01 : اللقاء الضائع !

514 26 21
                                    


فيما مضى داخل الذاكرّة وأكفان النسّيان،،
.
.
.
شعرتُ بموجة من الألم، تغمرني فتُخرِجُ عنوةً تلك الصرخة الجافّة من داخلي ! وكأن كل بواطِن آلامي الساكنّة قد تمرّدت وعبرت خلالها، معترضةً عن سكوتي الدائم طوال الأيام الماضيّة.
و لم يكن خير محفزٍ لهذا كله سوى تلكِ الحرارة المنبعثة من أذني اليمنى بعد أن كُتِب لها النجاة من رحمة أنامل تلك المرأة المجنونة !
إذ لا أتصور العيش بأذن قد تم قطعها لأجل أعمال منزلية لم تنجز قبل مغيب شمس اليوم ! لم أسرح بتفكيري طويلاً إذ ضاعتْ أنفاسي فجأة، و تورّم وجهي تاليًا من الجهة اليمنى إثر صفعة قاسّية تلقيتها فورًا بعد صرختي، حيث أرتأت صاحبتها أن تُلجِمَ صوتي، بل كياني بأسره إن استطاعت.
أخذت أنفاسي تضطرب واستعرتْ عيناي بالحنق، لكن أطرقتُ رأسي عندما أدركتُ بأن الدموع قد تعلقتْ في الأهداب فلا أود أن أظهر الضعف في هذه الساعة، وأخذتُ أحث نفسّي الكريمة على الصبر هذه المرّة وعدم الإنحطاط بالتطاول بكلماتٍ سيئة وقذرة، فلا أود أن أشبه تلك المرأة في شيءٍ البتّة !

«إنه نائم !! أي عقل لديكِ لا يُدرك هذا الأمر ! سيكون الشنق مصيرنّا أن أفاق جرّاء أي صوت ! »

كانت تضغط على أسنانها المُصفرّة فيما تنطِق تلك الكلمات بهمسٍ شديد و لسانٍ عجول، تنهرني بشدّة مخافة أن يستيقظ ذلك الرجل داخل المنزل ! لا أنكر أن شيئًا من السخرية قد أخذ يطوف حول أفكاري؛ إذ من يرى عيناها الجاحظتان رعبًا الآن سيظن لا محالة بأننا نأوي وحشًا داخل منزلنا وليس رجلاً عاديًا !

«بلهاء ! لا أعمال منزليّة في الليل ! هذا قانوننا هنا ! »

تأوهتُ بعد أن وبختني وضربتْ رأسي سريعًا بيدِها، أعلم يقينًا أنها تُفرِّغ ضيقها المعتاد وغضبها المكبوت علي أيضًا، كأنما وجدتْ على نفسي الفرصة لذاتها المغلوبةِ من قبل ذاك الرجل.

« بئسّا له ! ليرقدّ بالجحيم و نرتاح منه ! فليأتي المرض ويأخذ هذا الرجل بعيدًا عني وأصبح حرّةً طليقة ! »

أخذتْ تصرف انتباهها عني ناحية السّقف، تتأفف بضجر و تتمتم بكلماتها المتذمرّة وصلواتها المعتّادة في صوتٍ خفيضٍ يشوبه البغض. وددتُ النطق باعتذار صغير إليها لتهدئ عني وتذهب لكن خشيتُ من نوبة غضب أخرى جديدّة قد تلقيها عليّ إذا نطقت بشيء فتراجعت ببساطة وبقيتُ ساكنة انتظرها حتى ترّحل وأعود لحجرتي الصغيرة، ملاذي من هذه الفوضى، و الدنيا التعِسّة حولي.

لعل نفسي ودت الصراخ على تلك المرأة من أعماقي لكن لا طاقة يحتويها جسّدي للمجادلة معها حول أي شيء، كما أن الصدّاع قد بدأ يلوح في الأفق، ولازلتُ لم أجد الوقت للتفكير حول طلب ذاك السّيد الغريب الذي لاقيته مؤخرًا قرب الغابة الشماليّة.

ما وراء السّماء و الغَيم ... [رواية]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن