الفصل الثالث

16 4 0
                                    

-اااااااااااااه
استيقظت "رحمة" وهي تطلق تلك الصرخة الفزعة ..ظلت تجول بنظرها في المكان حولها..علت ملامح الدهشة والصدمة وجهها ..إنها في غرفتها!!!!.. إنها ترى!!..لم تفقد بصرها !!ولم يحدث لها شيئ ...لقد كان كابوس!!!! الحمد لله ..الحمد لله يا رب..قامت من على السرير بنشاط وخرجت من الغرفة بسرعة تنادي على أختها بأعلى صوتها :"مودة".."مودة"..
خرجت "مودة" من غرفتها قائلة بقلق : ماذا هناك يا "رحمة" ؟؟هل أنتي بخير ؟...
لكن "رحمة" لم تمهلها ..فقد احتضنتها وظلت تدور بها في أرجاء المنزل بسعادة قائلة :لقد كان كابوس ..ليس حقيقة ..ليس حقيقة ..لم أفقد بصري ...
قطعت لحظة سعادتها تأوه  "مودة" ..فقد اصطدمت قدمها بقدم إحدى الكراسي ..فجلست على الأرض تدلك موضع الألم وعلى وجهها علامات الغضب ..صاحت بـ"رحمة" قائلة : ماذا هناك ؟؟ما الذي تفعلينه؟ما هذا الجنون؟!!!
ردت عليها "رحمة" وهي أهدأ قليلا :سأحكي لك كل شيئ ..هيا قومي معي ..
ساعدتها "رحمة" على القيام ..ثم أجلستها على الأريكة ..وبدأت تقص عليها هذا الكابوس ، وختمت كلامها قائلة : وفقط .. لذا أنا سعيدة أن هذا لم يكن إلا كابوس مزعج ..
بدت ابتسامة راحة على شفتي"مودة" قائلة :الحمد لله ..لقد أخفتني ..ظننت أنك جننت لا سمح الله ..
قالتها وهي تضحك..شاركتها "رحمة" الضحك ..قالت لها "مودة" بجدية مفاجئة :الآن هل فهمت شيئا من حديثي معك الأمس؟؟
بدت على وجه "رحمة" علامات الاستفهام لأول برهة، ثم ما لبثت أن فهمت ما تتكلم عنه شقيقتها ..قالت : أجل ..أجل يا "مودة" ..فهمت جيدا جدًا ..
قالت لها "مودة" تعيد الكلام على مسامعها : يجب أن تحمدي الله على كل حال ...فهناك ابتلاءات عظيمة ابتلي بها الآخرون ..هل كنت سعيدة حينما ظننت أنك فقدت بصرك ..كم هو ابتلاء عظيم عليك أن تحمدي الله انه قد عافاكي منه ..
أومأت "رحمة" برأسها في رضا وهي تردد: الحمد لله ..الحمد لله ..
ثم قالت لـ"مودة" :هل حضرت الغداء ؟؟فأنا جائعة جدا..
ابتسمت "مودة" بحب وحنان ..فها هي "رحمة" القديمة أمامها بابتسامتها الجميلة ومرحها المعتاد ..قالت :
سيكون جاهزاً خلال وقت قصير ان شاء الله ..انت قومي فلتتوضئي لتصلي ..هيا حبيبتي..
ابتسمت "رحمة" وقامت باحتضان "مودة" بحب قائلة بهمس: أنا أحبك كثيراً ...اياكِ أن تتركيني يا "مودة" ..لا أستطيع العيش بدونك!.
تعجبت"مودة"لكنها اشتدت في احتضانها قائلة :وانا أحبك حبيبتي..لن أتركك إن شاء الله
قامت "رحمة" بمسح دمعة كادت أن تفر من عينيها ..ثم قالت ضاحكة وهي تخرج من حضن أختها :هيا اذهبي ..قلت لك اني جائعة ..جااااائعة ..
ضحكت "مودة" قائلة :اذا هيا أيتها الجائعة ..اذهبي لتصلي أولاً..
ذهبت "رحمة" إلى غرفتها وهي تحمد الله في سرها ..توضأت ثم بدأت الصلاة ..بمجرد أن سجدت على الأرض ..انهمرت الدموع من عينيها ..ظلت تدعو لوالديها ..وحمدت الله على حالها كثيراً ..ودعت أن يحفظ لها أختها ..ولا يحرمها منها أبدا..
قامت من سجودها وأنهت صلاتها ..أنهت أذكار صلاة ..ثم أمسكت مصحفها وبدأت بالقراءة فيه ..فقد هجرته مدة ليست بالقصيرة ..قرأت قول الله تعالى :(الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب)...أرجعت رأسها إلى الوراء باسترخاء ..فقد لمست تلك الآية وترا من قلبها ..حسمت أمرها ..لن تهجر القرآن مرة أخرى مهما كانت الظروف ...فهو سيكون مؤنسها في وحشة القبر ...وأيضا ستحاول المداومة على قيام الليل كل ليلة ..ولو بركعتين...فهو سينير قبرها في ظلمته ..أخرجت تنهيدة..كم تتمنى أن تكون من عباده الصالحين المؤمنين الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون..ان شاء الله لن تترك أي فرصة تضيع منها بدون أن تكسب بها ثواب..بابتسامة ..بصدقة بسيطة حتى..بمعاونة محتاج ..صلة رحم..بدعوة طيبة لأحدهم ..وأيضا عليها أن تهتم بنفسها ..فإن لبدنها عليها حق...ويجب عليها استكمال دراستها ..يجب عليها تحقيق حلمها ..لقد وعدت والديها ..
طرقت "مودة" الباب ..ثم دخلت قائلة :هيا الغداء جاهز .
ردت عليها وهي تطوي سجادة الصلاة بعناية:حسناً أنا قادمة ..
قالت لها "مودة" بابتسامة حينما رأتها تطوي السجادة: تقبل الله..
ردت عليها :منا ومنكم .
خرجتا معا من الغرفة ..ثم جلستا لتناول الطعام ..ثم ساعدت كل منهما الأخرى لإتمام أعمال المنزل..ثم جلستا تشاهدان التلفاز معاً ..بعد أن أعدتا كعكة التفاح ..وجلستا تتناولانها معًا وهما لا يكفان عن الثرثرة و الضحك معاً وهما لا يتطرقتان إلى أي حديث يحزنهما ، أو ينغص عليها جلستهما السعيدة..
قالت "رحمة" فجأة :أريد أن أهتم بدراستي مرة أخرى ..سأبدأ بالذهاب للجامعة من الأسبوع القادم إن شاء الله..
ردت عليها "مودة" بسعادة فائقة :يا الله ..كم أنا سعيدة بهذا الخبر حبيبتي ..من الممتاز أنك قد بدأت باستعادة نفسك .
قالت "رحمة" بنبرة جادة :من الآن وصاعدًا لن أهمل نفسي مرة أخرى ..
احتضنتها "مودة" بقوة :لا تعلمين مدى سعادتي بهذا ..إذًا علينا أن نذهب غدًا لشراء مستلزمات الجامعة ..والعديد من الكتب لاسترجاع ما فاتك من العام الدراسي ..فقد بدأ العام الدراسي الجديد منذ أسبوعين ...وهذا عامك الأول وعليك أن تجتهدي جدا ..وأنا سوف أساعدك..
وضعت "رحمة" يديها على وجهها قائلة :اااااااه ..بدأنا .."مودة"عزيزتي لم أنت مستعجلة هكذا ..أنا مازلت  في العام الأول لن أتعذب من الآن ..اوف..
ثم تابعت : وأنت يجب عليك أن تذهبي إلى عملك..لقد غبت بما فيه الكفاية ..
نهضت "مودة" وهي تغلق التلفاز قائلة :إذا هيا لنخلد للنوم ..لنذهب غدًا لشراء المستلزمات ..لأني بعد غد سأعود للعمل ، وسيكون من الصعب أن أذهب معك بعدها.
أومأت "رحمة" برأسها متفهمة .. ونهضت قائلة : حسنا إذاً..تصبحين على خير.
ردت عليها "مودة" قائلة :تصبحين على خير ، حبيبتي.
اتجهت كلا منهما إلى غرفتها ..
استلقت "رحمة" على سريرها وقد تدثرت بغطاءها جيدا ..وظلت تفكر..هي سعيدة بما عقدت النية عليه ..ظلت تدعو الله أن يثبتها ويطهر قلبها من الرياء ومن كل سوء وأن يجعل قلبها لا يتعلق بأحد سواه-سبحانه وتعالى-..ظلت تفكر وتدعو حتى غطت في نوم عميق.
استيقظت "رحمة" صباحًا بنشاط ..توضأت وهي تشعر بأن كل قطرة من الماء هي تطهير لذنوبها ..ثم أدت فرضها وجلست تقرأ وردها من القرآن الذي ألزمت نفسها به..وأرادت أن تبدأ به يومها ..ثم خرجت لأختها بعد أن بدلت ملابسها وجدتها قد أعدت الفطور..ألقت تحية الصباح ثم جلست بجانبها على أحد الكراسي..وبدأتا في تناول الطعام ..انتهيتا ثم أزالتا الطعام معاً ..خرجتا معا من باب المنزل متجهتان إلى السوق التجاري ، القابع في الشارع المجاور..
وبينما "رحمة" تتفحص إحدى المشتروات ..اقترب منها أحدهم ..
وفجأة.....وجدت من يضرب على كتفها ببعض الأوراق..انتفضت فزعة والتفتت بسرعة ...
لتجد صديق والدها الطبيب الذي يبدو عليه الوقار وعلى وجهه ابتسامة قال:كيف حالك يا ابنتي؟ وكيف حال أختك؟؟
تهلل وجهها لمرآه فكم وقف بجانب والدها قبل وفاته ..وكذلك ساعدها و أختها كثيرًا بعد وفاته...ردت عليه بفرحة:نحن بخير عمي ..كيف حالك أنت؟
أجابها بابتسامة حزينه :أنا بخير والحمد لله..أنا فقط جئت لأسلمك هذه ..فمنذ وفاة والديك وهاتفك مغلق فاضطررت للمجئ لأعطيك إياها ..
أعطاها ورقة مطوية بعناية..أخذتها منه وهي تقول بود :معذرة عمي ..فلم يكن لدي استعداد لأتلقى أي اتصال..
فتحت الورقة ببطئ ، لتقرأها ثم تتسع عينيها بصدمة وتضع يدها علي فمها لتكتم شهقة فلتت منها والدموع تنهمر من عينيها...
#تم_التعديل
#تأليفي
#أول_كتاباتي
#رأيكوا_يهمني
#Mariam_Ahmed

رواية #الحمد للهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن