a second part

38 0 0
                                    

"اذا اردت أن تهزم عدوك،فيجب ان لاتحاربه بنفس سلاحه"
.......
هذا مافعله ادموند بعد تفكيرٍ طويل جعلهم يعتقدون انه مهزوم وتظاهر بعدم معرفته بغدرهم له ، ثم قرر بعدها قبول عرض رينو له بالانظمام اليهم لأنه مهمها حاول لن يستطيع الانتقام منهم طالما لم يعرف نقاط ضعفهم.
في صباح يوم الاحد الساعة الثامنة على شواطيء ستون ..
التقى ادموند بـ رينو وهناك قبل عرضها وفي هذه اللحظة غمرت رينو السعادة ظناً بنتصارها عليه ولو علمت ماينتظرها لتمنت الموت قبل هذه اللحظة...
ضجت المدينة بهذا الخبر وشاع اسم ادموند فالطرقات وبدأ الجميع يتهامسون وهم في صدمة ، فقد عُرف ادموند بوفائه لأهالي المدينة فكيف له ان يقوم بخيانتهم؟ حتى انه ندم كل من ساعد ادموند عند وفات صديقه ووقف بجانبه ولُقّب بالخائن .. ولو علموا ان من لقبوه بالخائن يخطوا أخطر خطوةٍ في حياته بالانظام لهم محاولاً تخليص المدينة من بطشهم و ظلمهم والانتقام لصديقه وتخليه عن نفسه في هذه المهمه  لتقززوا من انفسهم وعلى تفكيرهم ...
"فلاتحكم على الناس وانت لاتعرفهم فما بال ان تحكم على انسان عرفته؟؟".
________________
انا ياأدموند عانيت فوق معاناتي من شعب ستون فمن ضحكتُ معهم بالامس وجمعتنا الليالي تحت ضوء القمر حتى شروق الشمس ، اليوم لااحد منهم يريد رؤية وجهي
واللذي بكى بالامس حين ظن الناس عنه السوء، شرحت له صدري ونصرته، لم يأتي اليوم ليسألني لماذا فعلت هذا؟
بل فعل فعلت من بكى لظنهم .
واصبح كل من يراني يغلق بابه..
ما أريد قوله :
(‏لاتحكم على اختياراتي،اذا لم تكن تعرف أسبابي،ولا تحكم على أسبابي،لأنك لم تعش حياتي" )...
منذ انظمام ادموند للعصابة ازداد خوف شعب ستون فقد عُرِفَت العصابة ببطشها وتسلطها وفوق هذا استمدت القوة من ادموند ، فلم يمضي الكثير على انضمامه للعصابة حتى استولوا على الجزء الشرقي من مدينة ستون وهي اكثر منطقة محصنة  ومعظم مناطق شمال المدينة وكل هذا يعود لدهاء ادموند ف التخطيط الحربي..
نعم لقد سعى ادموند لحكم مدينة ستون بالكامل ليسهل عليه فيما بعد الاستيلاء عليها وسلبها منهم كما سلبوا حياته منه ...
فلو اخذ الجزء البسيط اللذي حكمته رينو ل ذهبت لتحكم المناطق الاخرى..
مر الشهر الأول وقد كان اطول شهر في حياة ادموند ف قضاء الثانيه فقط مع أناس يبتسمون لك وانت تعلم ان مابداخلهم يختلف تماما عن مضهرهم هذا السبب وحده كافي لـ جعل الدقيقه اشبه بسنه ...
في كل لحظةٍ يظنون بها انهم كسبوه كان كره ادموند لهم يزيد فيها ، وفي كل مرةٍ يفرحون لظنهم بقتراب تحقيق حلمهم كان فرح ادموند وانتظاره لهذه اللحظة اشدُّ منهم ...لأنها ستكون نهايتهم وانتصاره.
ويوما بعد يوم ورينو تحاول قدر المستطاع الكذب على نفسها الاّ ان مشاعرها اتجاهه ازدادت لدرجةٍ ارهقتها فأصبحت لاترسله لأي مهمةٍ خطره خوفاً من فقدانه .
وتطمئن عن حاله من البعيد ، وتحاول صنع الوقت معه وبدأت تتناسى الحلم اللذي تسعى لأجله ... رفعته للأعلى حتى اصبحت كلمته اشبه بكلمتها فلا احد يخالف اوامره ومن يعترض طريقه تقضي عليه ، منذ انظمام ادموند الى العصابة بدأت حياة رينو اشبه بالموت البطيء رغم اقترابها لتحقيق حلمها بفضله الاّ ان الحزن كل ليلةٍ يغشاها حتى النوم ، فرغماً عن بطشها وظلمها الاّ انهُ يبقى الحب من طرف واحد أصدق حب وأهلك شعور ، فمهما كذَبَت في جميع امور حياتها الا انها أحبّت بصدق ..
وما يؤلم انهُ رغم اسطورتها وزعامتها لم تطلب شيئاً ولم يأتها حتى هذه اللحظه فكيف ستنقذها زعامتها هذه المره !!
فالحب يحدث ولايطلب .. فلا تستطيع ان تطلب من انسان ان يحبك .. تسطيع ان تطلب منه اي شي إلاّ الحب .. لأنه لايستطيع ان يعطي شيئاً لايملكه ، ونحن لانملك الحب ولكنه يحدث لنا..
ميَّزَت رينو ادموند عن الجميع منذ انضمامه حتى أحس جميع من حولها بمشاعرها اتجاهه فبعد منعها له من خوض المعركه بينهم وبين المقنعين/ والمقنعين: عصابة كانت منافسة لهم فالسابق وقد انتصرت على رينو في معركه وقتلت ثلاثة ارباع جيشها...
بعد هذا الموقف بدأ ادموند يسأل نفسه :
لماذا منعتني انا فقط ؟
وشرد بالتفكير حتى سمع همس اثنان خلفه و لم ينتبهان لوجوده ..
1: هل رأيت زعيمتنا منعت ادموند من خوض المعركة معنا ؟
2: نعم لقد رأيت ولاكن لماذا هو فقط !!
1: لاتقل لي انك لم تلاحظ ؟
2: ان كنت تقصد انها خائفة عليه فلماذا ؟
1: ياآلهي كم انت ابله الا يخاف المرء على من يحب ؟؟
2: ماذا تقول كيف تحبه وهي من امرتنا بقتل صديقه هل يؤذي المرء من يحب ؟
1: نعم ان كان هذا الاذى سيجعله قريب منه ..
2: لذلك كانت تتخبط حتى تضمه إلينا !!
......
لم يستطع ادموند السماع لتكملة حديثهم فماسمعه كافي لجعله يقضي ليلةً كامله بالتفكير بينما في رأسه مدينة لاتعرف مذاق النوم ..
ذهبَ الى غرفته قبل ان يلاحظوه وقد اختل توازنه ممّا سمعه ، دخل الغرفه واغلق عليه الباب واستلقى على سريره وبدأ يفكر بحديثهما ، فتذكر عندما أتت اليه وهو على شاطئ البحر وقد بدأ عليها الارتباك وتذكر كيف قالت "أحبك"ولم تستظع بعدها ترتيب الجمل ولكنه في ذلك الوقت لم يكن يعير لها الاهتمام ونهاية هذا التفكير توصل الى صحة حديثهم وعرف مشاعر رينو نحوه ، و رغم كرهه الشديد لها وسعيه للانتقام منها الاّ انه لايريد التلاعب بمشاعرها ...
في هذا الوقت كانت رينو والعصابة على "جبل الظلام" ينتظرون وصول المقنعين حتى يبدأو الهجوم بينما ادموند بقى فالقلعه لأمر رينو بأبقاءه ..
فحزم امتعته وتوجه نحوهم فلم يستطع الانتظار وهو يعلم المشاعر التي تكنّها نحوه فأراد مواجهتها والتأكد من ذلك ..
واصل سيره نحوى الجبل وكان طوال الطريق يصنع الجمل محاولاً عدم ايذاء مشاعرها ،عندما وصل ذُهل الجميع لحضوره فكيف يخالف ما أُمرَ به؟؟
وقف ادموند امام رينو ونظر الى عينها فرغم معرفته بـ مشاعرها الا انه اراد ان يرى ماستقوله عيناها فمهما كذب الانسان لن تستطيع عيناه الكذب ..
صرخت رينو في وجهه : من سمح لك بالقدوم؟؟
فأجابها بكل برود : لم انتظر السماح من أحد!!
رينو: يالك من أبله هل تأتي الى الموت بأقدامك ؟
ادموند: لماذا أنا فقط من امرتيه بالجلوس بينما الجميع هنا ؟
صمتت طويل ..
وفي حين انها لم تقل شيئاً إلاّ ان عيناها كانت تفيض بالكلام اللذي أكدَ لـ ادموند  صدق مشاعرها نحوه ..
لم يجبرها بالرد على سؤاله بل بدأ يجبر نفسه على قول ماأتى من أجله نظر اليها مطولاً وهو يقول في نفسه: نعم اعترف انني اكرهك واسعى الى ان تتألم روحك كما آلمتيني ولكن لن اجعل سعيي للأنتقام يسحق انسانيتي ويسمح لي بالتلاعب بمشاعرك..
اخذ نفساً عميقاً ثم قال اسمعي يارينو لقد ....
ولم يستطع اكمال جملته حتى على صوت الاسلحه وأصبح غبار الارض كالضباب من الطلقات ،
وإذ بهم المقنعين قد قاموا بالهجوم عليهم عندما لاحظو غفلتهم ..
حاول كل فرد من العصابة ان يأخذ موقعه وفي هذه الفوضى وقف ادموند مندهشاً مِما يحصل ، لم يعلم اين يقف والى اين يتجه  اتى ولايعلم موقعه في هذه الحرب .
كان هدف المقنعين ليس رينو بل ادموند لأنه من يمثل أكبر خطر في هذه العصابة ، فمنذ انضمامه ل رينو ارادت كل العصابات المنافسه والتي يسعون لنفس الحلم(حكم ستون) التخلص منه عندما لاحظوا ارتفاع سلطة رينو في فترةٍ قصيره ..
كانت رينو تقف بالقرب من ادموند حتى لاحظت ذلك المقنع اللّذي وجهَ سلاحهُ نحوى عشيقها بينما هو في غفلة ، لم تكن تملك الوقت الكافي لتنبيهه ففعلت م امرها قلبها به وقذفت نفسها امامه مضحيةً بروحها من اجله .. اصابها ماكان سيصيب ادموند وسقطت بين يديه وهي تنزفُ بشدة ،
في هذه اللحظه توقف بادموند الزمن فلم يعد يحسُّ بمايجري حوله ..
في حين ان هذه اللحظة لرينو عبر امامها شريط حياتها البائسة ،
علِمَت في هذه اللحظة انها افنت عمراً كاملا لم تجد فيه السعادة بوضعها اهدافً جرها اليها الطمع واصبحت تركض خلفها وتجهل مصيرها..
رأت جميع ماحولها لنظرةٍ اخيره ورفعت عيناها للسماء لترى امامها شخص تمنت لو انها تستطيع شكره على موتها من اجله ؛ فلولم تأتي هذه اللحظة لعاشت بقيه حياتها تسعى وراء ملذات الدنياء و لكن ما باليدِ حيله فبدأ دمها ينزف بشكل كبير حتى بدأت تلفظ انفاسها الاخيره..
لازال ادموند غير مستوعب لما يحصل فموتها بين يده غيّرَ مصيره حرفياً  فسبب انظمامه للعصابة وسعيه جاهداً كان من اجل الأنتقام منها ، وهاهي الآن بين يديه تودع الدنياء من اجله .
" هذا هو الحال ، فقد تجري الرياح بمالا تشتهي السفن"..
تمنى ادموند لو استطاع انقاذها ولكن لم يكن الزمان والمكان يساعدانِ على ذلك ، فلو انه سعى لانقاذ حياتها لخسر الكثير غيرها ارواحهم ..
ومنذ ان رأى افراد العصابة موت زعيمتهم ضعفوا وفرّ بعضهم من المعركه ..
بكى قلب ادموند قبل ان تبكي عيناه لكنه حاول لم شتاته سريعاً لكسب المعركه والانتصار على العدو ، نهض وحاول رفع معنويات حزبه وبدأ يوجه كلاً لموقعه وأخذ هو مكان رينو فالمقدم ، وبدأوا بصد الهجوم سريعا ، ذُعر المقنعين عندما رأوا صمودهم  بعد مقتل زعيمتهم فأمر زعيم المقنيعن فوراً بالتراجع قائلا : كيف لنا هزيمة رجال لم يهزمهم موت زعيمهم !!.
ففروا هاربين وهكذا انتصرت عصابة رينو بفضل الله ثم حسن تصرف ادموند .
انتهت المعركة وفي نفس المكان أمَر ادموند بحفر قبر رينو ودفنها..
مشاعر عصابتها قد انقسمت لقسمين ، فمنهم من حزن على فراقها ومنهم من غمرته الفرحه وذلكَ لتخلصهم من الخوف اللذي لازمهم طوال حياتهم بسببها ..
اوشكوا على الانتهاء من الحفر فذهب البعض منهم لتكفينها وعند رؤيتهم لها تخلوا عن السعي وراء الحكم والسلطة فمنظرها وهي بين ايديهم تُقّلب بينما كانت بالامس تأمر وتنهى وبين الخدم والحشم عَلّمهم انهُ مهما بلغ الانسان من منصب او مال فإنه عاجلا ام آجلا سيفنى ولن يذهب معه اي شي..
ندموا اشد الندم على ايامهم التي ذهبت سداً ، فما حصدو منها غير المشقةِ والتعاسه فمنهم من ترك والديه والبعض اطفاله وظلوا يسعون خلف الحكم ظناً بتغير حياتهم للأفضل بينما فعلوا العكس ، فما ازدادوا الاّ سوءاً وظلماً وقست قلوبهم بأكل حق المساكين وأكملوا يوما وراءَ يوم على هذا الحال وتناسوا معنى معنى السعاده الحقيقي ...
______________
فماهي السعاده؟
- السعادة ياسادة تأتي من داخل النفس ، لاتأتي من الخارج .
أقولُ لكم مالسعادة في كلمة واحده ؟
( السعادة هي الرضا )
فإذا اردتم ان تكونوا سعداء فأرضوا بما قسمه الله لكم ..
_________________
وضعوها فالقبر وبدأو برمي التراب عليها وكان ادموند من ضمنهم وفي كل تربةٍ يسقطها فوقها كان ألمَه يزداد فيها ، و يحدث نفسه : 
ياالله ماهذه الحياه التي اجبرتني على دفن انسانه اتيتُ لانتقم منها ، هل هذا ابتلاءٌ منك ان تجعل قلبي يقطرُ دماً على قاتلة صديقي؟
ولماذا انا اعاني الآن اكثر من رِجالها اللذين لازموها لفترةٍ اطول مني!!.
وكيف لي ان اعيش مع هذا الالم؟،
كيف لي ان اجد سبب مقنع ليُسكت ضميري!..
لقد ماتت بسببي انا وهي في مقتبس شبابها..
وبات يأكل نفسهُ حسراتٍ ويعض اصابع الندم .
والآن وقد حان وقتُ الترشيح لزعيمٍ جديد يترأس العصابة ، جمعهم ادموند
وبدأ خطابه :
ايها الاخوة لقد امضينا شتى الصعاب معاً وتخطيناها ولن ننسى فضل رينو وشجاعتها وصمودها الى هذا اليوم ، واليوم ايضاً سنتخطى هذا الحزن ، وما أريده منكم الآن هو أن ترشحون زعيماً جديداً لكم ترونه جديراً بهذه المهمه.
عم الصمت وبدأ كل واحدٍ منهم ينظر الى الاخر وكأنهم يبحثون عن من بقيت له الرغبه في تحقيق هذا الحلم .
اعاد ادموند سؤاله : من ترشحون ليصبح زعيماً لعصابتكم ؟؟.
تقدم واحدٌ منهم : لو اننا سنرشح لرشحناك انت من غير منافس فلولاك لم نصل الى هذا الحد من القوه ، وهُزمنا في هذه المعركه ، لاكننا جميعاً تخلينا عن السعي وراء هذا الحلم اللذي ارهقنا واظلم قلوبنا ..
وخرج آخر : نعم لم نعد نفرق بين الصواب والخطأ لقد نسينا ماخُلقنا من اجله ..
وبدأت اصواتهم ترتفع بالندم والحسرة على مامضى من حياتهم..
اندهشَ ادموند من جوابهم ورأى الندم في اعينهم ..
وحانت منذ هذه اللحظه نصر ادموند ، فقد حقق امن شعب ستون واخيراً ..
فقال كلمته الاخيره لهم : أنه لقرارٌ صائب واني لأتمنى منكم ان تصلحوا م افسدتموه بأيديكم ، فكل فردٍ منكم الآن سيسعى الى حياةٍ هادئة مطمئنة ، فما اريده منكم ان تذهبوا على منصة ستون وتعتذرون لكل من اخطأتم بحقه لتنعمون بفتح صفحةٍ جديدة في حياتكم فإن لم تعترفوا بخطأكم والاعترافُ بالحق فضيلة لظلّ كل من ظلمتموه يسعى لتخريب معيشتكم ، وانتم تعلمون ان شعب ستون طيبون و سيسامحونكم بإذن الله .
اقنع الجميع بكلامه ..
فعادوا ادراجهم الى حيث ينتمون عادوا ، الى وطنهم ، الى البلاد اللتي ثعوا في خرابها ، عادوا ليصلحوا ماقد افسدوه..
عاد الجميع ماعدى ادموند بقي بالقلعة الحربيه على الجبل ..
قرر ان يعتزل هذا العالم لفترة ، فالعزلة وطن للأرواح المرهقة ، فقد يشعر الانسان احياناً وكأن جميع الابواب قد أغلقت في وجهه مرةً واحدة حتّى يظن انه لن يستطيع الوقوف مرةً اخرى فيبدأ بشتم حظه العاثر، أمّا ادموند بقيى متمسكً بالأمل وحاول النهوض في كلّ مرةِ يجرفه الحزن فيها للقاع ،
اعتزل ليس ليفعل شيئاً مدهشاً ، بل اعتزل ليبحث في وسط هذه العزلة عن سبب ممكن للتحمل ، عن سبب يجعله يصمد امام هذه الخيبات والحزن اللذي يمر فيه ، بدأ يفكر ويفكر وفي نهاية كل التفكير يتوصل لماذا ؟
خيبات الاصدقاء التي يستحيل نسيانها ، ام بغض شعب كامل ضحى بحياته من اجلهم ، والاكثرُ المً فقدانُ اخٍ لم تلده امه..
لم يستطيع ان يجدَ سببا واحداً للتحمل ..
وفي زحام هذه الافكار صرخ صرخة العاجز صرخه الألم فهذا هو الوقت اللذي يستطيع فيه اظهارالتراكمات بداخله ، بدأ بالصراخ وقام بإقفال جميع بوابات القلعة بإحكام بالرغم مِن علمه بأنه لا يوجد احدٌ سواه ..
فعلَ ذلك خوفاً من ان يراه احد وهو في هذا العجز ، فقد خاف هو بنفسه ان يصل الى هذه المرحلة وجاهد نفسه ُ مراراً وتكراراً وأظهر للجميع من حوله انه بخير رغم الحرب اللتي يخوضها في داخله ...
جثى على ركبتيه وبدأ بالبكاء وأصبح  بكائه وكأنه يناجي احداً  ليخرجهُ من هذه الظلمة الموحشة .. كان بختصار بكاء من يطلب العون .
وحتى انه ظل يبكي لمدةٍ ادرك بعدها ان البكاء  مُتنفس وليس ضعف ، وعلم ان الاسوأ من البكاء هو عدم القدرة على البكاء ..
ظل طوال الليل يخوض اكبر حرب مع نفسه فكلما توقف عن البكاء اتى سبب لينزل دمعهُ مرةً أخرى ، حتى اشرقت الشمس رفعَ رأسهُ نحو النافذةِ المغلقه واحس ان رائحة الصباح بدأت حزينة وانه لم يعد يشعر بأن سطوع الشمس يحمل الامل كالماضي ، فقد اصبح شروق الشمس مرعباً ومخيفاً ،
واستُبدل الامل بالالم ، والاحلام بالكوابيس والاوهام ، واصبح قدوم الايام الجديدة يصيب قلبه بالخوف استعداداً لمواجهة القادم الكئيب ..
ومع ذلك استجمع كامل قواه للنهوض ومن ثمّ فتح النافذة ليأخذ نفساً عميقاً من الهواء الطلق ، فساعدته نسمات الهواء البارده الى تذكر ذاك المسن .
اول ما أتى على باله حين تذكره هي جملته :
(ان ضاقت بك الدنياء ولم تجد احداً توجه نحوي).
نعم لقد ضاقت به جميع السبل ويبقى الامل الوحيد بعد الله هو المسّن اللذي أحس بثَمنِ كلامه للتو .
وعلى الفور قام ليحزم امتعته للعودة الى ستون فتذكرُه له اعاد اليه الامل ، والشعور بالامل لايعرف قيمته الا من فقده..
انتهى من حزم الامتعه وخرج من القلعة مسرعاً لموقف الحافلات ، ركب أولُ حافلة متجهه لستون وجلس على المقعد بجانب النافذة شارد الذهن ، وقد غمره أخيراً شعور رائع بعد هذه المعاناة ..
ولكن لازال في قلبه ثغرةٌ للخوف من ان يكون كله مجرد امل يتوهمه ..
بعدَ ساعةٍ و سبع دقائق من الهدوء ، على صوت السائق : ايها الركاب لقد وصلنا الى مدينة ستون من فيكم يوَدُّ النزول .
ادموند : انا ايها السائق .
اعطى السائق اجرته ونزل من الحافلة ..
ووقف ليرى المدينة وكانت وقفته هذه المره مختلفه ، انها وقفت رجُلْ حقق حلمه ، وقفة رجل حرر مدينة كاملة من الظلم والبطش ..
لكنه حرر شعباً كان لهم دور كبير في نزف جراحه..
رغم ذلك امضى قدماً شامخ الرأس وفور دخوله لوسط المدينة اجتمع حوله جميع اهالي مدينة ستون يهتفون له ويحييونه فقد شاع صيته من قبل حضوره وعلموا انهُ السبب في تحريرهم من الظلم اللذي تعرضوا له طوال حياتهم .. وقف ادموند ليسع اصواتهم التي تعالت بعبارات الفخر والاعتزاز ،
ولكن بعد ماذا ياشعب ستون ؟
لن ينسى مافعلتموه به ، ولن ينسى اسائتكم له واغلاق الابواب في وجهه ،
لن ينسى أياً  منها ابداً.
ابتسم لهم ولم يبادلهم ايً من عبارات الشكر فقد ملّ من اشباه الاصدقاء ومن المجاملات ..
كانو خيبة في حياته لكن تعلم منها ( الاكتفاء بالذات).
فلم يعد يشعر برغبة دخول شخص جديد لحياته او بالأصح لم  تعد له القوة على تحمل خيبة جديدة .
خرج من هذا الزحام متوجهاً نحوى بيت العجوز وفي كل خطوةٍ يخطوها يزداد ابتهاجه رغم الخوف الذي يقطن قلبه ، حتى وقف امام منزل العجوز وبدأ يتمعن في انحاء المكان حتى عادت به الذكريات إلى الوراء ، فعندما خرج من باب هذا المنزل بعد انقاذه للعجوز كان قد اصرّ على معاقبة رينو وخطط لفعل اي شيء يؤلمها ، لم يعلم انه في اي لحظة قد يتغير كل شيء خطط له..
وهاهو الآن يقف امام منزله بعد موتها ولم يعد تفكيره مثل تفكيره عندما خرج من منزله فالسابق .
كل مايريده الان فقط راحة البال لا أكثر ..
تقدم لطرق الباب وبعد ثواني فتح له المسن الباب وعندما رأى وجه ادموند الشاحب علِمَ مبتغاه .
ادموند : السلام عليكم ، هل تتذكرني ؟
المسن : وعليكم السلام ، اممم دعني ارى .. انني لااتذكرك من تكون؟
ادموند : ياالهي هذا ماكان ينقنصني .
المسن : ههههههه كانت دعابةً مني ، كيف لي ان لااتذكرك وانا مدينٌ لك بحياتي !!.
ادموند: ااه كدت افقد عقلي لو انك نسيتني ، فأنت املي الاخير بعد الله .
المسن : ادخل ايها الشاب الشهم فقد جعلتك تنتظر.
دخل ادموند الى بيته وجلس على الارض بالقرب من الطاولة الصغيرةِ نفسها وقد وضع عليه العجوز القهوه وقليلاً من التمر وجلس بجواره وبدآ يتبادلان اطراف الحديث كالسابق .
مرت ساعتين على حديثهم والمسن يعلم مامر به ادموند لكنه استغرب من ضحكاته ومرور هذا الوقت كله وهو لم يشكي من زمانه ، علِمَ المسن صفةً جديدة في ادموند وهو انه انسان كتوم ، وعلم ان انسانً مر بهذا الالم كله ولم يفضفض مابداخله لن يجيبه لو طرح اسئلةً كمثل ماذا مررت به ؟
او ماذا اتى بك؟
فهِمَ انه يحتاج فقط دواء لحزن قلبه..
نظر المسن الى ادموند وهو منسجم فالحديث ومبتهج وهو يعلم انه يجاهد نفسه على هذا الشيء لإن مابداخله لايبتهج كخارجه ، لاحظ ادموند نظرات المسن له وعلم انه ليس مع حديثه بل يفكر بشيء ما ، لم يكمل حديثه وسأله ،
ماذا يجول في ذهنك ؟
المسن : لاشيء، فقط أعانك الله على ضجيج قلبك .
لاحظ ادموند كم ان المسن دقيق الملاحظه ،
فأجابة :
‏لَستُ إلا كَومة غُموضْ وَ قَلبٍ كَتُوم صَعبة جِداً فَضفضتِي
‏ولأولِ مرّة أشتَهِي الغِيابْ هَذا كُل شَيء .
المسن : ‏لا تفقد عزيمتك مهما تعثر طريقك ، ولاتنسى أن الله وضع فيك ما يعينك على تخطي أزماتك ، لا تركّز على سقوطك وتنسى تحقيق أهدافك ، فكل ألم وسقوط وخيبة ليست عبثاً في حياتك ، هي بصيرتك وحكمتك ومصدر إلهامك ، لا تجزع مهما كان عمق ظلامك ، ستتخطى كل همومك وصعوباتك ، وتذكر أن الله معك.
انشرح صدر ادموند بعد كلمات المسن واحس انه ازاح عنه بعض الثقل الذي يحملهُ صدره .
وردّ بإبتسامةٍ عريضه :
اشكرك من صميم قلبي ولن انسى معروفك لي فمنذ مدةٍ وانا في حاجةٍ ماسه لمثل هذه العبارات.
المسن : هذا جزء مما فعلته انت ، امّا عن المعروف فلم اقدمه حتى الآن .
ادموند :انني انتظره.
المسن : قلي ماذا تحتاج اولاً ؟.
ادموند : ‏أريد أن أستلقي في مكَان هادئ وخالي تماماً ، لا يتسلل إليه أي صوّت أو حركه هناك حيث الهدوء والنجوم وَأنا .
اجابه المسن ضاحكاً : احقاً تريد مكانً تسكنه انت لوحدك !!
ادموند : مالمضحك ، نعم اني اريد هذا .
المسن : اسمع يابنيّ احياناً نجبر على اتخاذ قرارات بسبب الالم الذي عشناه ، ولكن لابد ان نفكر بها جيداً قبل تنفيذها ، والإنسان لا يستطيع العيش وحيدا مهما حاول  لذا كل ما يحتاجه هو شخص يستمع له و يثق به فقط .
ادموند : انني احترم رأيك ولكنني مصرٌّعلى قراري ، لم اعد اريد التحدث حتى فقط اريد العيش وحيداً بعيداً عن هذا العالم .
حكمة المسن وتجربته لألم الوحده اجبرته على خداع ادموند حتّى لايندم هذا الفتى المتسرع فيما بعد ..
فألقى اجابته الكاذبه : الخيار لك ، والآن هل تذكر الجزيرة اللتي كنت اعيش فيها لقد حكيت لك عنها.
ادموند : بالطبع .
المسن : هناك ولدت وهناك عشت معظم حياتي ، لن تجد لهذه الجزيرةَ مثيل ، فكل متطلباتك متوفرةٌ فيها .
ادموند : وكيف أصل إليها ؟.
المسن : لقد حلّ المساء ، غداً بإذن الله أخبرك فقد حان وقت نومي.
ادموند : انك محق هيا اخلد الى النوم .
المسن : تُصبح على خير.
ادموند : وانت من اهله.
.....
في صباح اليوم التالي اشرقت الشمس لتشرق معها القلوب بالتفاؤل والأمل وتبشر بأن القادم أجمل بأذن الله .
استيقظ المسن باكراً كعادته وأطلّ على الغرفة التي نام بها ادموند ليرى انه متعمقُ في نومه فذهب ليعد له الافطار ، عندما انتهى من تحضيره عاد ليوقظه فرأى على وجهه اثار الارهاق وكم انه محتاج لبضع ساعات زيادة ليريح جسده فلم يوقظه، واعد له امتعته حتى يستيقظ ويرى كل شيء جاهز ، ثم وضع رسالةً على الافطار مكتوبٌ بها :
(لقد اعددت لك كل شيء عندما تنتهي من الافطار توجه نحو ميناء زنجبار).
استيقظ ادموند ومازال الارهاق بجسده والالم يعم جميع مفاصله وكاد يعود للنوم مرةً أخرى لكنه نظر للساعةِ على الحائط "الساعه11:27صباحاً"  فقام من النوم مسرعاً وتوجه نحو الحمام  وغسل وجهه ثم عاد بعدها  الى الغرفه ليوضب امتعته فقد تأخر الوقت كثيراً ، وفور دخوله للغرفه لم يرى امتعته يميناً وشمالاً كما تركها ، فبدأ يبحث في ارجاء المنزل ولم يكن منزله بالكبير فنظر الى الغرفه المجوارة ليرى الافطار على المائدة ولمح عليها الرسالة تقدم ليقرأها فعلم ان المسن قد وضّب امتعته كلها وتركها امام المنزل لكي لايتأخر عندما يستيقظ وقال وهو سعيد:
"ياالهي كيف اوفي هذا المسن حقه ففوق ما انه سيساعدني لأجد السعادة يتعب نفسه في ترتيب امتعتي" .
اخذ بعدها لقمتين من الافطار وخرج من المنزل للذهاب الى العنوان المكتوب فالورقه ، وبينما هو يجري في طرقات ستون توقف فجأةً ، فقد مرّ بجانب منصة ستون فأراد إلقاء خطابٍ قصير قبل ذهابه ، صعد على المنصة وخلال دقائقٍ معدودة اجتمع حوله اهالي المدينة ..
فبدأ خطابه :
" انه ليحزنني ان افارقكم اليوم ولازلتُ غاضباً عليكم ولكننا نعلم جميعاً ان الحياة قصيرةً واننا مجرد عابرون في هذه الدنياء الفانيه ، وغضبي منكم جعلني اقوى فما عليّ الا شكركم ، وبما اني مقبلٌ على فتح صفحةٍ جديدة في حياتي واسعى الى ان أملأها بالطمأنينة لا أود ان اضع رأسي على الوساده وقلبي مليء بالغضب والكره على احد ، سأسامحكم ليس لأنكم تستحقون ذلك ، بل لأني انا استحق السلام ، وكل ما اريده منكم الآن ان توعدوني ان تنشرون السلام وان يديم الامان فيما بينكم فقد ضحيت بحياتي من اجل ان تنعمون بهذه الحياة فلا تدمروا ماحصدت ، ووحدوا قواكم على من بغى عليكم سوءاً  فإنّ يد الله مع الجماعه".
....
دمَعَت اعين السامعين وعاهدوه جميعاً على محاربة كل ماقد يخل في امان مدينتهم .
رأى ادموند صدق المشاعر قد عكستها اعينهم فأدخل هذا السرور الى قلبه .. انتهت المعاهده فنزل ادموند من المنصة وامضى مسيرته وفي كل خطوة يتركُ خلفها ألماً حتى حرر نفسه من جميعها  فور وصوله  ميناء زنجبار ، احس بالخفة من جميع المشاعر اللتي باتت ترهقه .
استقبله المسن ومعهُ حزمةٌ من الرجال وقفوا بجانبه (انهم البحارون) ،
بدأ المسن يشرح له تفاصيل الرحلة مع هاؤولاء البحارون .
المسن : اسمعني جيداً يا ادموند عليك الالتزام بتعليمات القبطان فهو خبير ولهُ مدة طويلة في الابحار فكما تعلم البحر غدار ولا عليك الاّ الاتزام بأوامره ، امّا انا يابني فسأظل ادعوا لكم حتى عودت الرجال الينا وضمان وصولك بالسلامة ، وإني اثق انك ستجد السعادةَ التي تبحث عنها
فلن ينسى لك ربّك كل لحظةٍ سعيتَ فيها لسعادة أحدهم وأنت المخنوق من حزنك ، لن ينسى جهدك  وبذْلك لأشياء تحبّـها ولم يبذلها لك أحد في يوم ، لن ينسى خطوتك لجبر المؤمنين وأنت المغمور بكسورك ، سترى كيف يصنع الله بهذا كله.
ولن انسى انا ولاشعب ستون جميعاً بطولتك .

"هيا سيروا الى جزيرة عجار في امان الله"

عجار.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن