الأول |الوَظيفة|

17 2 12
                                    

آبسردام

الساعة السادسة صباحًا ؛ هذه هي الساعة التي يُفضل آزر الإستيقاض فيها والتَنزه بحديقه منزلهِ ؛ كان نسيم الصباح مُنعشًا بيد أنها مرت دون تَوقف

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

الساعة السادسة صباحًا ؛ هذه هي الساعة التي يُفضل آزر الإستيقاض فيها والتَنزه بحديقه منزلهِ ؛ كان نسيم الصباح مُنعشًا بيد أنها مرت دون تَوقف

تقدم آزر وأستند على السياج الخشبي للحديقة وحدق صَوب الغرب حيث قَصر القُبة ، وبدأ ناسيًا من حولهِ . إقترب منهُ رجلًا إرتدى بذلة سوداء وطَربوش ذا لون أحمر  كان سليم درويش باشا

"ما الذي تَفعلهُ بوقوفكَ هُنا يا آزر؟ . أُنظر إلى نفسكَ ما زلتَ في ثياب النوم!" تكلم سليم باشا بغتة

"ماذا أَفعلهُ؟"

"نعم" .

"يا باشا هَل تَرى أنني قد تسرعتُ في قبول الوظيفة التي قَد مَنحهها لي جلالة الإمبراطور؟" .

حار سليم باشا من أن يكون في كلمة "تسرعت" معنى سايكولوجي .

"تسرعتَ" همس سليم باشا . "هَل تشعر بالندم يا آزر؟ ، إذا كُنت نادمًا ، فأنا كذلكَ..  روحيًا ، ربما كُل الناس يشعرون بالندم على كُل قرار يتخذونه ؛ ربما قرارنا الذي نتخذه كقرار نابع من الفطرة البَشرية لنا هو الشيء الوحيد الذي لن نشعر بالندم حيالهِ" .

حدق آزر إلى وجه سليم باشا جانبيًا ، لوّن شعاع شروق الشمس خديه بغموض إلى أبعد حد ؛ أخرج سيجارة وأشعلها "رُبما أنا نادم وربما لا ؛ عندما أُفكر بأَنهُ لن أصل لتحقيق هدفي إلا بقبولي لهذهِ الوظيفة ، لا أشعر بالندم ؛ ولكن أحيانًا تراودني فكرة الفَشل ، أن يضيع كُل ما خططت لهُ لسنوات ، أليس معي حق في ذلكَ !؟ أنا سأدخل إلى المكان الذي تَتُم منه إدارة كل شيء ، أيّ خطأ سأكون في خبر كان بمجرد شَخطة قلم" . نفث الدخان بعيدًا عن سليم باشا "إيه ؛ البارحة كُنت متحمسًا أيما تحمس ، الآن لا أرغب إلا في البقاء مُمدًا في سريري ألتحف لحافي الوثير ، إنهُ الخوف أليس كذلك يا باشا؟"

نَظر سليم باشا إلى أشعة الشمس التي بدأت تغلف أبنية العاصمة أبسردام ؛ كأنما لم يسمع شيئًا  حتى إنهُ لم يلتفت إلى آزر  .

بعد أن شعر بحزن يستعصي على الفهم في داخل آزر ، شرع بوضع يدهِ على كتفهِ . إبتعد

"يَجب عليكَ يا باشا ألّا تلمس شخصًا ملوثًا" .

"يَقولون نحن البشر كلنا مُلوثون ؛ نحن نُنبذ بمقدار تلوثنا ؛ لكن اللّه الكَريم سينقذنا يا آزر ؛ أما قرأتَ ما جاء في الآي الكريم «ليُخرجَكم من الظُلمات إلى النُور»؟"

"ليست المسألة مُعقدة بتلكَ الصورة يا باشا ؛ لم أكن مُلوثًا من لدن الرب . والداي البشريان لوثاني ؛ أنا لوثتُ نَفسي" .

"هذا هو ؛ سَيُخرجك اللّه من هذا الظَلام إلى النور" . هتف سليم باشا . "كُل ما عليكَ فعلهُ أن تتجرد للرب؛" .

"تَعلم يا باشا ؛ رُغم أنني أعلم بعدم وجود فائدة من إخبارك بشيء ؛ حين أَقف هنا في الحديقة ، ناظرًا في الشروق فوق المدينة الواسعة ، فإنني أتساءل هل وُلدت حقًا في آبسردام؟"

"ما هذا الذي تَقولهُ؟ أنتَ مجنون" .

"هل يُمكن الكذب بشيء مثل هذا؟"

"أنتَ خادم لأوهامكَ الباطلة يا آزر" .

"لديّ الآن من يعتني بيّ ؛ لا يهم . لكن بربكَ يا باشا لا تُحاضرني وكأنني سَبب ما جَرى ويجري ؛ وأقول لكَ ما الفائدة ، فالرب يخرجنا من تلكَ الظُلمة ثم نحن نهرول ونجري إليها عائدين ؛ أتعلم أن الضفدع إذا أجلستهُ فوق قطعة ذهبية سيبقى يعود إلى المُستنقع الذي خَرج منهُ" .

"هل لديكَ بُرهان على أنّ البشر كالضفادع؟"

"لم أقل ذلك يا باشا" . ضحك آزر قبل أن يُرمي بسيجارتهِ أرضًا ويدوس عليها بنعلهِ ذو الاصبع .

"يَكفي حديثًا الآن ؛ اليوم هو الأول لكَ في وظيفتكَ الجديدة في البَلاط الإمبراطوري ؛ كن مستعدًا جيدًا ؛ توكل عَلى اللّه فقط وأَمضي قدما «وإذا عَزمتَ فتوكل على اللّه» مفهوم يا آزر؟"

"نعم يا باشا" .

~*~

اليَوم يجب على آزر الدخول إلى قَصر القُبة لإعتماد أوراق تَوظيفهِ كمدير لهيئة التخطيط السياسية للحكومة ؛ من كان يَعلم أن بعد دخولهِ للقصر وَحضورهِ لمجلس الديوان الصباحي كَمُستمع فقط ؛ سيطلب منهُ الإمبراطور قابوس الذهاب لإنهاء الإجراءات اللازمة عند الأَمير آراش .

كان آزر عازمًا على تجنب آراش في هذا اليوم بالذات ؛ ريثما يحاول تهدئة نفسهِ وبلورة أفكارهِ المُشتتة والمُتضاربة ؛ يَشعر بالقلق من أَن يُجردهُ آراش بنظرة واحدة ؛ خائف من أن يرى من خلالهِ ويقرأ تفكيرهُ ! ربما سيرى نفسهُ الملوثة وفي النهاية سَيبتعد عنهُ .

يقود خُطاه في المَمشى المؤدي إلى مَقر عمل الأمير آراش في الجناح الغربي من القَصر ؛ ويديهِ خلف ظهرهِ يفركهما بتوجس وقَلق .

"آه ؛ أُنظروا من جاء؟" الرجل المُستند على الحائط يعقد ذراعيهِ أمام صدرهِ ؛ كان كَث اللحية ؛ تحدث بنبرة لئيمة ؛ ساخرًة . "أتساءل ما علاقتُكَ بجلالة مولانا الإمبراطور ؛ يا باشا آزر خانو" وقهقهة

"سَيكون من المشين الرد عليكَ يا هذا ؛ في المَرة القادمة فلتلزم حدكَ ولا تَقل خانو" أصبح صوت آزر حادًا ؛ وزمجر بحدة أرهبت الرجل . "الآن . عن إذنكَ يا صباح باشا فلديّ لقاء مع جلالة أميرنا المُوقر" أومأ متخطيًا هذا الذي إغتاظ بشدة ؛ لاحقهُ ينظر إليهِ بحقد وكُره ؛ يمشي بإقتدار ، بكتيفين عَريضين وجسد عضلي قَوي ؛ البَذلة الحَمراء والشريط الأَزرق الممتد من أعلى الكتف الأيسر  إلى حزام الخِصر الأيمن ؛ والطربوش الأسود ؛ كان يُعطيه مظهرًا ملكيًا حَقًا

"سنَرى يا آزر من الذي سَيدوم عَصرهُ!؟"

.
.
.




لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 12, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

أحلام خالدةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن