الدموع كائنات فضولية، كلما حدث شيء مؤلم خرجت لتشاهد.
ابكِ لترتاح.. عبارة تُقال كي تخفف ألم الروح، لكن هل بين دموع القلب والراحة من سبيل؟دلفت إلى غرفتها تستند بظهرها إلى الباب مغمضة العين تضع كفها فوق قلبها تتنفس ببطء تتمنى أن يزيح الهواء البارد لهيب الغياب والشوق، عقلها يأخذها إلى أول زيارة له بعد سفره بثلاث سنوات عقب انتهائه من المرحلة الثانوية...
تكبيرات العيد في كل مكان..
الأجواء محملة ببقايا روحانيات رمضان وفرحة العيد تجعل له رائحة مميزة تُطيب الروح.
واقفة أمام المرآة تُعدل من ثوبها الأبيض ذو الزهور الوردية بكتفين منخفضين حتى الزند ينسدل على جسدها حتى أسفل ركبتيها بقليل، تاركة العنان لخصلاتها السوداء تهبط على ظهرها بأكمله.
هبطت لأسفل عندما سمعت أصوات الجميع وقد عاد الرجال والشباب من الصلاة، دلفت لغرفة المعيشة وأول من وقعت نظرها عليه كان هو!
وقفت مكانها تتطلع له بسعادة وعدم تصديق من وجوده، كل عام تنتظر قدومه ولا يأتي، وظنت أن هذا العام كأسلافه!
نهض من أحضان هدير التي تحيطه كما لو أنه ما زال طفل صغير، وتقدم منها بابتسامة جميلة ونظرات حانية مشتاقة تشملها باطمئنان وإشباع العين منها وبصوت هامس :
-"وحشتيني يا ورد".
ابتسمت إلى لقبها الذي يخصها به وحده ذات يوم عندما عبرت عن حبها للورود بشتى أنواعها، حينها أخبرها أنه سيناديها به لأنها تشبهها كالتوأم يضيفان السعادة والبهجة حولهما.
رقيقة كبتلاتها
نابضة بالحياة كألوانها
وقوية كأشواكها.
-"جيت امتى؟".
-"امبارح بالليل بس لاقيتك نايمة".
رفعت نظرها له ببطء تتأمل عوده الذي اشتد، عضلات جسده التي برزت قليلًا أسفل قميصه الرمادي، صعودًا إلى ذقنه الحليق وعظم فكه البارز بحدة بوسامته الخشنة، حتى وصلت إلى عينيه السوداء.. إلى تلك النظرة الحانية التي اشتاقت لها لثلاث سنوات فلم تستطع منع عتاب قلبها الذي انعكس في موج عينيها :
-"اتأخرت.. وعدتني هتيجي ومجتش".
-"غصب عني".
ابتسمت بإشراق لمعت له عيناها :
-"الحمد لله على السلامة.. وكل سنة وأنت طيب".
-"وأنتِ طيبة يا ورد".
مرت ساعات وصعدت لغرفتها كي تأتي بأحد الأغراض وجدت مجموعة من مشابك الشعر الجميلة على هيئة أزهار ماسية.. طالعتهم بانبهار وقد علمت مصدرهم.
ابتسمت لصوته من خلفها :
-"عجبوكِ؟".
استدارت له بهدوء وأومأت بإعجاب :
-"حلوين قوي".
اقترب منها خطوات تاركًا الباب مفتوح يطالع خصلاتها التي افترشت كتفها الأيمن تخفي عينها اليمنى :
-"أول ما عيني وقعت عليهم شوفتهم في ضفيرتك".
أعادت خصلة خلف أذنها وتردد سبح في نظراتها عقد له حاجبيه بتساؤل فهمست :
-"بقالي تلت سنين معملتهاش".
تأملها للحظات بصمت سكنت خلالها وكأنها أدركت ما دار بعقله في ذكرى قديمة لم يظن أنها ستنفذها!
لحظات كانت فرصة وبداية السقوط فيها ببطء.. بحذر.. وجنون!
وقف خلفها يجمع شعرها بين كفيه يقسمه ثلاثة أجزاء وشرعت أنامله تصنع جديلتها الطويلة يزينها بزهوره الرقيقة على طولها ثم وضعها بسكون على كتفها الأيمن ووقف أمامها يلمسها بظاهر أنامله مبتسمًا وهمس :
-"ريبونزل".
توسعت حدقتيها بانتشادة وزوت حاجبيها بتعجب فابتسم لعينيها :
-"ريبونزل بعيون زرقا".