كان اسمه جونى اسعدته مقابله روبين وبادلته هى الشعور نفسه 0 لكن لم ينتفض له قلبها ، فوحده دين مورناى قادر على اثارة عواطفها وزرع الارتباك فى اعماقها 0 لكن جونى رجل لطيف ووسيم ، يعمل كمدير لشركة التبغ المجاورة لمزرعة كرانيتكوب 0 وهو فى الوقت نفسه يدرس الزراعة فى الجامعة 0 كان طويل القامة نحيلا واسمر اللون 0 ادركت روبين انه لا يكبرها سوى بثلاث سنوات فقط 0 اظهر اهتماما شديدا بروبين ، مرددا على مسمعها كلمات الاطراء ، معبرا بذلك عن اعجابه وتقديره 0 سمعت منه روبين جميع ما كانت تحلم ان تسمعه من دين مورناى 0
اشتعلت النار فى المدافئ وفاحت فى الجو رائحة اللحم المشوى تختلط برائحة الازهار التى تحيط ارجاء المنزل ، وفى السماء كانت تلمع نجوم الليل 0 ترنحت روبين من روعة المساء ، واحست كأنها فى عالم خيالى اجمل من ان يكون حقيقة 0 التف المدعوون حول النار ، وغمر الجميع شعور بالغبطة والفرح 0 بقى جونى مع روبين لم يفارقها لحظة 0 وخلال انهماكهما فى الحديث اقترب منهما دين وكلاريسا التى قالت والابتسامة تعلو شفتيها : حسنا روبين وجونى كيف تجدان الحفلة ؟
نظرت روبين الى دين ووجدت لدهشتها ان الغضب يكسو وجهه ومرة اخرى بدأ قلبها يخفق بسرعة 0 كم تود ان تلمسه وكم يبدو الأمر مستحيلا رغم انه قريب منها 0 وردا على سؤال كلاريسا اجابت روبين : انها ولا شك حفلة رائعة 0 -ربما مقابلة صديق جديد اضافت للحفلة رونقا واهمية 0 اما قلت لك ان جونى سيعجبك جدا ؟ يعجبها جونى طبعا ، لكن ليس الى الحد الذى تحاول كلاريسا ان تخلقه 0 فكيف تجرؤ هذه المرأة ان تنظم لها حياتها كما تشاء ؟ واعتقدت روبين ان دين طلب من كلاريسا ان تعرفها بجونى 0 كم تكرهما فى هذه اللحظة ، فهى ليست دمية بين ايديهما ، ولا شأن لهما فى التدخل فى حياتها الشخصية 0 فاذا اعجبها جونى فالأمر يتعلق بها فقط ولا حاجة لكلاريسا او دين ان يتدخلا فى الموضوع 0 كانت على وشك ان تتكلم حين قال جونى : روبين فتاة رائعة 0 يسعدنى اننى امكث فى هذه الجوار فذلك سيؤهلنى لرؤيتها مرارا 0
-يبدو ان الحفلة جلبت لكما الحظ اليس كذلك ؟
ووضعت كلاريسا يدها فوق يد دين وكأنها تطلب منه ان يدعم ملاحظتها ، لكنه لازم الصمت وبدا عليه الغضب اكثر من قبل وفى الوقت نفسه كانت روبين تشتعل غيظا 0
ابتعد عنهم دين وتبعته كلاريسا 0 لاحقتهما عينا روبين وهما يختلطان مع مجموعة من اصحابهما 0 ولرؤيتهما معا جدير بالذكر انهما فعلا ينسجمان شخصية ومظهرا 0 ومن جديد تسرب الألم الى قلب روبين ، ذلك الألم الحاد الذى باتت معتادة عليه الان 0
كان جونى قد تركها لبرهة ثم عاد ومعه صينية محملة بالأكل وشراب عصير الليمون 0 شعرت روبين ان لا شهية لها للأكل ، خاصة بعد رؤية دين وكلاريسا يتمتعان بوقت سعيد 0 لكن من المهم جدا الا تظهر حقيقة عواطفها وعليها التصنع بالفرح 0 وفيما بعد ، حين تنزوى مع نفسها من جديد ستفكر بعواطفها محاولة تفسيرها وايجاد حل لها 0
وسرعان ما وجدت روبين نفسها تتجاوب مع جو الغبطة والسرور الذى يخيم على الجميع 0 واسعدها وجود جونى قربها ليهتم بها ويجعلها تشعر بانها امراة 0 تناولت طعامها ووجدته لذيذا 0 وبعد ان انتهى الجميع من تناول الطعام وماتت النار فى المدافئ ، صدح صوت الموسيقى وغصت القاعة بالراقصين 0 انضم الى شملهم جونى وروبين التى نسيت جميع همومها وركزت انتباهها على الرقص مع جونى ، محاولة تجنب النظر الى دين ، لكن لم يكن ذلك سهلا ابدا 0 لاحظت روبين ان دين رقص مع نساء عديدات خلال السهرة لكنه رقص مع كلاريسا معظم الوقت 0 وكم ازعج روبين رؤيتهما يشاركان وقتا حميما اذ التفت ذراعا كلاريسا حول عنق دين تداعب شعره واتكأت برأسها فوق كتفه وتمسكت به كأنه ملكها 0 بلغت الساعة منتصف الليل حين اقترب دين من روبين ودعاها للرقص فاجابت : ربما من الأفضل الا ارقص معك 0
لكنه لم يأبه لرفضها بل انتزعها من مقعدها وتوجه بها الى حلبة الرقص 0 التفت ذراعاه حول خصرها وحدق فى عينيها بصمت ثم قال بعد لحظات قصيرة : هل وقعت فى حب جونى بهذه السرعة ؟ ام انها فكرة وجودك بين ذراعى التى تزعجك للدرجة التى ترفضين فيها الرقص معى ؟
رغم شوقها الجامح للرقص معه والشعور بلمسة يديه اضطرت روبين ان تكذب وهى تقول : يمكنك ان تقول ان هذا الكلام صحيح !
اطلق دين ضحكة عالية واجاب : كلاريسا على حق فأنت مازلت طفلة !
-اهذا ما تقوله كلاريسا ؟
-نعم وهى على صواب 0
اشتعل الغضب فى داخلها مرة اخرى لكنها احست باليأس 0 ارادت ان تقول له اشياء كثيرة لتدافع عن نفسها ، لكنها اخفقت فى محاولتها 0 بقيت عيناها معلقتان بدين والخيبة بادية على وجهها ثم قالت بصوت خافت : دين 0000
لكنه وضع انامله فوق شفتيها قائلا : لا تتكلمى ، الا تعلمين ان الرقص والكلام لا يتفقان ؟
وجذبها اليه وراحا يرقصان 0 تركت له روبين حرية التنقل بها ، واحست كأنهما يشاركان حلما جميلا ليته لا ينتهى ابدا 0 ثم اصطحبها الى بقعة خالية مظلمة ، حيث يستحيل لاحد ان يشاهدهما وهمست روبين من جديد : دين 0000
لكنه احبط كلماتها قائلا : هس 0000
كان يعانقها مما جعل مشاعرها تنقلها الى عالم سحرى ، وراوتها افكار شتى تزاحمت فى رأسها وكادت تشتتها عقليا 0
ثم فجأة ، ابتعد عنها دين وتوقف عن الرقص 0 امتلأت عينا روبين بالخيبة لكنها سرعان ما اكتشفت سبب توقفه 0 لمحت وجود كلاريسا قربها ويدها فوق ذراع دين وقالت : بدأ جونى يمل من وجوده بمفرده ، فوجدت انه من الافضل ان اقاطع رقصتكما 0 روبين ! هيا يا عزيزتى عودى الى جونى فهو لم يعد يحتمل الانتظار 0
بدت فى عينى كلاريسا نظرة سامة عدوانية وانتقل نظر روبين الى دين الذى بدا عليه الغموض ولم تستطيع روبين قراءة التعبير على وجهه 0 اغاظها انه لازم الصمت ولم يظهر اى غضب 0
عادت روبين الى جونى الذى كان منهمكا بالتحدث مع احد المزارعين ، واسعدته رؤية روبين من جديد لكن لم يبد عليه الملل من طول الانتظار ، بل كان مهتما باكمال حديثه 0
استمرت الحفلة ، لكن بالنسبة الى روبين ضاع السحر وتلاشى الضياء وحان الوقت للعودة الى المنزل 0 اقترح دين ان يصطحبها واسرتها الى منزلهم ، لكن جونى اصر على ايصالهم ووافق دين بدون اى اعتراض 0
ودعهم بتهذيب 0 كانت كلاريسا بقربه طبعا وقالت لجونى : اعتن باصحابى الصغار كما اوصيتك 0
انطلقت سيارة جونى حاملة اسرة سلون الى مزرعة كرانيتكوب ، وبعد ان دخلت آنا واخوتها المنزل ، بقيت روبين فى السيارة برفقة جونى الذى امسك بذراعها قائلا : روبين 0 ايمكننى زيارتك بين الحين والاخر ؟
-طبعا 0 يسرنى ذلك 0
بدا الفرح على وجه جونى واقترب منها ليعانقها ، لكنها ابتعدت عنه قليلا ولم يلح جونى ، بل القى عليها التحية ورحل 0 وقفت روبين فى ظلمة الليل تتأمل سيارته تبتعد وفى عينيها حزن وتعاسة 0 ها هو جونى يهبها ما تحلم به كل فتاة 0 الاعجاب والاحساس بأنها امرأة جميلة وفريدة من نوعها ،اعطاها جونى الثقة فى نفسها ، ولكنه اخفق فى اشعال نار الشوق فى اعماقها كما فعل دين 0 فجونى لايملك تلك الرجولة الخارقة التى يتحلى بها دين 0 لكن ليس من العدل ان تقارنهما ، هكذا فكرت روبين فى ذهنها 0
مستحيل انها وقعت فى حب دين 0 فما تعرفه عن الحب هو انه شعور موجود فى عالم العواطف ، لكنها لم تعرفه بعد بل ستجده يوما ما 0 فربما ما تشعر نحو دين ليس افتنان واعجاب بجماله الخارجى ، فهو فعلا رجل جذاب يكفى ان ينظر اليها ليجعل قلبها يخفق بسرعة جنونية 0
لكن الحب اهم من ذلك ، وما تشعر به نحو دين لايمكن ان يكون الحب الحقيقى ، بمعناه الكامل 0 صوت باطنى فى داخلها كان يهمس بأنه الحب 0 ولم تستطيع روبين اسكات هذا الصوت بل رضخت له فى النهاية اجل هى تحب دين 0 عرفت ذلك منذ وقت طويل لكنها ابت ان تستسلم لهذه الفكرة ، ربما ولد حبها له حين انقذها من المتشرد الخطير ، او ربما منذ رأته لأول مرة حين زارت مزرعة الجبل الأزرق 0 لكن مهما كانت الحقيقة فلا امل لها بالنجاة ، فالطريق مقفلة امام حبها 0 اذ سيتزوج دين كلاريسا يوما ، وعلى روبين ان تخضع لمرارة هذا الواقع وتحاول التغلب عليه 0 فالمرة القادمة حين يأتى موعد الدفع ستذهب شخصيا الى مزرعة الجبل الازرق لتواجه دين فهى لن تستطيع ان تتجنبه الى الابد 0
وفى اليوم المعين انطلقت روبين فى طريقها الى مزرعة الجبل الازرق 0 لم تلمح دين فى الحقل ، وتساءلت اين ستجده 0000 ربما فى المنزل 0 تركت فلاش فى الاسطبل واقتربت من الشرفة وهناك لمحتهما 0 كانت روبين تقترب من الخلف ولاحظت انهما يتناولان القهوة ويتحدثان 0 همت روبين بابلاغهما عن وجودها حين سمعت اسمها يذكر خلال حديثهما 0 كانت كلاريسا تخاطب دين ، فاختبأت روبين وراء الشجرة تستمع : انه يوم الدفع اليس كذلك ؟ تباعا لرقصتها معك خلال الحفلة ، ينتابنى شعور انها ستأتى شخصيا اليوم لتدفع القسط 0 وتوقفت كلاريسا قليلا ثم اطلقت ضحكة عالية واضافت ، يا مسكين 0 لااعلم ما الذى يجعلك تهتم لامر طفلة فى سن الدراسة ، باتت روبين مصدر احراج ، الا تعتقد ان على التحدث اليها ؟
وضحك دين ولم تنتظر روبين لسماع جوابه 0 بل انصرفت بصمت شديد ، تماما كما اتت ، ولم تنتبه لارتعاش جسمها الا حين اعتلت صهوة حصانها وعادت ادراجها 0 على الاقل لم يعلم دين وكلاريسا بوجودها ، فهى لن تحتمل احراجا اضافيا 0
وصلت حقل مزرعة كرانيتكوب ولمحت اخيها يقطف ثمر المانغو فنادته وسلمته المال ، ثم راقبته بحزن وهو ينطلق ناحية مزرعة الجبل الازرق 0 عادت روبين الى المنزل ، حيث ارتدت ثياب العمل وانهمكت فى احضار الماء من النهر 0 ارادت ان نسيان نفسها وتعاستها ، فيا لها من غبية لتعتقد ان مشاعرها نحو دين سرية ، لا يعلم بها احد 0 اذن يجد دين وكلاريسا ان الأمر مضحك 0 ودبرا لها لقاء مع جونى ، ارادا الهاء الفتاة الصغيرة بدمية جديدة 0 اللعنة عليهما 000 والتهمها غضب شديد 0 لكن الغضب شعور يمكنها تحمله بينما لا تقوى على تحمل اى شخص يهزأ منها ويضحك على تصرفتها0
ستجد طريقة لتبرهن لدين انها ليست طفلة ولن تسمح له بان يهزأ منها ابدا بعد الآن .
أنت تقرأ
ضوء آخر النفق - روزميري كارتر
Romanceالملخص * احيانا تزيد ضربات القدر من عزيمه الانسان وتحديه فى مواجهه الحياة روبين برغم صغر سنها لم تستطيع المصاعب ان تقهرها فبعد موت والديها وقفت وحيدة تصارع رياح الفقر لم تهرب لم تنكسر ظلت نبتة عنيدة مغروزة فى ارض اجدادها برغم محاولات دين مورناى لاذ...