الوَصِيَّة

30 0 0
                                    

سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم .

_______________________________

مر اليوم .. وغربت شمسه ، وزين لاتزال على حالتها تتألم منطرحة في غرفتها دون أي وعي ولا إحساس ؛ رأسها في حجر أخيها الأمير الذي لايكاد يفلته البكاء ، والأهل والأقربون من حولها في حيرة وألم شديد .. لا يدرون أهي غشية طال أمدها ، أم هو الموت والقضاء الأخير قد نزل بها ! يجسّون عروقها ، ويتلمسون حركة قلبها ، فتبدو حيناً من الزمن وكأنها قطعة يابسة ليس في جهة منها أي حركة أو نبض ، ثم يعود فيخفق منها القلب ، ويتضح صاعداً ونازلاً في صدرها في ضعف وبطء ، إذ ذاك تتهلل أسارير الوجوه المطرقة من حولها قليلاً ، ويلبثون منتظرين رحمة إلهية تتداركها وتعيد إليها الروح والإحساس .

وبينما هم في تلك الأثناء إذ دخل أحد الغلمان مسرعاً يقول للأمير :

- إن أحد حراس السجن جاء ليبلغ مولاي بأن ممو في حالة تشبه النزع .. فبماذا يأمره ؟ "

وما كاد اسم ممو يتلى في ذلك جو الذي كانت تمر به أنفاس زين الصامتة ، حتى استنشقت منه الروح التي بعثتها من ذلك السبات الطويل ، وسرت رعشة في جسمها ، وفتحت عينيها تنظر ما حولها ..

رأت أمامها رقعة كبيرة من الدماء منبسطة في تلك الأرض ؛ ووجدت غرفتها غاصة من حولها بسائر الأقارب والأصحاب وحرم القصر ، يرمقونها بعيون ذارفة وملامح ملؤها الأسى والحزن ؛ وأبصرت أخاها الأمير جالساً من فوق رأسها يبكي كأنه الطفل ..؟! فاستوت جالسة في اتكاء ، واستدارت بوجهها نحوه قائلة ، وقد تغيرت ملامحها ، وبدت في وجهها أحاسيس غريبة طارئة :

- " أتبكي أيها الأمير في يوم فرحي وعرسي ..؟!

أفي الوقت الذي تصبح فيه سبباً لإسعادي أكون أنا سبباً لبكائك وأحزانك .؟!

لقد انطلقت روحي يا مولاي منذ اليوم إلى السعادة التي طالما انتظرَتْها ، وبرح بها الشوق إليها .. استطاعت أن تطير إليها بعد أن أوليتها الإذن .. ومنحتها الرضا .. وتقدمت نحوها بالعطف ..

في هذا اليوم انتهيتُ من سياحة طويلة في خضم هذا الفناء المائج ، بعد أن يبستْ في قطعه سائر أطرافي وجوارحي ، وكابدت من أمواجه وعواصفه شدة كادت أن تصرعني ..!

وعليّ الآن وقد انتهيت إلى الساحل أن أقف به قليلاً ، لأستروح . علي أن أقف هنا قليلاً .. قبل أن آخذ طريقي متجهة نحو الخلود الذي ينتظرني ، لأودعكم .. وأستسمحكم .. ولأتلو عليك وصيتي يا مولاي "..!

ثم أسندت رأسها إلى وسادة وراءها - وقد أخذت ملامح الحاضرين تتلون بالحزن والأسى ، واستولى الوجوم والإطراق على المكان - وراحت زين تحدث أخاها ، وكأنها في حلم ، قائلة :

- " لا تأس .. يا شقيق قلبي وروحي ..!

لاتبك علي .. فدتك مئة أخت من أمثال زين .

ممو زينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن