القانون لا يحمي المغفلين
وكذلك الحب لا يحمي المتقاعسين
لا يدافع عن الجبناء
الحب شر لابد منه
فإما أن تمتلك القوة وتقتنص نصيبك منه بمخالب الصقر
أو تتخاذل وتتراجع متجرعًا مرارة الانهزام والخسارة.
عاد دون سابق إنذار دون علم أحد، عاد وشياطين الإنس والجن تتراقص أمام وجهه يعرف وجهته جيدًا!
يعلم أنه يوم التجمع والجميع هنا، دلف بإعصار غضبه وانفلات تعقله عازمًا الأمر ألا يخرج إلا ظافرًا:
-"مصطفى!".
صرخت بها أسماء بمفاجأة وهي تخرج من المطبخ حاملة طبق من الفاكهة جاءت على إثرها هدير من الداخل، أسرعت نحوه تحتضنه بدموع اشتياق هامسة بعدم تصديق :
-"حبيبي أنت هنا.. أنت رجعت".
ضمها بقوة يتنفس عبقها يستمد منها القوة التي يحتاجها :
-"وحشتيني يا ست الكل" .
ربتت أسماء على كتفه بحنو وقالت بعتاب :
-"كده يا مصطفى كل دي غيبة!".
جذب رأسها يقبله بحنان مجيبًا باعتذار :
-"غصب عني يا سوسو" .
مسحت هدير دموعها بابتسامة فرحة وربتت على صدره كأنها تتأكد أنه عاد :
-"مش مهم أي حاجة، المهم إنك هنا" .
دار بعينيه في المكان وسأل بغموض :
-"فين عز الدين؟".
-"كلهم في حلبة الملاكمة فوق" .
أجابته أسماء وبدون كلمة ركض للطابق الثاني نحو الصالة الرياضية لكنه توقف عندما رآها!
تسمرا أمام بعضهما يفصل بينهما عدة أمتار، وعلى الرغم من ذلك تستطيع التمييز بين دقات قلبيهما، نظراتهما، مشاعرهما!
قلبه يصرخ قربها، يأخذ من الجنون دربًا ويفكر كرجل الكهف عندما يريد الحصول على ما يريد.. ونبضاتها تستكين برؤيته، تتراقص بعودته، تتقافز بأن مالكها أمامها!
يناظرها بعتاب خفي على شيء لا تعلم ماهيته؟
لم يتقدم نحوها كالمعتاد، لم ترَ تلك النظرة التي كانت تربت على ألم شوقها، عيناه مليئتان باللوم الشديد ولا تعلم ماذا اقترفت؟
"اللون الأزرق في عينيكِ يناديني نحو الأعمق" كأنها كُتبت لها فقط، أغرقته أكثر وأكثر وفجأة تلاطمت أمواجها برياح تسونامي قذفته خارجها بلا رحمة!
غير مدرك أن بحرها يفقد ثورانه وأمواجه برحيله، وبعودته تعود شقاوتها..
عقدت حاجبيها بصدمة وساد الحزن وجهها عندما أزاح نظره عنها واستدار يكمل طريقه نحو وجهته، مصدومة من معاملته المجهولة لا تدري السبب؟ وقف على الباب يضع كفيه في جيبي بنطاله يقبض عليهما بقوة، تفاحة آدم تغوص وتبرز في عنقه، عظام فكيه تكاد تخترق وجهه من شدة اصطكاك أسنانه، يراقب قصي وعز الدين متواجهين في منتصف الحلبة..
مازن ورامز ونادر جالسين يراقبون المباراة، وأركان ممسك بكوب قهوته بيد والأخرى يضعها في جيبه واقف بجانب الحلبة، كان أول من انتبه على قدومه فهتف بعدم تصديق:
-"مش معقول.. مصطفى!".
التفتت له جميع الأوجه لكنه لم ينظر إلا لمازن الذي بادله النظرات بغموض وشبه ابتسامة لاح على ملامحه استفزته، لم يستجيب لعناق أركان ولا لمناداة أعمامه بل نزع سترته وأعطاها له، ثم تقدم نحو الحلبة وأنامله تحرر أزرار أكمامه وتثنيها حتى مرفقيه كاشفة عن ساعديه السمراوين بعروقه البارزة بقوة.. تحت أنظار الثلاثي الأكبر المتابعين للقادم..
دفع قصي للخارج بعنف غير مقصود أو بمعنى أدق قذفه خارجها ووقف يناظر عز الدين الذي يطالعه بغرابة من نظراته التي تحمل الشراسة، وقبل أن ينطق بحرف تقهقر للخلف بصرخة ألم أثر لكمة وجدت هدفها في فكه!
انتفض الجميع واقفًا سوى مازن الذي اتسعت ابتسامته بنوع من الانتصار، يتابع تقدمه نحو عز مرة أخرى لاكمًا فكه الآخر وزمجرته الغاضبة تخترق شهقاتهم:
-"بقى أنت تعمل فيا أنا كده يا عز!
أنت الوحيد اللي تعرف كل حاجة، وفي الآخر يكون ده ردك!".
جذبه من تلابيب ملابسه صارخًا بصوت متحشرج مصدوم :
-"بتخوني يا عز.. بتخون صاحبك!".
هرول قصي ونادر يقفان بينهما يدفعانه للخلف وأركان ورامز اندفعا نحو عز الدين الذي يتألم بقوة يطمئنان عليه فهتف نادر بصدمة :
-"إيه اللي بتعمله ده يا مصطفى أنت اتجننت؟" .
هتف عز بنبرة متألمة لا يفهم شيئًا :
-"خونتك!
أنت اتجننت يا مصطفى ولا الغربة طيرت مخك؟".
حاول التحرر من قبضتهم لكن قوة بنيان قصي كانت المسيطرة عليه فهتف بجنون :
-"سيبني يا قصي" .
فصدح صوت مازن ببرود وهو يشعل سيجارته كأنه يشاهد فيلم سينمائي:
-"سيبه يا قصي".
ليهدر به رامز الجاثم أمام ابنه يرى تورم وجهه :
-"ممكن تخرس أنت وتشوف ابنك ماله".
-"اتجنن.. ابنه اتجنن".
همس بها عز يتأوه بألم وهو يستند على عمود الحلبة يأخذ الثلج من أركان يضعه على أثار اللكمات، فأثار غيظ مصطفى الذي تحرك أكثر ليصل إليه فصرخ به نادر بغضب :
-"ما تهدى بقا أنت كمان هديت حيلي".
نهض مازن من مجلسه وصعد إلى الحلبة يقف أمام مصطفى بعدما أبعد نادر وأشار لقصي أن يتركه ثم ناظره بقوة وسأله مباغتًا وبحزم :
-"رجعت ليه؟".
صمت يتحين رده فسحب نفسًا طويلًا وتنهد مغمضًا عينيه لكنه قال بثبات :
-"جاي آخد حقي".
-"حقك؟!".
نطقها اثنان في آن واحد، مازن بسخرية وعز الدين بدهشة ليردف الأول قائلًا مكتفًا ذراعيه أمام صدره :
-"تآخد حقك!
وإيه هو حقك يا أستاذ مصطفى؟".
-"صفا".
اسم خرج من قلبه قبل لسانه، خرج بعنفوان يغلفه الأحقية!
نطقه وغيرته تلوح نظراته التي يرمق بها عز الدين، والغيرة كالنجوم المطرزة في ثوب الحب.
رفع مازن حاجبه بسخرية ودنا منه بثورة من غيرته على ابنته واستفزاز من غباء الواقف أمامه :
-"صفا حقك؟
غايب أربع سنين وراجع تقولي حقك!".
هذه المرة تقهقر للخلف أثر لكمة من قبضة مازن هبطت على فكه فأسنده نادر من الخلف هامسًا :
-"بالشفا يا بني، عارف إن إيده مرزبة" .
-"مازن/بابا" .
صرختان كانا مصدرهما هدير وصفا لحظة دخولهما التفتت لهما الرؤوس إلا المتناحران!
دفعه بأنفاس لاهثة فهرولت صفا بجنون وخوف تقف بينهما تنظر لأثر اللكمة التي بدأ لونها يتحول للأزرق :
-"مصطفى أنت كويس؟
إيه اللي حصل لده كله؟".
ومن خلفها ناظره والدها بابتسامة جانبية ساخرة ونظرات ذات معنى.
لم يجبها ووجه حديثه لمازن بنظرات شرسة يشير بسبابته إلى عز الذي انتفض بتوتر من غضبه :
-"والأستاذ عز الدين هو المناسب ليها مش كده؟".
فهتف عز من خلفه بتوجع :
-"الأستاذ زفت ملهوش دعوة ولا عارف حاجة".
زجره بنظرات حارقة فأخفى وجهه خلف كيس الثلج، فهدر رامز بغضب لا يفهم ما يدور :
-"ممكن تفهمني إيه اللي بيحصل؟".
هتفت هدير الواقفة بجانب عز تطمئن عليه بحزم :
-"فيه إيه يا مصطفى؟
إيه ذنب الغلبان ده كده؟".
عقد مصطفى حاجبيه بصمت ناظرًا لها بغموض قبل أن تتسع عيناه بغضب يرمق مازن بنظرات تطلق شزرًا :
-"وافقت على جواز عز الدين من صفا؟".
فصرخ عز وهو يستند على أركان كي يقف بحسرة غير واعٍ لباقي جملته :
-"إيه؟
خطوبة مين على مين؟
وبعدين عز الدين مبقاش نافع للجواز ولا أي حاجة خلاص".
جالت صفا بنظراتها التائهة بين أبيها وحبيبها لا تفهم ماذا يحدث؟
خطوبتها من عز الدين!
ذلك الشجار القائم محوره هي!
نظرت لأمها تستنجد بها فاقتربت منها تربت على رأسها بحنان تبثها الاطمئنان في حين تزجر زوجها بشراسة أن يخبرهم ما يحدث لكنها هتفت في مصطفى :
-"إيه اللي حصل يا مصطفى خلاك جاي طايح!".
كز على أسنانه بقوة كي يبث الهدوء لنفسه ولا تخرج كلماته عنيفة أمامها :
-"طايح!
أنا لولا قصي كنت طلعت روحه بإيدي".
قذفه عز بكيس الثلج في كتفه بعدما استفاق من دواره هاتفًا بغيظ :
-"وأنا مالي أنا".
تلمست فكيه بحذر وهتف بحسرة:
-"يرضي مين ده يا ربي".
لكزه أركان في كتفه بنوع من القوة وقال باستخفاف:
-"ما تنشف ياض مكنوش بوكسين دول اللي عامل مناحة عليهم".
رمقه بجانب عينيه بصمت للحظات قبل أن يشيح بقبضته يهوى بها على وجنته أطاحته أرضًا وهتف بسخرية:
-"جرب يا حبيبي جرب".
جذبه مازن من مرفقه بعنف هاتفًا :
-"تعالى معايا".
ثم زعق بالجميع في تحذير :
-"مش عاوز حد معانا".
أدخله إلى المكتب وكاد أن يغلق الباب لكن هدير منعته وهي تطيح بأمره أدراج الرياح فسمح لها بالدخول.
كان مصطفى يستند بكفيه على سطح المكتب يرتعش جسده من الغضب وأنفاسه اللاهثة تقطع صمت الغرفة ثم هدر بعنفوان :
-"هنا وفي نفس المكان ده طلبت إيدها منك وأنت طلبت مني أصبر لحد ما تخلص دراستها".
ثم استدار يواجهه وعيناه تقدح شزرًا باتهام أكثر منه لوم :
-"وعدتني وخلفت بوعدك معايا..
عيشتني وصبرت على أمل لما تخلص تبقى ليا وأعرف إنها اتخطبت لعز".
هز رأسه باستنكار وضحك بسخرية يضرب كفًا فوق الآخر بعدم تصديق :
-"عز الدين!
أكتر واحد عارف بحبي ليها يخوني ويخطب صفا".
كل هذا ومازن صامت بغموض وهدير تناظره بصدمة وعدم فهم تجول بعينيها بينه وبين زوجها!
تقدم مازن منه وجذله من تلابيبه يهزه مرتين وبنبرة مستنكرة ونظرات تقطر غضبًا :
-"تسيبها تكمل دراستها مش تسيبها هي وتغيب".
هتفت هدير تحاول أن تهدأ الوضع كي يفهم هذا الثائر ما يحدث ولتفهم هي الأخرى ما سبب ثورته :
-"عز الدين وصفا ميعرفوش بحكاية الخطوبة يا مصطفى".
رفع نظراته لها بصدمة يدير جملتها في رأسه وسأل باستنكار:
-"يعني إيه؟".
ثم رمق مازن بذهول واقترب منه يسأله بحذر :
كل دي لعبة؟
زيارة محمد وكلامه عن خطوبتهم لعبة منكم؟".
شهقت هدير بدهشة تهزر رأسها بنفي وهدر مازن به بشراسة :
-"وأنا صغير علشان ألعب معاك يا مصطفى؟
رامز طلب صفا لعز الدين وأنا طلبت وقت بحجة إني أمهد ليها الموضوع، وأشوف رد فعل حضرتك".
اقترب أكثر يغوص ببحر عينيه في سواد مقلتيه وهتف بقسوة يقصدها :
-"ولو كنت تأخرت لحظة كنت جوزتها ليه".
-"على جثتي".
صرخ بها مصطفى برفض قاطع فعاجله مازن بقسوة أكثر :
-"لا في حضورك".
-"كفاية".
هدرت هدير بقوة ولم تفق بعد من صدمتها واقتربت تقف بينهما تدفعهما في صدرهما ليبتعدا حتى لا يسوء الأمر ونظرت لزوجها تزوي بين حاجبيها بذهول :
-"استغليت زيارة محمد العجمي بحجة الشغل علشان توصله موضوع الخطوبة!
كل ده من ورايا يا مازن ولا أكن دول ولادي؟".
أجابها بجدية وحزم دون ذرة ندم :
ومش ندمان يا هدير، لولا اللي عملته مكنش هيبقى واقف قدامك دلوقتي، وكان هيفضل جبان وهربان برا".
رفع نظره لمصطفى الذي استحال وجهه للأحمر من فرط انفعالاته تنقبض عظام فكيه بقسوة حتى كادت تبرز من جلده وعيناه تسردان ألم قلبه وقلقه من خسارتها وقال بسخرية :
-"كنت مستني إيه؟
أتصل بيك أقولك صفا خلصت تعالى اتجوزها؟".
ثم هدر بقوة وحمية على ابنته :
-"بنت مازن السيوفي تستاهل الكل يحارب علشانها يا مصطفى".
دفعته هدير للخلف ونظرت لمصطفى تهتف بقوة تغرز سبابتها في صدره :
أنا ربيتك على الصراحة..
على الرغم إني رافضة اللي عمله مازن بس فعلًا لو بتحبها وعاوزها كنت مستني إيه؟".
أغمض عينيه بندم نجحوا في جعله يشعر به، نظر لهدير باعتذار وطلب أن تفهمه وجملة مازن الذي قالها منذ أربع سنوات بتلقائية "ابنك بردو!"
مازالت تعصف في رأسه جعلته كلما أراد التقدم خطوة يتقهقر خطوتين..
سألته مباغتة وبنبرة قوية :
-"أنت بتحبها بجد؟".
لم يقوَ على الرد سوى بإيماءة رأس فابتسمت باستنكار وقد فهمت الآن سبب غيابه :
وغيابك عني طول السنين دي كلها بسبب كده؟
مش بسبب الشغل زي ما كنت بتقول!".
صمتت واقتربت تلمس وجنته بحنان معاكس للعتاب الظاهر جليًا في عينيها قبل حديثها :
-"ليه مقولتليش؟
ليه معرفتنيش إنك عاوز تتجوزها وأنا أول واحدة هتقف جمبك".
ضغط على كفها ونظراته مليئة بالاعتذار :
خوفت.. خوفت أكون مستاهلهاش!".
هز رأسه يطرد الأفكار التي حلت برأسه قبل أن يتفوه بحديث سيندم عليه و اقترب من مازن بأنفاس لاهثة يطالعه بغيظ يخفي امتنان كبير عندما فطن أن الهدف من كل هذا.
اشتعلت عينيه وقال بثبات :
-"أسبوعين.. أسبوعين بس اللي طالبهم منك..
وبعدها إما هرجع بالمأذون وأتجوزها، أو أسافر ومش هرجع تاني".
وبدون كلمة اندفع خارج المكتب بعاصفة، وصعد للطابق الثالث إلى غرفته يأخذ حقيبته التي وضعها الحارس بالأعلى وقد قرر ترك المنزل لكنه توقف عندما سمع صوتها يناديه، أخذ عدة أنفاس كي يسكن انفعالاته قبل أن يستدير لها فاقتربت منه تسأله :
-"رايح فين يا مصطفى؟
هتمشي تاني وتغيب تاني؟".
صمتت تبتلع ريقها ببطء واغرورقت عيناها بالدموع هبط لها قلبه بعنفوان :
-"أربع سنين غايب عني، حتى الكلام بقا بالشهور!
وعاوز تمشي تاني!
طب فهمني إيه اللي حصل؟
أنا مستاهلش منك تفسير حتى!".
إلى هنا واكتفى!
عتابها.. صوتها.. حزنها ودموعها يخسفان بقلبه بكل جبروت!
بها بريق يخترق حُجب الخيال بأشعته تارة، ويتلقى إيحاءات الخلود المنتظرة تارة أخرى.
ألقى سترته وتقدم منها يجذبها إلى أحضانه في عناق لم يحظَ به منذ عشرة أعوام!
ضمها وكأنه لا يوجد غد، كأنه عناق الحياة إن لم يأخذه بقوة ستكون النتيجة موته!
عانقها والعناق في شرع الحب خطيئة مشروعة!
زرعها بداخله وتبًا لوعوده وللخجل ولكل شيء!
تمسكت به كطوق نجاة أو غصن شجرة ينتشلها من الغرق الوشيك.
دفنت وجهها في صدره وتركت العنان لدموعها وبكت، فشرع يربت على رأسها تارة ويقبل أعلاه تارة بكلمات حانية واعتذار :
-"أنا آسف، كنت غبي وفعلًا متستاهليش مني كده أنا آسف".
أبعد رأسها يحيط وجهها بكفيه يمسح دموعها بأنامله، وحنان نظراته يجول بين عينيها التي تشبه مجرة أنبتت العشب في طياتها.
كلاهما كالباء للآخر قريبان في البعد، بعيدان في القرب!
همس بعشق لن يُجبَر على إخفائه بعد الآن :
-"مفيش بُعد تاني، اللي جاي قرب وبس..
أسبوعين هو كل اللي محتاجه".
زوت بين حاجبيها بعدم فهم :
-"اشمعنا؟".
لينظر في الفراغ بجمود وبنبرة غامضة أوجست الخوف في قلبها :
-"حاجة كانت لازم تحصل من زمان، وآن أوانها".
هبط للأسفل فرأى الجميع مجتمع حول عز الدين يطمئنون عليه خاصةً أسماء التي تدمع عيناها بحزن على ابنها،
وذلك الغبي لا يرأف بحالها فلا ينفك أن يزيد من خوفها عليه بأنينه المصطنع.
أخبرهم مازن الأمر بأكمله واستغلاله لطلب رامز يد ابنته كي يحرك تلك الصخرة، ثم استقباله لغضب الجميع ورفضهم لما حدث خاصةً رامز الذي اقترب منه لاكمًا إياه بعنف هادرًا به :
-"هتبطل إمتى تتصرف من دماغك؟
هتبطل إمتى تلغي وجودنا؟
لو كنت عرفتني طلب مصطفى مكنتش طلبت منك كده".
اقترب مصطفى من عز الدين الذي انكمش بقلق في أحضان أسماء لكنه تسمر بذهول عندما ربت على كتفه قائلًا بابتسامة :
-"حقك عليا متزعلش".
ثم ضم كتفي أسماء له بحنان مقبلًا رأسها باعتذار عما فعله :
-"متزعليش مني يا سوسو".
ليقف بعدها أمام مازن يرمقه بصمت وغموض قبل أن يتجه للخارج تاركًا عز يتبعه بذهول وصدمة ظهرت في نبرته الموجهة لهدير :
-"ابنك يشوه وشي ويرجع يقولي متزعلش".
ليهتف بقوة واهية :
-"لا مش هقبل".
فصدحت ضحكات أركان المستسلم ليد أخته جِنان تعالج مكان لكمته :
-"شايف طلع ليك لسان بعد ما مشي".
فكان رد عز هو قذفه بغيظ بالوسادة الصغيرة التي كانت بين يده.