01

272 26 64
                                    


يقف مواجهًا لها في الحلبة المربعة، بحلته الخضراء المهندمة بينما تعتلي محياه ابتسامة خبيثة
وسكن الشر عيناه، دقت الرنة الأولى، فالثانية، ثم الثالثة معلنةَ عن بدء النزال.

أخذت وضعية الدفاع بينما كانت ضرباته تشتد عليها، تدافع بكل قوتها وتحاول حماية جسدها منه، باغتته بضربة قوية في جانب جسده مما جعله يرجع خطوتين للخلف، ثم ترتسم الحدة على
وجهه أكثر ويقرر الهجوم أقوى، وكأن ضرباته السابقة كانت دغدغةً لها، أعطاها ضربة قوية في أنفها أفقدتها القدرة على التنفس.

استيقظت على أثر اختناق في تنفسها، جاهدت كثيرًا حتى تصل بيدها إلى زر الممرض الذي أسرع إلى غرفتها في العناية المركزة، وقام بمساعدتها على التنفس ووضع جهاز الأكسجين لها.

مستلقية، تتأمل سقف الغرفة، تراودها ذكريات عديدة انتهت بتنهيدة بارحت ثغرها؛ مستشعرةٌ روحها تغادر جسدها بعد كل نفس، القناع على وجهها طبع علاماته على وجنتيها. أغمضت عينيها لبرهة، فرأت طيف صديقتها يبتسم والهواء يداعب خصلاتها البنية الطويلة،
كيف انتهى الحال بها هنا! تسائلت. غرضها كان بسيطًا ونقيًا، لكن... انقلب الأمر عليها، وبدلًا من مساعدة
العالم، عليها المحاربة لمساعدة ذاتها.

منذ إصابتها وشعور الندم يأكلها حية، تلوم نفسها على اندفاعها، اندفاعها الذي لطالما أوقعها في المصائب، قاطع سلسلة أفكارها دخول طبيب ورغم وجهه المخبأ أسفل القناع الطبي إلا أنها استطاعت التعرف عليه من عينيه العسليتين.

«كيف حالك الآن؟ طبيبة حلا.» بدأ القول بينما يأخذ درجة حرارتها.

«لا أعلم، أشعر كما لو أن هناك مطرقة تطرق على جسدي بأكمله.» جاوبته بإرهاق بالإضافة
لصوت تنفسي العالي.

«أنت تعلمين طبيعة الأعراض، كما تعلمين، أنت قد دخلت إلى المختبر دون ارتداء قفازاتك
لذا...» أنهى أخذه لدرجة حراراتي التي أعلم أنها لن تكون مرتفعة، بأي حال قاطعته قائلة:

«كيف حال أمي؟ وابنتي؟ هم بخير أليس كذلك؟» سألته متمنية ألا يكون المرض انتقل إليهم.
«لا تقلقي» هم بخير.» أ طلقت تنهيدة طويلة خرجت بصعوبة» تدل على راحتي من سماعي لرده.

«يوسف شكرًا لمساندتك لي، أخبرته» ممتنة لوجوده بجانبي دائمًا.

«ارتاحي أنتِ الآن، سأذهب لأرى بقية المرضى.
كما لا تشكريني، أنت تعلمين مكانتك عندي كمكانة شقيقتي بالضبط.» استطعت تمييز ابتسامته
من انكماش عينيه؛ في العادة فنحن كأطباء لا أحد يستطيع أن يميز فعلًا هيئتنا أو ما نرسمه
على وجوهنا، إلا أننا كأطباء فبعد بعض المرات نكاد نميز بعضنا البعض، وكون يوسف زميلي
منذ أيام الدراسة فأنا لم أواجه صعوبة كبيرة في التعرف عليه.

_

تجلس في زاوية الحلبة، تتساقط بعض الدماء من أنفها بينما تشاهد نظرة الانتصار بعينيه، وكأنه
ينتقم لأشقائه الذين قضت عليهم قبلًا، رغم أن عائلته انتقمت بالفعل وقتلت صديقتها وبعضًا من
معارفها وزملائها ولكن يبدو أنهم جشعين، لا يكتفوا، ولن يفعلوا.

بين ضربة ونفس. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن