18|صمود -الجُزئية الثانية

789 58 68
                                    

ونقاء قلبك يا صديقي.. من أيّ ماءٍ قد سُقي، بل من أيّ أرضٍ قد نبت؟
_____

"هل أنتَ مَثليّ؟"
يتردّد صدى تلك العبارة ليزيد غصّتي اختناقًا، أحاول جاهدًا تجميع أنفاسي مُستعينًا بإغلاق أنفي بينما تضرب يد خالد ظهري برفقٍ تحت قهقهت سيف. أُعيد جسدي للخلف ضدّ خشب الكُرسيّ ناظرًا للسماء وَأتنفس بعمق، أشير إيجابًا على خالدٍ المتساءل إن كُنت بخير.

-هل أبدو لك كشخصٍ مَثليّ؟

-لا أعلم.

أجاب على مضضٍ وَمالت عيناه بغتةً نحوي. أأصبحنا موضع شبهةٍ الآن، أتُفهم صداقتنا بهذا النحو فقط لأنها أعمق من المُعتاد وَلأنها أخويّة منذ المهدّ، يا الله، أيُصبح نقاء المرء وَصدقه شيئًا يورث الشكّ، ألأنه لا مصلحة تجمعنا يُظن بنا هذا؟

-أوليس الأمر مجرد جيناتٍ لا يُتحكم بها؟
إذًا لا بأس.

تبرير الأشقر زاد الأمور سوءًا مما جعل خالد يُخفض بصره محركًا رأسه بقلّة حيلةٍ وَتشتدّ قبضته فوق الطاولة حتى ابيضّت. سحب نفسًا عميقًا تلته تنهيدةٌ أعمق يفرك جبينه بأسفٍ ريثما يقول:

-يبدو لي أنكما تفهمان المثلية بشكلٍ سطحيّ جدًا..

-إذن تكرّم علينا وَاشرحها بمفهومها العميق.

نبرة جراح بدت جافةً ينتظر من الأخير نقاشًا يظنّ أنه يعرفه، لكنه مُخطئ، فما يفمهونه من المثلية هو اسمها فقط. أرقب ما سيقوله خالد الذي انتبه أننا لازلنا نصوّر وَأشار على سيف بأن يُطفأها. ثوانٍ وَيدفن وجهه بين كفّيه منتهيًا بتخليل أصابعه بين شعره وَبصوتٍ بدى ليّ مُتعبًا لوهلة:

-يبدو أننا سندخل نقاشًا حادًّا، معمعةً طويلةً لا طاقة ليّ بخوضها.. وَلن تُفيد.

-تذكر قوله ﷺ:[ لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حُمر النعم.]، ثمّ لا ضير من المحاولة.

-ماذا لو انتهى بنا الأمر كالمعتاد، ماذا لو لم يتبدل منظورهما يا سيف؟

-اللهمّ بلّغنا، اللهمّ فاشهد.

تابع المعنيّ كلامه بعدما بدى لنا رفض خالد جليًّا وَلا ألومه، فكم من مرةٍ خُضنا هذا النقاش، ساعاتٌ طويلةٌ نُقنعمهم بالحقيقة لينتهي بهم الأمر يُكذّبون كلّ شيء ضاربين به عرض الحائط وَيتمسكوا بأوهامٍ كاذبةٍ رغم وضوح الأشياء كضياء الشمس.

-بالمناسبة، لا أحب مصطلح "مثلية."، أعطوا الناس حقهم.. شواذ مثلًا، فاحشة قوم لوط، أو الأفضل، ما وصفهم به الرسول ﷺ "مخانيث."

ناجٍ من السرطان.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن