الباب الرابع /الفصل الاول

84 11 0
                                    

الإمام الجواد(عليه السلام) و متطلّبات الساحة الإسلامية العامّة

1 ـ أهل البيت (عليه السلام) والقيادة الرسالية

لم يستطع المأمون العبّاسي أن يحقّق نواياه الخفية في تسقيط شخصية الإمام الرضا(عليه السلام) واخراجها من القلوب العامرة بحب أهل البيت(عليهم السلام)، لأنّ الإمام الرضا(عليه السلام) استطاع أن يخترق العقول والنفوس على مستوى اجتماعي عام، فتلألأت شخصيته العملية وتجلّت ذاته السامية للقريب والبعيد.

ولم يجد المأمون لنفسه طريقاً إلاّ أن يتخلّص من تواجد الإمام وحضوره الفاعل في الساحة الإسلامية من خلال تصفيته الجسديّة; لأن ترك الإمام ليرجع الى المدينة بعدما طار صيته وتلألأت شخصيته سوف يطيح بعرش المأمون والعباسيين بسرعة، وبقاؤه في عاصمة الخلافة لم يكن بأقل تأثيراً من إبعاده الى المدينة من حيث الآثار السلبية على عرش المأمون والآثار الايجابية لصالح خط الإمام الرسالي.

والنقطة الثانية التي جدّ فيها العباسيون بشكل عام وتجلّت في سلوك المأمون السياسي بشكل خاص هي قلقهم من قضية الإمام المهدي الموعود والمنتظر الذي قد وعد الله به الاُمم ليرأب به الصدع ويلمّ به الشعث ويقضي به على أعمدة الجور والطغيان، فالخطر الذي قد أنذر به الرسول(صلى الله عليه وآله) الحكّام الطغاة وبشّر به المؤمنين والمستضعفين بدأ يقترب منهم، لما أفصح به النبي(صلى الله عليه وآله) من بيان نسب الإمام المهدي(عليه السلام) وموقعه القيادي حين نصّ على أنه التاسع من ولد الحسين(عليه السلام) حتى ذكر اسمه واسم أبيه ومجموعة من صفاته وخصائصه وعلائمه.

ومثل هذا الإخبار من النبي(صلى الله عليه وآله) لا يدع الظالمين في راحة واطمئنان; لأن الرسول(صلى الله عليه وآله) مرتبط بالوحي ومسدّد من السماء، ولا تكون إخباراته سُدىً .

ومثل هذا الإخبار من منجّم عادي أومحترف يكفي لزعزعة الاستقرار النفسي الذي يبحث عنه الحكّام الظالمون فكيف وهم يسمعون هذا الإخبار من نبي مرسل يدّعون الانتساب إليه؟!

ولا سيّما وهم يبحثون عن كلّ شيء لإحكام ملكهم ويحسبون لما يزعزعه ألف حساب، فكيف لا يتهيّؤون لدرء الخطر الداهم ؟

والعدد الذي ذكره النبي(صلى الله عليه وآله) لأهل بيته الطاهرين المسؤولين عن حمل مشعل الرسالة عدد مضبوط محدود، فهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ومن بني هاشم وهم علي بن أبي طالب(عليه السلام) وأحد عشر من ولده الأبرار الأطهار.

وهاهو الرضا(عليه السلام) كان الثامن من الاثني عشر المنصوص علهيم من قبل الرسول(صلى الله عليه وآله) وهو الخامس من ولد الحسين(عليه السلام) فضلاً عن النصوص عليهم من سائر الأئمة الطاهرين.

ولا نستبعد وجود عناصر مرتبطة بالجهاز الحاكم كانت تحاول اختراق الجماعة الصالحة التي حرصت على حفظ تراث أهل البيت(عليهم السلام) وعلومهم الربّانية والتي استودعوها اسرارهم، وهي الأسرار التي لا يتحملها إلاّ مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.

الامام محمد بن علي الجواد "ع" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن