١١ سبتمير ١٨٨٩حزمت الييزا امتعتها القليلة ، في حقيبتها الصغيرة ، و ارتدت فستانها الصوفي المزركش ، لتمشط شعرها و تضع فوقه زينة جميلة تكسر البساطة في رونقها ، القت نظرة اخيرة على نفسها في المرآة و نزلت بخطوات سريعة في السلالم ، لتقبل جبهة امها الممتلئة بالتجاعيد و ترسل لأبيها قبلة وداع من بعيد ،
"اعتني بنفسك صغيرتي " ليهمهم اباها بهدوء .
ركبت الييزا القطار ، ووضعت امتعتها في الدرج العلو و جلست في الكرسي المقابل له بجانب رجل في متوسط العشرينات يضع قبعة على رأسه ، يسمع شخير نعاسه في جميع المقطورات ، لكن سرعان ما اعتدل في جلسته ليلقي بنظره في محيطه ، و يحدق في الييزا من اعلاها الى سفلاها ، و يدير رأسه لناحية النافذة و يتأمل عظمة الخالق من الجبال الريفية التي تبتعد شيئا فشيء كلما زاد القطار في سرعته
اما الجالسة بجانبه فقد اخرجت بعض دفاترها الموسيقية لتحاول بذلك اكمال حفظها ،محطمة ملل السفر الخانق ، لا سيما انها لا تعرف احدا ليلقي الاخير بنظرة فضولية على اوراقها ، و يتمتم : ترنيمة الوداع ، اليست كذلك . توسعت عيني اليزا ، لتهز رأسها بتعجب ، فأكمل : هل انت عازفة كمان؟.
لتدير وجهها ناحيته و تهز رأسها مرة اخرى بتأني ،
و الاسئلة في داخلها تتحاور بعضها البعض ، كيف علم بذلك ؟ علت على وجهه ابتسامة جميلة ، سحرت الييزا ، ليقاطع سباتها العميق في ملامح و جهه ذو البشرة السمراء
بإعطائها ورقة ، تبينت لها كأنها عنوان لموقع ، ما . فاحنت رأسها شاكرة له ، ليقول : انه عنواني ، انا مرحب بزبائني في كل الاوقات " ما لبثت ان علمت انه صانع الات موسيقية من الطراز الرفيع ، يا لها من صدفة جميلة . انها متواجد في مقصدها ايضا مدينة فيينا .
لم يتبقى سوا بضع ثواني ليتوقف القطار ، و تقف الييزا ممسكة بحقيبتها الصغيرة ، تترآى لها مدينة العاشقين روميو و جولييت امام اعينها ، و تعلو عليها ابتسامة جميلة تزين ملامحها و تضحك بصوت منخفض ، لتنزل مسرعة ، كأنها وجدت ما تبحث عنه اخيرا،
أنت تقرأ
ترنيمة الوداع
Romance"ما زالت اوتار آلتك تضمر في نفسي الحزن و الوحدانية ، لكن عيناك المنكسر في ذلك اليوم ، استطاعت ان تترجم زمجرة آلتك الضخمة القابعة في مكان ما من روحك"