*بدايتي مع الفهد

26 3 0
                                    

لازلت أتذكر تلك الأيام القليلة بكل تفاصيلها منذ اللحظة التي وطأت فيها قدماي أرض الوطن ، حين كانت الطائرة متجهة إلى الإمارات ، ليكون شعوري عكس جميع المسافرين الذين يصعدون الطائرة لأول مرة وهم في مثل سني ، لم أكن مستمتعًا أبدًا بالوقت الذي قضيته بالطائرة مثل أختي الصغيرة .. فقط كنت متلهفًا للعودة إلى وطني بعد غياب أعوام طويلة عنه .. أجل ، كنت في الثانية والنصف من عمري ولم أري أبدا عائلة والدي سوى مرات عدة على عكس أمي وأبي بالتأكيد وحقا لا أعلم السبب ، والٱن عمري خمسة وعشرون عاما ، أنا حتى الآن لا أدري بالضبط لمَ تركنا وطننا من الأساس ، فكل مرة تخبرني أمي سببًا مختلفًا عن الذي قبله ، مرت الرحلة بسلام حتى أوشكنا تمامًا على النزول من الطائرة .. حينها كان أبي يحدث شخصًا ما على الهاتف ، وأظن أنه كان عمي ..
= لا يا أخي ، فكرت جيدًا بالأمر ولم يعد يهمني ذلك الولد أو غيره ، ولكن ما يقلقني هو (رقية) .. أتمنى أن تمسك لسانها ولا تتحدث بشئ أمامه .. صدقني يا أخي ، لولا أبي وأمي لما عدت بعد كل تلك السنوات من التواصل الهاتفي فقط .. أنت تعلم أن الأمر فوق طاقتي ولا يمكنني تغيير أى شئ ، سواء كان الأمر سيتغير حقًا أم لا ..
حين سمعت أبي يتحدث ، لم يهمني أو يشدني أبدًا ما قاله  كاهتمامي لنبرة صوته الذي حاول أن يجعلها خافتة بقدر الإمكان وكأنه يتحدث عن أسرار حربية ههه ، لم التفت كثيرًا للأمر كعادتي ، ولكن في ذات الوقت فور انتهاء أبي من المكالمة ، سمعنا اهتزاز حاد بالطائرة جعل أجسادنا تندفع للأمام ، ليهتف الطيار والمضيفات بميكروفونات الطائرة أنه عطل بسيط سيجعل الرحلة تتأخر ساعة أخرى ، تأففت بغضب لما يحدث ، بينما أمي وأبي كانا قلقين من حدوث مشكلة أخرى بالطائرة .. ظننت أن ذلك اليوم كان سيئًا منذ البداية ، ولكن لا يهم ..  كل ما كان يهمني  في هذا الوقت هو أنني سأعود إلى موطني الأصلي بعد شوق سنوات انتظارًا لتلك اللحظة .. لا أدري لمَ فأنا لم أعش فيه وأنا عاقل تقريبا ، ولكني كنت متحمسًا جدًا لحياة جديدة .. نزلت من الطائرة سابقًا والداي وأختي الصغيرة ، بكامل استعدادي للقاء وجوه لم يسبق أن تعاملت معها قط !!

وصلنا إلى بيت عائلة أبي الكبير ، وفور دخولي البيت تفحصت نظرات كل شخص منهم .. لاحظت النظرات الفرحة ، والشامتة ، والنظرات الغريبة الغير مقروءة .. تقدمت أسلم على كل شخص منهم كما عرفني أبي قبل وصولي .. جدي وجدتي كانا سعيدين جدًا بقدومنا ، كذلك عمي ، ولكن لاحظت نظرات عمتي الحانقة نحو أمي ، وبالنسبة لأبنائهم فكانوا جميعًا صبية في نفس عمري أو أقرب ماعدا ذلك الولد الصغير ابن عمتي ، واسمه (فهد) .. جلست أنا والصبية نتحدث ونتعارف كثيرًا ، بينما انشغلت أمي بالحديث مع عمتي وجدتي ، وأبي ذهب مع عمي ليريه أخبار العمل بالشركة ... كنت متعبًا جدًا ولكن ما إن اندمجت مع أبناء عمي وعمتي في الكلام ، نسيت كل تعبي وفضَّلت البقاء معهم وقت أطول .. أكبرهم (محمد) ابن عمي (سفيان) ، وأخاه التوأم (آسر) وهما أكبر مني بعام واحد ، بينما ابن عمتي (رقية) الكبير اسمه (غيث) وهو في سني تقريبًا ، والأصغر (فهد) في السابعة عشر ..

فَهْدُحيث تعيش القصص. اكتشف الآن