أحسَسْت و كَأني محبُوسة فِي معَانَاة أبَدية******
أكاد أتجَمدُ مِن البرد و كأني مجَردة من ثِيابِي و تلفحُني رياح خَريف ليْليَّة، تَدفعني إحْدی الفتَيات القَابعات خَلفي فأمشِي بأقْدامي الحافِية عَلی الرَّصيف الخَشِن، أسْمع ضحِكاتِهن لَكِن لَم أَنضُر خَلفِي، كَان يتَوسَّط هذا الشَارع صالَة مُستديرة فسيحَة، أقْرب لحدِيقة عُمومِية، تُحيط بَها أعمِدة إنارَة شاهِقة الإرتِفاع تُحارب حلكَة اللَّيل، تقدَّمتُ بخُطوة دَاخلها فتَعالت ألحَان أغْنِية أَجِدُني أتفَاعل معَها فأغَنِي و أرقُص؛ من رَقص عَصري مدْروس كنَجمَة عَلی مسرَح غِنائي، الصبِيات خلفي يتْبعن خطوات رقصِي أری جُزءا من أجسادهن لكِن لا أسْتدير، أسمعُ هُتافات جَماهِير لا وجُود لهُم، و كأنِي فِي نوع من الأَكْوان الصَّوتِية أدرِك ما حَولي مِن خِلالِ الصوت؛ أَي خارِج عقلِي أنَا فقَط فتاَة ترْقص و تلحِن كلِمات غيرَ مفهومة ليلاً في صالَة فارغَة بشَارع مهْجور، لا أدْرك حتَی إن كُنت أرتَدي شيئًا أم لاَ.
توقفَت الموسيقی وتوجَهت الأضواء نحَو الرَّصيف خارِج الحدِيقة، تِلك المَرأة المُتكِئة علی الأرض بجَادِبية، ثِيابُها عِبارة عَن بنطال بِلون بشرتِها التُرابِية، سُترَة بيضَاءٌ مصفَرَّة من الحَرِير مُرتَفِعة تُظهِر سُرَّتهَا، وكعْب نُحاسِي، أحبَبت الجُرأة فِي أعيُنها الضَّيقة و البَسمة علَی شِفاهِها البُنية، شعرُها الأشْقَر المُسرَّح خلْف ظَهرها إنَّها هي ال"DIVA" الكورية "جيسي".
اِستقامَت لتنزَع سترَتها و ترميِها أرْضا ثم تمشَّت بِثقة نَحو الصَالة، دوَی صَريخ الجماهِير الخفِيَّة، و كَذا الشهقاَت المصدومة مِن الرَاقِصات خَلفِي، رأيْت شعْر إحْداهن عِندما اِرتد أمَامِي و هي تُوشْوِش:
"يَا إلَهي هل حقاً هِي مكشُوفة الصَّدر".
مَا الفكرَة التي تَنوينَ ايصَالها لَهم يا تری،
أحسَسْت و كَأني محبُوسة فِي معَانَاة أبَدية و صَامِتة، خَبأت أكتَافي العَارية بِيدَي عِندَما شعرْت و كَأنَّها تُمطِر فَوقِي، ثُم تأمَلتُ سُترة جيسي التِي لا تَزال علَی الأرض، حتَی جَاء ذاك الشَّخص، شَاب بمِعطَفٍ رمِاديٍ غَامق و شَعر أسوَد مُجعد، حَمل السُّترة و تمَشی بَعيدًا نَحو صَديقِه، شَاب أطوَل منْه بِقلِيل بِنَفس هيئَة الأول لَكِن بشَعرٍ عسَليِ، راحَا بعِيدا.
لامسَتْني فتَاة مِن اللَّواتي خَلفي و شعَرت بشَيء يقُول:
" اِذهَبِي و خُدِي السُّترَة لِنَفسِك"
جَريت بعيدًا عن ذَاك الشارِع خلفَهما، لازِلتُ أخْفي أكتَافي من النَاس التي بدأت بظهُور لتَو، يَمشوُن مِن جَوانبي بعَدم اِكثِرات وَكأن لَهُم إجتِمَاعَات و مُخططات مهِمة.
اِستَدار ذاك شَاب فَرآني أتبَعهم، لاحضتُ كَيف ضَحِك و أخْبرَ صدِيقَه ليضحَكا معاً ثُم يَتأهبانِ لرَّكض وَسط الحشْد،
"انتظِر لا تذْهب لسْت هُنا للأذِية"
هَذِه صرخَتي التِّي جعَلته يتَوقَّف و يستَدير نحوي، صَمتَ العَالم،
لاَ أعْلَم أيْن اِختَفی صدِيقُه و لاَ أهْتَم، بدَا شَخْصا لطِيفًا بإبتِسامَة دافِئَة، اِقتَربَ ناحِيتي و بادَلتهُ التَّبسُم، نَزع معطَفه و من تَم الستْرة الحَريرِية، وضعَها فوقَ ظهْري فإرتَديتُها ثم وَضعَ المِعطَف أيضًا كنْتُ شاكِرةً لهَذا، ربَت علَی كتِفي و قَال
-"اِعتَني بنَفسِك"
لا أذكُر ما حدَت بعدَها مِن فوضی،
رَمشت فاِختفی لَم أعلَم أي طَريقٍ قَد اِتَّخد، تَابعْت مَسيري بهُدوء.
كُل شَيء حَولي يتمَزَّق ألمًا بصمت.
رمَشت،
أنَا الآن في غُرفة بيضاء طويلة و علی جوانِبي كراسٍ، بَدت كَقاعة انتظارٍ فِي مَشفًا مَا. في آخرِ الغُرفة بَاب أبيَض يَجلِس أمَامهُ شَابٌ هَزيل، أصلَع، مُنحَنِي الظهْر، شَيء داخِلي يَنْهشني يخبِرني أن هذا الشخْص أخِي، اِقتَربت منه، حالَته كانت مزرِية، بشرَة شاحِبة، مُصفرة، مُلتهبة، هالات في أقْتَم سوادِها و شِفاه مرَتجِفة مُزرقَّة، اِبتسم و كانَت أسنَانه كمَن يعانُون من "عِوز كالسيوم حاد"، عَلی أرنَبة أنفِه و فَمِه طحِين أو هَذا ما ضننْته و كذا علی يدَيهِ و كامل صَدرِه، صوت رجُل من خَلفِي يقول:
"ماذا تنوين فعله به؟"
يبْدو أنه الطبيب أو شخص يعرِفنا جيِّدا، بعد هذا السُؤال تبادر لِخاطِري شعور و كأن أخِي هذا شخص سَيء، شرير، يجِب أن يُعدم و يَموت، أجبت و متَأكِدة أن تِلك الإِجابَة حينَها لَم تكُن مني، أو أنِّي لم أكُن مدرِكة لما أقُول،
"لنزَوجه إيَاها و حسْب، لن أكثَرِت إن إغتَصبهَا عِندهَا"
تمامًا بعد قَولي لهذا خَرَجتُ مِن البابِ الأبيض.
خلف البَاب كان هناك شارع مختلِف عن الأول فهذا كان تَحت ضَوء نهَار، مبهِج، عَلی كِلا جانِبيه مطَاعم و مَقاهي و متاجِر، زجَاجها يظهِر أن بعضُها للمجوهَرات و البَعض لثِياب، الأحذية، الكتُب، الأقراص المدمَجة و الألبُومات، يتوسط الشارِع صف من الأشجار الجمِيلة.
تقدَّمت نحو أحَد المحلات كان يجلس أمامه رجل مسِن علَی ما يَبدو صاحب المتْجر، حييْتُه و دخَلت بدأت أختَار مذكِرات صغيرة وعلَب مسطَّحة عليها شِعارات ألبومَات وفنَانيِن عالمِيين، فَردتُها علی الطاوِلة الخَشَبية أمَامي أتأملُها وأشعرُ أن خداي يرتَفِعان رُبما كنت أبتسِم.
فُتِح البَاب الأبْيض وخرج مِنهُ مَن يجِب أنْ أعْتبِره أخِي، كان مختَلِفا، يرْتدي ثِياب نضِيفة، هالتُه طبِيعية ولَه شعْر أسود مُبتَل، لكِن لازَال قصيرًا منْحنِي الظهْر، توجَّه نحْوي ودخَل المتْجَر، ضَلَّ يلعَب هُنا و هنَاك كالأطْفال، يُسقِط أشياءً ويَكسِر أشياءً.
مُجددا لا أذكُر ما جری من فوضی،
لكني لَم أقاوِم رغْبتي فِي إبْقاء نَضري عَلی الطاوِلة أمَامي، كَان صاحِب المَتْجر يوَبخ أخي والزُبناَء منزَعجون، آخِر شيء سمِعتْه كَان من أحدِهم يَقول:-" كيف لك أن تدخِل فتاة قَتَلت مَن مد لَها يد العَون، و أخَاها المُدمِن المُغتَصِب إلی متجَرِك".
كَأننا كُنا سُعَداء جَدا وبُسَطَاء، ثُم بِرمشَة رُمينا في هذا القدْرِ من المأساوِية.
وهُنا أتوَقَفُ أنا عَن الكَلامِ المُباح.اِنتهی
.

أنت تقرأ
مَنامَة.
Storie breviـ "إنَه جانِب مني انحشَر فِي العَالم الآخَر، فأسأل نَفسي ماهذه المَلحَمة؟". -ملاحظة: الأحدَاث قد لا تناسِب بعض الفِئات، لا أنصَح به لمَن هم أقَل من ١٥ سنة. حكاية مُغدقَة بالسِّلبِية.