كان لون الشمس القرمزي ، علامة على تبادل الادوار بين الليل و النهار ، ليضفي الشفق الاقحواني ، رونق الحزن وسط السماء ، و تدخل المدينة في ضيافة الانوار مشعة وسط الظلام الحالك .
حملت اليزا بعض الصحون الممتلئة بالاطباق اللذيذة ، التي وضعتها على طاولة الطعام ، و فرقت الصحون و الشوكات و الملاعق بالتساوي . و تخرج الى الحديقة المتوهجة بالحشرات المضيئة و تجلس على عتبة باب الاصطبل , و تسند فكها على راحة يدها ، متحيرة في امرها ، لأنها و لأول مرة تجد الشعور الذي تخاف من ان يتملكها ، لا سيما ان كان ذلك ملجأها الوحيد . فعلمت الآن لما كان عزفه غريب عند لقائه للمرة الثانية لأنه كان غير متناغم ابدا ، غير انه كان مخيفا نوعا ما ، لكن ايقنت انه كما تمر الرياح ، ستمر هذه الآلام أيضا . يمكن ان تحصل الاشياء الجميلة ايضا ، فهناك ازهار تنمو في الليل بينما الكل نائم غير موقنين بها. اذن فيمكن ان تكون للوكاس احلام اخرى لا يراها .او يمكنه ان يبحث عن حلم جديد كفيل بنسيان الآخر .
" لو استمريت بمحاولة النسيان هل سأنسى؟ "
تفاجأت اليزا بصوت الغريب الذي جاء من وراءها لتلتفت بسرعة . و ترا الفتى النمساوي الذي قابلته لأول مرة في القطار (لوكاس ) قاطبا امامها بيدين بجيوبه ، و بقبعته المعتادة ، بدت على وجهه ملامح التساؤل ، ليدلف الاخر يجانبها . و يكمل " اسف على التصنت ، سمعت ما قلتيه بالغلط " نظرت له اليزا لبضع ثواني ثم ابتسمت و احنت رأسها للأسفل ، مدركة انها كانت تتحدث بصوت مرتفع . لتقول بعدها : لم تجبني عن سؤالي ، لماذا تستمر في الابتسام ، هكذا ."اتخذ موضعه بجانبها و
شبك يديه ليضعها على ركبته و ينظر الى السماء ، قائلا بنفس طويل خارج من صدره " بدأت القصة ، منذ ان كنت بسن السادس عشرة ، كانت اول هدية في عيد ميلادي ، الة تشيللة صغيرة ، لقد احببتها حقا ، لم اكن اعلم انها ستحدد مصيري في ان اصبح فنانا بواسطتها . كانت هدية من أمي ، هي التي كانت تشجعني في ان اصبح فنانا ، فقد كانت هائمة في الموسيقى ، و كانت تتطلع الى ان أحقق حلمها . لكن انتهى كل شيء ذلك اليوم ، اليوم الذي عاد ابي و في يده قنينة نبيذ متوسطة الحجم ، لم ارى الا اندفاع ابي قاصدا تعنيف امي ، لاحس بجسدي ينحال من مكانه ، لاتلقى الضربة الجسيمة على راحة يدي . لم احس بغير الدماء تنهمر منها . موازية لعبرات أمي ، التي تتساقط على خديها بألم ، علمت في ذلك الوقت سبب وجود بقع بنفسجية و زرقاء على ذراع أمي . لكنها كانت تبتسم رغن ذلك ، اظن انني ورثت هذه الخصلة ، منها . لذا لا يمكنني العزف الآن لقد كسرت معظم عظام يدي الصغيرة التي يستحيل شفاؤها " كانت نبرته جادة ، لكن كالعادة ، لا يمكن لتلك الابتسامة ان تنمحي مهما كانت شدة الألم . بدأ لوكاس بسماع انين قادم من جانبه ، ليجد الييزا تبكي بوجه مضحك و انتفخت عيناها من البكاء و احمرت وجنتاها ، لينفجر لوكاس من الضحك و هي تقنعه ان ذلك غير مضحك البتة ، فأخرج منديلا اخضر من جيبه و ناوله إياه ، قالت بصوت يتخلله البكاء : شكرا لك !! , فأحمر لوكاس خجلا من رقة كلام اليزا ، ليقول بهدوء : انت من النوع الذي يبكي بسرعة حقا .
لترد عليه الييزا برقة :انا من النوع الذي يبكي في المسرحيات الدرامية ايضا .
لينفجرا الاثنين ضحكا ، لكن لم يعلم لوكاس ما الذي حصل لقلبه بعد ان امسكت الييزا يده المصابى و اكملت : لوكاس ، انظر يمكن ان يكون القمر جميل فقط لانه بعيد ، و أنت قمت بعمل رائع جدا طوال هذه المدة فلتكون ايامك دافئة و تلتقي بالشخص الذي قد يكون المعجزة في حياتك ، فجميع الاشياء التي معك الان و انت لا تشعر بها ، قد تكون اثمن الاشياء بالنسبة لك " لقد كان هذا الكلام يثلج صدر لوكاس ، لم يحس بهذا الاطمئنان و هو ينظر الى عينيها البنيتين ، غارقا فيهما ، و عينيه تلمع يريد ان يهرب او ان يزيح خاصته منهما لكن شيء ما يمنعه ، ليرد الاخير بجدية : ليست لدي امال كبيرة .
احيانا بابتسامة ناعمة
و كلمات دافئة و بعض من الاطراءات ..
اعتقد انه يمكنني القيام بعمل أفضل ..
احست الييزا بالدفئ من نبرة صوته الهادئة ،
لكن بعد غرة انتفضا من مكانهما بعد سماع صوت المفاجأ : ايه انتما الاثنان ، ما الذي تفعلانه هناك .
أنت تقرأ
ترنيمة الوداع
Romance"ما زالت اوتار آلتك تضمر في نفسي الحزن و الوحدانية ، لكن عيناك المنكسر في ذلك اليوم ، استطاعت ان تترجم زمجرة آلتك الضخمة القابعة في مكان ما من روحك"