الجزء الثالث

74 10 4
                                    

في صباح اليوم التالي استيقظت إيفي بين ذراعي مارك , ثم أيقظته وتحدثت ..

_ إيفي : مارك , إيه اللي حصل إمبارح , أنا حاسة بصداع ..
_ مارك : أغمي عليكي وفضلتي طول الليل تفوقي وترتعشي ويغمي عليكي , مين سفاح الحي الثامن ..؟!
_ إيفي : لما جيت هنا كان فيه بيت كبير علي أول الشارع اللي هو أتهد ده الموضوع كله متعلق بالمكان ده , وبعد ما أتحرق البيت ظهر سفاح الحي الثامن , بدأنا كلنا ناخد إحتياطتنا لحد ما أختفي ومظهرش تاني لفترة كبيرة أوي كذا سنة , وبعدين رجع ظهر إمبارح وده خلاني أخاف ..
_ مارك : غريبة أوي , طيب هتقولي لبنتنا أمتي إني أبوها ..؟!
_ إيفيان : دلوقت تعالي معايا ..

نهض مارك مع إيفي وأتجهوا لغرفة لوسيندا ثم جلس كلاهما عند فراشها واستيقظت من النوم ..

إيفي : صباح الخير يا أميرتي ..
لوسيندا : صباح الخير يا ماما ..
إيفي : فاكرة يا " لو" أنا قولتلك إنتِ جيتي إزاي لما سألتيني قبل كده ..؟!
لوسيندا : أيوة فاكرة عن طريق الحب ..
إيفي : وإيه كمان ..؟
لوسيندا : وإن الأميرات بس هي اللي بتيجي عن طريق الحب ..
إيفي : مامي ده الراجل اللي هي حبته  ( أشارت إلي مارك ) وهو كمان حبها وحبهم فضل يكبر لحد ما جيتي أنتِ ..
لوسيندا : يعني عمو مارك يبقي بابا ..!
إيفي : أيوة ..
مارك : أيوة يا أميرتي أنا بابا ..
لوسيندا : مامي قالتلي إنك بعدت عشان تنقذ العالم , يعني دلوقت وأنت معانا مفيش حد هينقذ العالم ..!
إيفي : أكيد فيه  بطل تاني يا " لو" ..
لوسيندا : والبطل التاني هيسيب بنته بردو عشان ينقذ العالم ..!
مارك : أنا مش هسيبك تاني , تعالي هنا , هاتي حضن كبير لبابا ..

عندما أحتضنت لوسيندا والدها مارك لأول مرة , عندها دار في ذهن إيفي حديث ..

إيفي : من السهل تخدع طفل صغير وتوهمه بخيال جميل بعكس الواقع المؤلم , لكن الصعب إنك تخدع حد عقله كبر عن الإيمان بالأحلام والخيال , صعب تغير في عينه الواقع بإنك تخترع له عالم من الخيال يخلي جزء من أرض الواقع جنة , مفيش إنسان يستحق إن حد يتخلي عنه من غير سبب , يغيب ويختفي من حياته ويهرب من دوره اللي المفروض يقوم بيه , يسيبه في نص الطريق من غير إجابة واحدة علي كل الأسئلة اللي بتدور جواه , محدش يستحق يحس إنه مكنش كفاية في حياة حد هو بالنسبة له أهم حد ..

استيقظت حياة علي صوت طرق باب منزلها ثم همت لتفتح الباب لتتفاجىء بآدم يقف أمامها ..
ذكريات بدأت تدور في ذهن كلاهما عندما نظرا في أعين بعضهما البعض كأول صدفة جمعت بينهم فيما مضي ..
( لمحات من الماضي , في عمق الذاكرة .. )
قبل عدة أعوام ..
في معسكر للتمريض بينما كانت هنالك حالة من الحرب تسود العالم تطوعت عدة نساء للتمريض لعلاج جرحي الحرب وكانت حياة إحدى هؤلاء النساء ..
في الظهيرة دخل عدة رجال وكانوا يحملون الجرحى وضعوا كل جريح علي فراش ( الوضع مؤلم للعين والقلب .. ) دماء تملأ المكان , جرحي علي قيد الحياة وآخرون يلفظون أنفاسهم الأخيرة ..
إن أخطر الحروب في العالم هي تلك التي تسلب منا أرواحاً تكملنا، في كل مجال هنالك ساحة حرب ومعركة تدور بين ما هو خارجنا وما هو داخلنا بين ما نؤمن به وما نعتقد بحدوثه وما هو كائن وبين القديم والعصر الحالي بين العادات والتقاليد والتطور بين الماضي والمستقبل يظل الحاضر حائراً..
ومن البديهي أن ساحات حروبنا مختلفة ولكن من المؤكد أن كل منا علي أتم استعداد لخوض حربه ..
عندما أتي المساء في المعسكر غفي جميع المرضي إلا واحد كان ينادي باستمرار ليأتي أحد له ..
سمعت حياة صوته فأسرعت إليه ثم دار بينهما هذا الحديث ..
حياة : إيه اللي تعبك , أقدر أساعدك إزاي ..
آدم : اسمي آدم , ممكن أطلب منك طلب ..
حياة : أكيد , إيه طلبك ..
آدم : بتعرفي تقرأي يا .. ؟!
حياة : اسمي حياة , أيوة بعرف طبعاً ..
آدم : جميل , ممكن تقرأي ليا أي كتاب موجود هنا ..
حياة : طلب غريب أوي ..
آدم : ممكن تعفيني من الرد ..
حياة : تمام , عندي كتب قديمة وروايات وأشعار ..
آدم : متوقعتش هلاقي اختيارات في مكان زي ده ..
حياة : دي جزء من كتبي مبعرفش أروح مكان من غير ما يكون معايا علي الأقل كتاب أو أتنين ..
آدم : نبدأ بالأدب والروايات ..
حياة : تمام ..
ثم مضت الأيام وفي كل ليلة تقرأ حياة لآدم بضع صفحات من إحدى الكتب إلي أن تعافي وفي تلك الليلة تحديداً لم تأتي حياة ..
عندما أتم شفاءه ذهب ليسأل عنها إحدى الأطباء والذي أخبره أنها لم تعد تعمل هنا فقد كان عملها تطوعي وأنهت فترة عملها وغادرت بالأمس بلا رجعة ..
مضي يسير ببطيء مع خيبة  أمل فناداه صوت ما أنثوي فعاود النظر إلي الخلف ليجد امرأة جميلة قادمة نحوه ..
آدم : نعم ..
ليال : أنا ليال , صحبة حياة , هي قبل ما تمشي سابت ليك الكتاب ده وطلبت مني أستني لحد ما يجي الوقت اللي هتقدر تمشي فيه من هنا عشان تاخده معاك ..
شعر آدم بتجدد الأمل وأنه قد يجدها مرة أخري فهنالك شيء ما منها لديه الآن علي الأقل كتذكار ..
آدم : شكراً جداً يا ليال ..
ليال : العفو , عن أذنك عشان عندي شغل ..
____
نظرت حياة لآدم مجدداً ثم قالت له ..
حياة : آدم , أتفضل أدخل البيت ولا هتفضل واقف كتير علي الباب ..؟!
آدم : آسف , أنا بس أفتكرت أول مرة شوفتك فيها وسرحت مع الذكريات ...
حياة : تحب تشرب إيه ..؟!
آدم : قهوة ..
حياة : تمام ..

استيقظت إيديث ثم حضرت الفطور لعائلتها ظلت صامتة ولم تتحدث بكلمة واحدة تعجب منها جود فحاورها ...
جود : إيديث , أنت متكلمتيش من إمبارح معانا فيه حاجة بتحصل معاكي .
نظرت إيديث إليه ثم نظرت إلي ما كان علي الطاولة وجلست لتأكل دون أن تعطي أي جواب لتساؤله ...
إنصرف جود غضبان وأخذ ابنتيه معه إلي المدرسة وغادر للعمل .. عندما أغلق باب المنزل ذهبت إيديث لترتدي ملابسها ثم ذهبت إلي منزل السيدة فينا وطرقت الباب ..
فتحت السيدة فينا وتعجبت أن تطرق إيديث باب منزلها ثم دار بينهما حوار ..
فينا : إيديث ..
إيديث : لازم نتكلم ..
فينا : أتفضلي أدخلي ..
قامت إيديث بالدخول والجلوس ثم دار بينهما الحديث ..
إيديث : الكلام بخصوص فينسيا ..
فينا : بنتي ؟!
إيديث : أنا عايزة أدخل أوضة فينسيا ..
فينا : لا , أرجوكي مش هينفع ..
إيديث : ليه ؟!
فينا : إيديث , أنا مصدقت الأوضة دي تتقفل ومعنديش استعداد أخاطر وأفتحها تاني , أنسي فينسيا وتجاهلي إنها كانت صحبتك في يوم من الأيام ..
إيديث : بس هي منسيتناش يا فينا , ومش مسامحانا ..
فينا : قصدك إيه ..
أنتزعت إيديث معطفها لتري "فينا" ما حدث بجسدها من كدمات ..
فينا : فينسيا ماتت من سنين .. مستحيل تكون عملت فيكي كده ..
إيديث : لازم أدخل أوضتها ..
فينا : مش هينفع قولتلك ..
إيديث : ده أخر كلام عندك ..
فينا : أسفة يا إيديث , مقدرش أساعدك ..
إيديث : لينا كلام تاني , أنا ماشية ..
___

ذهبت إيمان إلي المقهي وأنتظرت إبراهام ثم أتي بباقة زهور وقدمها لها وأعدت إيديث  لها القهوة .
إبراهام : أنا حابب أعرفك أكتر يا إيمان ..
إيمان : إزاي
إبراهام : حابب أعرف إيه هو الحب بالنسبة لك
إيمان : يمكن اللي هقوله ده كلام تقليدي أو يمكن أو مرة هتسمعه , لما بدأ الخلق كان ممكن ربنا يخلق حواء كيان منفصل عن آدم كلياً لكن لحكمة ربنا خلقها من ضلعه من نفسه جزء من ضلع أعوج بيحمي قلبه , عشان تكون هي سكن ليه لوجعه وتعبه تكون هي الحضن اللي بيستخبي فيه من خوفه وتوتره وقلقه , عشان يكون هو السند ليها وضهر بيحميها ويحسسها في كل وقت إنها جزء منه محدش بيشاركه فيها إنها ليه لوحده وإنه يخبيها عن كل الناس , إنها بتحتويه وإنه بيقدر الإحتواء ده , هما الأتنين بيكملوا بعض بإختصار هو العقل والمنطق والحماية وهي الحضن والسكن والحنان ..
إبراهام : أول مرة أشوف حد بيوصف الحب بالدقة  دي , اسمحيلي أتجرأ وأطلب أشوفك مرة تانية , أنا فعلا محتاج أعرفك أكتر بكتير , أعرفك من جواكي وأشوف الصورة المخفية عن كل الناس اللي متأكد أنها هتكون أجمل بكتير مما أنا ممكن أتوقع ..
إيمان : مش عارفة حقيقي أقولك إيه ..
إبراهام : أنك موافقة , أنا منتظر أسمع منك ده .
إيمان : إحنا مختلفين في كل حاجة ..
إبراهام : بس مجتمعين في إننا بشر جايز نقط إختلافنا تتغير جايز يبقي فيه حاجات كتير بتجمعنا , جايز لو حاولنا.. نلاقي أسباب كفاية عشان نكون سوا ..
نظرت إيمان وعلمت أن الحب هو المعركة الوحيدة التي لا يمكنك أن تحارب بها وحدك مهما كانت مقدار قوتك لأنك حتماً ستهزم ولكنه قال معاً , سوياً , لربما هنالك فرصة للفوز بتلك المعركة , إن كانت اليد تمسك بالأخري لربما كان من المقدر أن تلتقيه بتلك الطريقة الآن رغم كل الهزائم السابقة التي جعلت من حياتها ساحة للألم والمعاناة لربما كان هو طوق النجاة من تلك السفينة التي علي وشك الغرق بكل يقين العالم كان متمسكاً بأن يعرفها أكثر بأن يوجد تشابه بينهم مع كل ذاك اليقين لم يكن لديها أدني فرصة للهرب فمن يهرب من شخص يتمسك به بهذا القدر رغم كل ما به من خراب ...
ابتسمت إيمان ثم نظرت له وقالت ..
إيمان : نشوف هيحصل إيه بعدين ...
__
استيقظت كارولين علي صوت طرق الباب , ثم قامت بفتح الباب لتجد إلبرت أمامها ويحمل باقة زهور ..
كارولين : إلبرت ..!
إلبرت : مدام كارولين .. أنا كنت جاي النهاردة عشان أتكلم مع حضرتك شوية ..
كارولين : اتكلم ..
إلبرت : هنا علي الباب ..
كارولين : أيوة ..
في تلك الأثناء .. كانت مهار تنهي ارتداء فستانها في غرفتها ثم ذهبت إلي الأسفل لتقابل إلبرت ..
عندما وجدته يقف علي الباب .. ابتسمت ثم أسرعت إليه وتحدثت ..
مهار : الورد ده عشاني صح .. جميل أوي ( أخدت باقة الزهور .. ) أتفضل أدخل واقفين علي الباب ليه ..
كارولين : هو كان هيقول حاجة سريعاً ويمشي ..
مهار : منا عارفة هيقول إيه .. لكن مش هيبقي بسرعة .. هيفاتحكم في موضوع جوازنا ..
كارولين : مستحيل أوافق علي الجوازة دي ..
مهار : بصفتك إيه ..
نظرت كارولين إلي مهار مطولاً كان يبدو أن هنالك الكثير لكي تخبرها به ولكنها أكتفت بالصمت وخفضت رأسها وذهبت إلي الخارج تحديداً إلي عمل بيري لتتحدث معه ..
نظرت مهار إلي إلبرت ثم قالت له ..
مهار : ليه بيكرهوك للدرجة دي , مع إنك شخص حساس ومرتاحة ليك ..
إلبرت : مهار , فيه حاجات هما يعرفوها عني إنتي متعرفيهاش , وخايف لو عرفتيها تبعدي عني وتكرهيني ..
مهار : هتخليني أسعد معاك لوعرفتها ؟!
إلبرت : مظنش ..
مهار : يبقي متقولهاش ..
إلبرت : لازم تعرفيها طالما قررتي تكملي حياتك معايا ..
مهار : أحكي ..
إلبرت : فينسيا , كانت مراتي كنا مبسوطين وعايشين في حالنا في يوم رجعت من شغلي لقيت البيت بيتحرق دخلت أجري زي المجنون عشان أنقذها بأي طريقة ولما وصلت لفوق كانت علي الأرض ماتت ملحقتش أنقذها أو أكون جنبها , جريت بيها علي تحت قبل ما البيت يتهد والنار تاكله من كل مكان الناس كانت متجمعة تحت ولما شافوني قدامهم اتهموني إني أنا اللي قتلتها , ورغم إن الطب الشرعي أكد برأتي إلا إن الحي هنا كلهم بدأو يتجنبوني بس ده مهمنيش أد إحساسي بالعجز إني مقدرتش أحميها ولا أحمي بنتي إني مكنتش موجود في الوقت اللي محتاجنّي فيه ...
مهار : إلبرت , أنا بحبك وبكل يقين العالم عايزة أكمل حياتي معاك , وميهمنيش  مين هيقف ضدي في قراري أنا عايزاك ..
مشاعر العالم أجمع استحضرتها تلك اللحظة عندما علم إلبرت أن ما تشعر به مهار تجاهه هو حقاً الحب الحقيقي , ذاك الذي يمنحك السلام الداخلي لتشعر أنك لم تعد تريد شيء أخر بهذا العالم سوي ذاك الشخص الذي رأي جانبك المظلم ومازال يراك بكل روعة العالم كأنك بلا خطيئة ونقي كما الماء في ينابيعه ..
لا يمكن أن يماثل الحب أي شعور أخر فهو يجعلك تشعر أن العالم أجمل أفضل وربما يجعلك تحب نفسك أكثر تلك التي تبغضها كل ليلة , يستحق الشخص الذي يشعرنا بهذا كل التقدير والمحبة والاحترام يستحق أحياناً أن نكتفي به عن العالم .. أن يسكن ركن القلب النقي , هذا ما شعر به إلبرت تلك الليلة ..

الحي الثامن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن