حينما يترجل الراكب ويركب الراجل...ضع نفسك مكان غيرك

19 6 2
                                    


حينما يترجل الراكب ويركب الراجل...ضع نفسك مكان غيرك

.جزء كبير من آرائنا ووجهات نظرنا تتغير بتغير المواقع وتبادل الأماكن وقليل جدا من تنطلق آراؤهم من أرضية ثابتة وتفكير منصف لا يتأثر بالظروف المحيطة

انظر مثلا إلى تعلقات المشاة على من يقودون سياراتهم إلى جوارهم
يا لهذا السائق الأرعن!
ما هذا التهور؟!
لماذا لا يراعون المساكين الذين يسيرون على أقدامهم؟
من ال (.....) الذي علمه قيادة السيارة؟
لقد ظلموه وظلموا المجتمع حين أعطوا أمثاله رخصة قيادة
المفترض لأمثاله أن يكتفوا بقيادة (حنطور) أو (كارو) يجرها حمار أو بغل على أقصى تقدير
أهو فرح بالسيارة التي اشترتها له السيدة والدته (لماذا ليس والده؟ لا أحد يدري لكن دائما هي والدته التي تشتري السيارة)

هكذا تنهمر تلك النوعية من العبارات العدائية والمشاعر الساخطة سالكة اتجاها واحدا في ذلك السياق
اتجاه من المترجل إلى الراكب

في المقابل ستجد من الركاب وأصحاب السيارات عبارات أخرى تختلف في المفردات وتشترك في المشاعر
مشاعر العداء

أفقد هؤلاء أبصارهم؟
لو أنهم يريدون الانتحار لما فعلوا أكثر من ذلك
لكن فليبحثوا عن مكان آخر ينتحرون فيه
لماذا علينا أن ندفع فاتورة رغبتهم في التخلص من حياتهم؟!
هذا ليس طريقا للمشاة أيها الحمقى...
كم طبقا من الفول التهمتم على الصبح لتسيروا بغير اكتراث هكذا؟
ألم تسمعوا آلة التنبيه أم أنكم قد فقدتم حاسة السمع أيضا؟

أصحاب هذه العبارات والآراء الأخيرة لا يختلفون كثيرا عن أصحاب العبارات الأولى
بل المفاجأة أنك قد تسمع هذه العبارات وتلك صادرة من الشخص نفسه
فقط عليه أن يغير موقعه
سينقلب الاتجاه وتتغير العبارات حين تتغير المقاعد وتتبدل الأماكن..
حين يترجل الراكب ويركب الراجل

حين سار على قدميه انحاز تلقائيا للسائرين وقرر ضمنيا أن السائقين متهورون يتمتعون برعونة غير طبيعية ويشكلون خطرا عليه وعلى زملائه
وحين ركب سيارته أو سيارة الأجرة اعتبر المشاة عوائق في طريقه وعقبات تضيع وقته و تقلل من حرية استعماله للطريق الذي ينبغي أن يكون خالصا له ولزملائه الركوب
في لحظات تناسى موقعه السابق والذي قد يعود إليه
وإن لم يعد إليه فلماذا لا يحاول ولو للحظة أن يضع نفسه اعتباريا مكان من هم فيه الآن ليستطيع أن يتصور منطلقات تصرفاتهم
هذا السائر الذي اقتحم الطريق يريد العبور مسرعا ألا يمكن أن يكون أنت؟

ألست تترك سيارتك أحيانا عبر الطريق وتريد العبور عائدا إليها مسرعا للحاق بموعدك؟
وهذا السائق المسرع الذي ضايقتك سيارته التي تنهب الأرض نهبا ألم تكن يوما مكانه أو مكان من يركب معه يستعجله لتلحق زوجه الحبلى بالمستشفى أو ليصل في موعده إلى امتحانه الذي تأخر عنه بسبب الزحام؟
ألا تخطط يوما أن تشتري سيارة تسهل عليك عناء المواصلات اليومية فإن وفقت لذلك فهل سيكون رأيك في قيادتك حينها هو ذات رأيك في قيادة الآخرين الآن؟
للأسف بشكل أو بآخر تتكرر تلك المتوالية في حياتنا يوميا
أنت في لحظة ما مشتري تبتاع شيئا وتنظر إلى البائع بتشكك وتعتقد أنه نصاب إلى أن يثبت العكس
بعدها ببرهة ستصل إلى متجرك أو عيادتك أو مكتبك أو صيدليتك أو محل نشاطك الذي تبيع فيه خدمة ما مقابل مال
لقد تحولت في لحظات من مشترٍ إلى بائع فما رأيك بمن يراك الآن نصابا إلى أن يثبت العكس؟

بنت الناس الطيبين الذين ائتمنوك على ابنتهم
أتذكر ما كنت تعتبره تعنتا منهم وتزمتا
أتذكر ضيقك من بعض التفاصيل أثناء التجهز للزواج؟
وحين صارت في بيتك فتناسيت الميثاق الغليظ الذي أُخذ عليك وامتهنتها ولم تتق الله فيها ولم ترع عهد أهلها
ها قد مرت السنوات وصرت مكانهم وجاء من يطلب ابنتك للزواج.
أتراك ستترك له الحبل على الغارب
و كيف سيكون حالك لو فعل بابنتك المثل حين تصير في بيته؟

وما كنت تعتبره أحيانا قسوة من أبيك
ما كان يغيظك من منع أو تأخر في إجابة بعض مطالبك
ما كان يسخطك ويغضبك مما كنت تسميه تعنتا أو تظنه رجعية
كل ذلك لم تدرك حقيقته إلا بعد أن رأيت أثره على واقعك
وربما أدركته أكثر حين صرت مكانه
نعم... غالبا ستصير يوما مكانه بإذن الله وحينئذ ستعرف
ستعرف حين تصير أبا ويصير لولدك ذات رأيك القديم في أبيك
لكنه هذه المرة رأيه فيك
حينئذ ستدرك قسوة تلك المشاعر التي تحملها والدك عن طيب خاطر حين لاحظ ضيقك وسوء ظنك
ستفهم أن أباك ما قسى ولا منع ولا عاتب أو لام أو حتى عاقب إلا لأنه يحبك
ولأنه يريدك أفضل وأقوى كما تريد أنت الآن من ولدك
ستفهم أن الأب لو استطاع أن يمسك بتلابيب الدنيا بكل ملذاتها ومتاعها فيهديها عاجلة لولده لما تأخر لكن هذا اجتهاده وما ارتآه لتنشأة ولده
وتربيته

وحين نقمت بالأمس على إدارة من يرؤسك في العمل ورأيته متعنتا معك
فكيف أنت اليوم مع مرؤوسيك أو مع أهل بيتك
تتعنت أحيانا أليس كذلك؟
وحين تفعل ستكون لك أسبابك المقنعة
فما الذي يمنع أن تكون له أسبابه ومبرراته؟
وكيف أنت غدا حين تجلس على كرسيه الذي لم يدم له ولا لمن قبله
ولن يدوم لك

تلك هي سنة الحياة والحقيقة التي نغفل عنها

نحن نتبادل المواقع والأماكن كل يوم
وحين نتبادلها نتعامل من منطلق المقعد الحالي والموقع الآني وحسب
ننسى أو نتناسى أننا سنتبادل المقاعد يوما ونصر ألا نلتمس العذر لأولئك الذين نسخط عليهم إلا حين نصير مكانهم
حينئذ فقط ربما نفكر مثلهم
وربما لا..
لكن ما الذي يمنع أن نحاول أحيانا أن نعجل بما هو آت؟
وأن نضع أنفسنا مكانهم...
مكان الآخرين..

د.محمد علي يوسف

نصائح 🩷حيث تعيش القصص. اكتشف الآن