الفصل الأول

43 5 6
                                    


تمشي فتاة تبلغ من العمر ١٨ ربيعاً بمحازاة البحر الذي انعكس ضوء الشمس الساطع عليه فصار لونه يميل إلى الحمرة قليلا ..على وجهها علامات العبوس واليأس ..ابتسمت بحزن حين رأت زوج وزوجة وبينهما تسير ابنتهما التي بدت وكأنها بنفس عمرها ...كم اشتاقت لوالديها !!...
فرت دمعة من عينيها فرفعت يدها بسرعه ومسحتها حتى لا يراها أحد ...سارت متجهة إلى منزلها وقد اختنقت من رؤيتها للزوجين وابنتهما ...دخلت منزلها الذي هو عبارة عن شقة واسعة فخمة في الطابق الخامس ...ألقت السلام على شقيقتها الجالسة أمام التلفاز ودلفت إلى غرفتها بتكاسل وارتمت على فراشها ..لحقت بها شقيقتها و دخلت قائلة :
مرحبا عزيزتي !...كيف حالك ؟... أراكِ عدت باكراً اليوم ..هل حدث شيء؟؟
ردت عليها : لايوجد شيئ "مودة" !أرجوكِ اتركيني لوحدي قليلا ..
قلقت عليها "مودة" وقالت : ماذا هناك يا "رحمة" ؟؟ أخبريني حبيبتي..
لم تستطع "رحمة" الصمود وانهارت في حضن اختها باكية : لم أعد أستطيع التحمل يا "مودة" !! اشتقت إليهما كثيرا !
أغمضت"مودة"عينيها في ألم قائلة : وأنا أيضا حبيبتي اشتقت إليهما كثيرا..لكن ماذا نستطيع أن نفعل ؟؟ إنه قضاء الله وقدره ..علينا أن نصبر ونحتسب ..هيا قومي واغسلي وجهك وتوضئي وصلي ركعتين ...
ثم طبعت قبلة على وجنتها ثم نهضت قائلة : وانا سأقوم بتحضير الغداء بسرعة.
ابتسمت"رحمة" بوهن وأومأت برأسها ثم قامت من فوق السرير وبدلت ملابسها بمنامة قطنية مريحة واتجهت إلى غرفة الجلوس وجدت "مودة" قد حضرت الغداء ..قبلتها ثم جلست على أحد الكراسي وبدأت بتناول الطعام بدون شهية وهي شاردة..حاولت "مودة" إخراجها من شرودها قائلة بابتسامة حنونة : ما رأيك في الطعام ياعزيزتي ؟؟
استيقظت"رحمة"من شرودها قائلة : إنه لذيذ للغاية..لكني شبعت..سلمت يداك...
ثم ما كادت تقوم متجهة إلى الحمام لتغسل يديها حتى قالت "مودة" بجدية : انتظريني في غرفتك أود التكلم معك قليلاً...
أومأت"رحمة"برأسها ثم توجهت إلى غرفتها تنتظر اختها التي لم تمر إلا بضع دقائق ورأتها تدق الباب ودخلت ..قالت "رحمة" بقلق : ماذا هناك "مودة" أقلقتني!!
قالت "مودة" بدون مقدمات : إلى متى ستظلين هكذا يا "رحمة" ؟؟..
فهمت "رحمة" مقصدها ولكتها اصطنعت عم الفهم قائلة : هكذا ماذا يا اختي؟.. ما بي؟؟..
بدأت "مودة" تفقد أعصابها قائلة : أنت تفهمين ما أقصد جيدا..!!
لا تصطنعي الغباء ..
قالت "رحمة" بلامبالاة : وماذا تريدين مني أن أفعل؟
لان صوت "مودة" قليلا وهي تقول : أنت تهملين نفسك كثيرا يا عزيزتي..صرت لا تتناولين الطعام إلا نادرًا حتى نحفت جدا ..حتى دراستك أهم شيئ في حياتك لم تعودي تهتمي بها ..ألم تعدي والدينا أن تصبحي طبيبة متفوقة ؟!!!
هل ستضيعين حلمك وتعب سنوات في بضعة أيام؟؟؟
انهارت"رحمة"باكية بنشيج مسموع يقطع نياط القلوب : وما فائدته بعد الآن بعد أن ذهب أهم شخصين في حياتي؟؟أنا لم أعد أستطيع العيش بدونهما!!
قالت"مودة"مشفقة عليها وعلى نفسها..فهي برغم تماسكها أمام أختها الا انها مقهورة من داخلها : وأنا..؟؟
ألست معك؟.. انا أيضا اشتقت إليهما كثيرا..لكن علينا أن نصبر ونحتسب عند الله ألم يكن هذا ماتقوله أُمنا..؟
قالت "رحمة" :لكن ألمي هذا ليس له مثيل ولن يشعر به أحد..!!
تنهدت "مودة" بألم وطبعت قبلة على وجنتها قائلة:ليس صحيحا عزيزتي!فنحن في نعمة كبيرة جدا ..إذا نظرت إلى كل شخص في هذه الحياة ستجدين أن الله ابتلاه بابتلاء صعب وهذا هو ابتلاؤنا ..أن نفقد والدينا في حادث ..هذا شيئ صعب ..أعلم ولكن الله أنعم علينا بنعم كثيرة جدا ..فنحن والحمد لله مستوانا المادي والاجتماعي ممتاز ..أيضا لم يحرمنا الله من نعمة الصحة ..فلتنظري للمرضى كيف يعانون من آلام كثيرة ..والأشخاص الذين وضعهم المادي سيء كم يعانون كثيرا فعليك أن تحمدي الله كثيرا وقد قال تعالى :﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم﴾..فلتنامي قليلًا لعلك تهدئين..
خرجت "مودة" من الغرفة وأغلقت الباب خلفها..استلقت "رحمة" على السرير وأغمضت عينيها وظلت تبكي بشدة وهي تكتم صوت بكائها في وسادتها لتغط في سبات عميق فاقدةً وعيها.
استيقظت"رحمة"صباحاً بتعب وصداع شديد في رأسها..فتحت عينيها وجدت الظلام من حولها!!!
سمعت دقات باب غرفتها ، والباب يفتح ..سمعت صوت "مودة" يلقي تحية الصباح في بهجة...لكن الظلام مازال يعم الغرفة!!!
صمتت "مودة" مستغربة صمت "رحمة"...حتى قطع هذا الصمت صرخة"رحمة"الفزعة....
أنا لا أرى!!!!

#تأليفي
#أول_كتاباتي
#Mariam_Ahmed

رواية #الحمد للهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن