنتظام خلفي
هذه الفتاة تتأرجح على حبال قلبي و تلعب بأوتاره ، لا زلت أتذكر أول لقاء لنا .. في دار النشر! كانت توقع روايتها الأولى رغم كونها في الخامسة عشر فقط! تلك الابتسامة،تلك النظرة، بريق عينيها الوقت عالق لدي منذ ذلك الحين..
بحثت عنك كثيرا بعدها إلى أن وجدتك عيناي لم تقعا سوى عليك وسط الحشود يوم مهرجان البلدة
وددت أن اندفع نحوك و أقرّ لك بهوسي بك و بجميع تفاصيلك الصغيرة ثم مهلا .. أنت لا تعرفينني شعرت بالأرض تدور تحت قدمي المتجمدين
لكني لم أستسلم و ها أنا ذا أعمل جنبا لجنب معك
ثم نحن زملاء
و الآن أصدقاء
نحن نخرج معا
نحن نتكلم معا
نحن نصنع ذكريات جميلة ..معا!
لكني لا أزال أرغب بك كاللعنة
أريدك حبيبتي بل زوجتي،حاملة لقبي و أم أبنائي اللذين سأروي مسامعهم بقصة حبي الأعمى لك!
و لا أظن أن هذا سيحدث بسهولة فأنا أرى الحزن في عينيك منذ شهور أعلم أنكي تكابرين لكن لسوء حظك لا تنطلي علي خدعك فأنا أحفظك بتفاصيلك
لكني انتظرت و سانتظرك
الى الابد
_______
°وجهة نظر رحمة°
_______
فتحت الباب ، شعرت بالوحشة تلتهمني مع أولى زخات المطر على الأرض ، وقفت أراقب قاعة الاستقبال عن يميني بهدوء ثم تنحيت سامحة لمنصف بالولوج
سمعت صوت الباب يغلق ثم خطواته نحو الأريكة_ليست المرة الأولى التي يأتي بها هنا على كلّ_
تخليت عن معطفي الثقيل و باقي الأشياء على مقعد في المطبخ المفتوح و شعرت بنظرات منصف نحوي ثم تقدم و جلس على البار ضاما يديه إلى صدره و هو يتأملني
ابتسمت له ثم تناولت علبة الشاي لأشرع في تجهيزه
"ألا تنوين إخباري؟"
"إخبارك عن ماذا؟"
"ما حدث منذ أربعة أشهر ما غيّرك ما زيّف إبتسامتك"
توقفت كما توقفت كل خلية في جسدي لوهلة ثم باشرت بتسخين المياه و استندت بمرفقي أمامه
"و ما أدراك"
"أنا أعرفك رحمة!"
"أنت لا تعرفني منصف! أنت فقط تعلم ما أظهره لك! لا أحد يعرفني حتى أنا ! لا أعرفني.."
استقام أمامي و قال :"لكني أفعل! ربما لا أعلم ما تخفينه لكن أعرف جيدا عن حزنك و سعادتك أحفظ تفاصيلك لا تحاولي نفي هذا فأنت لا تعرفين ما يجول بخاطري و لا ما يحدث داخلي !"
جلس ثانية و تنهد
"تغيرك دون سابق إنذار سبب لي الهلع و القلق ألم تقولي أني صديقك المقرب صديقك الوحيد لما تخفين هذه الأمور عني!"انهرت على ركبتي و وضعت رأسي بين كفيّ
"يا منصف أنا أموت من الداخل ببطء شديد هناك عواصف هوجاء تهب داخلي و تهز كياني
مرهقة أنا يا منصف!
غادرت قريتي مذلولة ! هاربة من نيران التهمت كل ما قابلها و نالت نصيبها من قدم أمي!
الشخص الذي ساعدني و دعمني قتل أمامي أثناء ذلك التمرد لقد غسلت وجهي بدمائه لا و قد أوصى بي و أورثني مكتبته !
يا صديقي فقدت سندي في الحياة منذ أشهر لقد توسدت أمي ذاك الفراش و هي تتلوى من الألم بينما المرض ينهش جسدها ثم سكن ذلك الجسد فجأة في أولى ساعات الصبح مع علو آذان الفجر
أتعلم لم تقم لها جنازة فلا أحد يعرفنا! كانت حزينة لفقدها العجوز التي كانت تعمل عندها في محل الزهور لكن الأمر لم يدم طويلا فها هي قد لحقت بها مثير للسخرية!"
شعرت به يحيطني بحنان بذراعيه و سمحت لنفسي بكسر حاجز الكبرياء عني لأنخرط في بكاء مرير
"إشتقت اليك يا أمي لما غادرتي و تركتني ألم نكن معا دوما؟ ألم تعديني بذلك! "
كانت الدموع تغسل وجهي و صوت الماء الساخن يتمرد ملتحفا أىضية المطبخ يداهم أذني لكني لم أهتم فقد احتجت لهذا الحضن كثيرا..
رفعت رأسي نحوه و وجدته ينظر نحوي بحنو
"إن الله إذا أحب عبده ساقه ٱليه اليس كذلك؟ أمي بجانبه الآن أليس كذلك؟"
أوما ببطء و أكد حديثي
"أجل هي كذلك و ذلك المكان أكثر راحة لها من هذه الحياة الجائرة "
أومأت له أن نعم ثم توسدت صدره و لم أشعر بالوقت بعدها___________________
أنا الآن في الثالث و الخمسين من عمري ، سأروي لكم عن مختصر حياتي
عشت قصة حب جميلة و لطيفة مع زوجي قبل أن يضمنا بيتنا المتواضع هذا ، حيث ربيت أشبالنا و رويناهم بالحب و الحنان ،علمناهم السخاء و العطاء .. و لا زلت على إتصال بصديقي المقرب منصف ،
إنه خليل وفي 3> اوتعلمون! لقد صارحني بحبه بعد عشرين سنة من زواجي ذاك الأحمق! على كل لا بدّ أنه تخلى عن تلك المشاعر الطفولية
أنا الآن في إنتظاره لقد قال أنه سيزورني اليوم!
صدح صوت الجرس في الأرجاء أظنه قد قدِم
"أهلا حبيبتي "
"أهلا منصف!"
نظر إلي باستنكار
"منصف فقط!"
"أنت غبي جدا! أنا أقوم بمقلب للقُرَّاء!"
"مقلب! و عن ماذا؟"
"لا داعي لتعرف فقد أفسدته! زوج غبي"
"يا الهي ارحمني!" تمتم منصرفا
"أنا الرحمة يا هذا ! " صحت
لما تنظرون الي هكذا !
حسنا! حسنا!لقد كشف الأمر لقد تزوجت أنا و منصف بعد سنتين من حادثة البيت و أنا الآن في التاسع والعشرين لكني لا زلت أحتفظ بحماسي الطفولي كما يدعوه منصف ، و مفاجأة:
أنا حامل!
لم أخبر منصف بعد إنه سر _تغمز_وداعاً!
______________
أهلاً!!
القصة القصيرة
~رحمة!~
تمت بإذن الله
نلتقي في قصة أخرى إن شاء الله
سلام!