لاأعلم أين انا وماذا جرى !!
أحس بِصُداعٍ شديـد لا أدري ما سببُه، فتحت عيناي لأرى المكان لكن الرؤيةَ اصبحت معتمةً وكالضباب وفي كلِّ مرةٍ اجهدُ نفسي محاولاً الرؤية يزداد الصداع فيها ، فأغلقتُ عيناي وبدأت في تمييز المكان بحواسي .. فسمعتُ امواج البحر وزقزقة العصافير واحسست بأشعة الشمس الحارقة قد غلى منها جسدي علمتُ لحظتها انني على جزيرة و لاكن هل هي وجهتي ؟
لا اعلم ..
حاولت النهوض فشعرت بألمٍ في ساقي اليمنى لم يجعلني قادراً على الميّل حتّى لجانبي الآخر ، فبدأت التساؤلات تغمرني ،
ماسر هذه الآلام اللتي اشعر بها !!
وماذا حصل بالسفينة وقبطانها ؟
واحترت لما سأفعله فلا استطيعُ الرؤيةَ بشكلٍ واضح ولاالنهوض بسبب الالم في ساقي فماذا سأفعل الآن!!
بدأتُ اشعر بالدوار ولااعلم ماذا حدث بعدها ...
بعد مضِي ساعتين ...
فتحتُ عيناي بعدَ احساسٍ غريب لأرى ملاكاً قد تناثرت خصالهُ على وجهي ويقبلني قبلة الحياه ...
لم استطع التأكد هل كان هذا الملاك يعملُ لي تنفساً اصطناعياً ام امَدّ في جسدي الهزل سحراً خلاباً ليس يوصفُ جماله !!
فبمجرد انفاسه استطعت فتح عيناي بل حتى نسيان الالم اللذي في ساقي فلم تكن مجرد انفاس كانت شيء لايستطاع وصفه..
نهضتُ لأرى هذهي الملاك ذو العينين الحزينتان تلعب الريح بشعرها القصير ذو اللون الكستنائي ، خمرية الوجنتين ، تملك شفاةٌ حُقن لونها بدم الغزال ، في يدها كأسٌ من الماء تقدمه لي ، لم تكُن تعلم ان انفاسها وحدها قد اعادت الحياه لجسدٍ هالك ...
فعلاً اعترف تمنيت ايقاف الزمن في هذه اللحظة...
اردت سؤالها من انتي؟ واين أنا؟
ولكني لم اود تفويت ثانيةٍ واحده دون تأملها،
فالوجهُ بدرٌ والعُيونُ كأنها
سهمٌ يُداوي موضعِ المُتألمِ
فعانقت يدي جمال خصالها واشحتُ بيدي شعرها عن وجهها فباتت الدنيا نوراً من حسنها ...
فما كان حُبًا من النظرة الأولى بقدر ما كانت طمأنينة من الدرجة الأولى، مثل أن ينظر المرء إلى شيء ويستريح بهِ ،
لم تخرج مني كلمةٌ واحده انتظرتها لتبادر بالسؤال وفي نهاية الانتظار نهَضَتْ ولم تقل سوى كلمة "اتبعني" ادهشني تصرفها فكيف تأمرني بتباعها ولاتعلم من اكون ، وكأنها تعرفني منذُ مده !!
لا اعلم الى اين ستأخذني ولكني فضّلتُ اتباعها على البقاء امام امواج البحر دون حتى امتلاك شئٍ ارتديه للغد وفي مكانٍ اجهله ...
أَدبَرت فنهضت لأتبعها وفور توقفي لم استطع ان اكمل خطوتين فوقعت ارضاً ، اردت ان اصرخ من شدة الالم إلاّ أني لم اود ان تلاحظ انني اتألم فكتمت ألمي وابتلعت ريقي ومسحت العرق عن جبيني وحاولت النهوض مجدداً فمشيت ثلاث خطوات ومن يراني سيقول انني قطعت 3كيلو مترات فبالكادي الفظُ انفاسي وجسدي يتصبب عرقاً فسقطت مرةً اخرى على جذع شجرة فسَمِعَت الفتاة واستدارت نحوي ، أقبلت وهي تبتسم
، ثمّ همست لي :
" في هذه الحالة يتوجب عليك طلب المساعده لاتقديمها "
فوقفت بجانبي لكي استند عليها رغم انّ قوامها ليسَ بالطويل ولا الصلّب الذي يستطيع تحمل حملِ عبئ فوقه ، ولكني استندت بكل حملي وثقلي على كتفيها فكم كانا قويان على حملي ورقيقان على مشاعري .
فأيقنتُ الآن انه في نهاية المطاف لن نسعى الى الوحدة بل سنسعى لنجد من يتحملنا ونحن نغرق في التعاسه ونحن في اسوأ ايامنا ،من يُهَوِن علينا لحظات الحزن والانكسار والضعف،ان نجد من نضع رأسنا المنهك واعبائنا فوق كتفيه ولايشكي من الثقل ابداً.
لم تكن سوى بضع دقائق حتى رأيت ذلك الكوخ الصغير قريباً من ضفة النهر وامامه فرسُ كبياض الثلج كان منظرُ ترتاح له الابصار فسبحان من ابدع هذا المكان فجماله تعدى ماكنت احلم به ، فصوت الامواج مع صهيل الخيل وتغريد العصافير اللتي امتلأت السماء بأسرابها كان اجمل موسيقى اسمعها في حياتي ..
فهنيئاً لكي يا كحيلة العينان بما امضيتيه هنا من حياتك ...
بعد ماادخلتني الى كوخها وضعتني على السرير وطلبت مني ان ارتاح وانتظرها حتى تعود ، فطلبتُ منها ان تجلبَ لي الطبيب فضحكت وقالت بستهتار : ايها الشاب المدلل لايوجد هنا طبيب ..
فأجبتها بدهشة : كيف ذالك وقدمي ماذا سيحصل لها ؟
فطلبت مني ان انتظرها حتى تعود وسيكون كل شيء على مايرام.
فنتظرتها حتى عادت ، فأتت تحمل بيديها الرقيقتين اعشاباً وضعتها بماءٍ دافئ وقامت بلَفّها على ساقي ،
فسألتها ماهذا ؟؟
فأخبرتني ان هذه النبته ستكون سبباً في شفاء ساقي..
فشكرتها على مجهودها وغفوت بعدها لبضع ساعات .
استيقظت وقد حافني دفئٌ غَمرَ المكان بأكمله ، لأرى انها قد اوقدت المدفأه وأدفئتني بلحافٍ كالحرير يجعلك تجاهد نفسك لتقوم من فراشك ، فنظرت الى النافذه فإذا بالمساء قد حلْ والتفتُ يمينا وشمالاً في هذا الكوخ الصغير فلم ارى الملاك !!
فنهضت من السرير و لازالَ الألم مستمرً و ثوانيٍ معدودة واذ بها قادمةً نحوي ،
وعندما رأتني بهذه الحالة وبختني : ماذا تفعل الم اقل لك لن تنهض من هذا السرير حتى اسمح لك !!
فأخبرتها بأنّي قد سأمت واردتُ الخروج .
فأجابتني : اعتني بنفسكَ جيداً لن تطول هذه الفترة .
فبدأت بعدَ ذلك بتحضيرِ العشاء وعند انتهائها منه وضعتهُ بجانبي على الطاولة ومن ثمَّ تراجعت فأمسكت بذراعها فلتفتت اليّ بصمت ولم تقل كلمة واحدة كانت عيناها تتكلم اكثر من لسانها فكتفت بنظراتها اللتي باتت وكأنها تسألني عن ما اريده ، ابعدت يدي عن ذراعها بخجل ولكني لم اعد اتحمل صمتها القاتل ولابمقدوري الانتظار للغد لفتح حديثٍ معها ..
فسألتها :هل ستخبريني من انتي وماذا يحدث؟
فأجابتني: هل هذا مايشغل بالك !!
انتظرتُ مدةً ثُم قلت : ليت هذا فقط مايشغل بالي .
فجلست امامي بعد سماعها لعبارتي هذه وكأنها متشوقة لما سأقوله ، وكم انتظرتُ هذه اللحظة فبادرتُ بالقول لها لحظةَ جلوسها :
بما انكِ جلستي امامي اظنه وقت التحدث هيا حدثيني عنكِ وكيف اتَيتُ الى هنا .
فبدأت تسردُ لي ماتشوقتُ لسماعة :
حسناً بما انك تود ان تعرف كيف اتيتَ الى هنا فقد تحطمت سفينتكم بالقرب من الجزيرة بفضل الله فستطعتُ مساعدتكم فمن كانوا معك استعاروا قاربي للعودة اما انت فتركتك على الشاطئ حتى انتهيت من مساعدتهم ومن ثم عدت اليك هذا كل مافي الامر ، أمّا انا فأُدعَى "أتيلا".
-
نبذه تعريفية عن أتيلا : فتاةُ بعمرُ الزهور تبلغ السابعةَ عشر من عمرها ، تعيش في جزيرة عجار بمفردها وهي حفيدة ذاك المسن الذي كان برفقة والدها في بدايات ظهور العصابات في مدينة ستون ، وقد استُشهد والدها في احد المعارك التي خاضها ، اما والدتها فقد توفيت قبل سنتين من الآن نتيجة مرضٍ مزمن ، فعاشت اتيلا يتيمةً و وحيدة ، فستوطن الحزن بداخلها وبان على ملامحها حتى في ابتسامتها الّتي تتصنعها.
-
ادموند : سررت بمعرفتك أتيلا.
أتيلا : وانا كذلك ، ولكني نسيت اخبارك بأمرٍ هام وهوَ انني اعرفك من قبلْ فقد حدثَني جدي عنك وعن حياتك الّتي اشقتك فهل لك ان تخبرني عن ما حدث لك بالتفصيل ؟
ادموند : لم يعد لدي الرغبة في وصف مابداخلي لأحد.
أتيلا : أعلمُ جيداً معني أن تواجِه مشاكلِك و خيباتُ أملِك وحدك،أن يقسو عليك العالم ولا يترُكك و شأنك،أن تتحول الأيامُ فجأة مِن جيدة إلي سيئة و مِن سيئة إلي أسوء، أن تحاوِل أن تُظهِر أن كُل شيءٍ بخير في حين أن كُل الأشياءِ بِداخلِك تحدُث، وأن يرحل الجميعُ عنك و تبقي دائماً وحدك ولكن لاتجعل هذه الاشياء تقسو بقلبك وتدمرك .
ادموند : لكَي أن تتخيّلين كم مِن الصعاب تجاوزت، و كم مِن الخيبات تحملت، و كم فكرة موت بحثتُ عنها لكِنها أخطأت قلبي لتُصيب أحلامي ، حتي إستقر الحُزن بداخِلي و أتخذ قلبي موطناً له، و تسألُين مِن أين حصلت علي قسوتي.
أتيلا : انظر يا ادموند الى النجومُ فلولا الظلام لما لمعت ، كذلكَ أنت لم تكن لتنضج بدُون الحُزن والمواقف السيّئة.
- حقيقة :
ليس كل شيء كما يبدو فمن ينظر الى شفَتَى هذا الملاك الناعم بعينيهِ الحزينتين لن يتوقع ابداً ان يخرج منها هذا الكلام العميق ، فيا الله كل ما بدأت اتعمق بهذا الملاك كلما اذهلني اكثر فإلى اين يسأخذني هذا !!
اثارني الفضول نحو مصدر قوتها فلم اكتم فضولي وسألتها من اين لك هذه القوة ؟
فأخبرتني بعدما ازدادت ملامحها حزناً :
لقد علمتني امي ذات يوم ... أن أنسى كلَ سوءٍ حدثَ لي في الماضي ، و أن امضي قُدماً في حياتي فالحياةُ مستمرةٌ و فانية ولا تتوقفُ على موقِفٍ معين..
"ادموند يتحدث في نفسه "
كم انها محقة فالحياة مستمرة رغم كل ماممرنا به ، فهل نقف كالسد المنيع امام سيل المستقبل لنحتفظ بالماضي الاليم !!
ليس من العدل ... فمازالت هناك ضحكات لم نضحكها ، وسعادة في جيب الايام لم نعشها ، ومازال فالعمر خبايا جميلة تنتظرنا فالحياة مستمرة وقطار الحياة لايتوقف فالعابرون لايتكررون والراحلون لايُعدّون والقادم والقدر يحمل لنا الجميل بأذن الله ..
اعجبني الحديث معها فأردت فتح موضوعٍ آخر الا انها قاطعتني قائلة : الاتظنك قد نسيت عشائك ، هيا تناوله قبل ان يبرد .
تناولت عشائي بعدها ،
واذ بها تسحبُ فراشها امامي وتقول : اسمع سأدُلِلُّك فقط حتى تشفى قدمك وبعدها تنام على الارض وانا على السرير .
ادموند : يارباه ماهذا الالم اظن ان الفتره لن تمضي بسرعة .
اتيلا : ههههههه هل تعتقد بأن حيلتك ستنطليَ علي!!.
ادموند : لا اعتقد فأنتي فتاةُ ذكيه .
أتيلا : لاتطل الحديث واغلق المصباح فور انتهائك من الطعام .
ادموند : حاضر .
بعد مرورِ شَهر ...
كان هذا الشهر الواحد مع ملاكي كافياً بتحويلي من شابٍ شاحب الوجه متعب الملامح يتيم المشاعر تلك النبذ البسيطة اللتي تسرد عن ضلعي المهمش، توصف بلاء قلبي وتحكي عن حالي الذي وضع تحت مسمى فقير الحال ، الى شابٍ مبتهج الروح تعالت ضحكاتهُ فالأرجاء ، فأصبحتُ ارى الحياةَ بألوانها الزاهية بينما كنت اراها باللون الاسود ، وبعدما اعتقدتُ بأن معالم الحياة قد سُلِبتْ مني اتتني الحياة على هيئة ملاگ...
"فما عُدتُ أبصرُ في العَوالِم كلها
قَمرًا سِوَاها فجَلّ مَن سَوّاها "
————————————————
تشافت ساقي بفضل الله ثم بفضل من اعتنا بي طوال شهرٍ كامل ، واخيراً سأمشي واركض واخيراً سأجول الجزيرةَ الّتي طالما راودني الشغف في تجولها واكتشاف طبيعتها الخلابة...
وفي أول صباح من شفائي خرجت من هذا الكوخ الصغير لأرى جمالاً يضاهي لوحةً فنية فالغيوم و صوت أمواج البحر مع نسيم الصباح ، منظرُ عميق فسبحان من خلق فأبدع.
وفي هذا الصباح علمت كم أنّ ملاكي مغرماً "بالخيل".
بعد ماعرَّفتني على صديقها الذي شاركته احزانها واسرارها طوال وحدتها .. "كانت فرسها صبحاء"،
حدثتني عنها بحبٍ قائلة : في حال اشعر ان الحزن بدأ يسحبني ليدخلني في دوامته الّتي لو سلمتها نفسي لن استطيع الخروج منها ...كنتُ امتطي "صبحاء" ونركض سوياً ولانعلم وجهتنا ، فقط لنهرب عن كلِّ سوء يقترب منا..
كانت صبحاء اجمل مستمعٍ لي حين آتيها وافضفض لها همومي واحزاني كان الحديث لها يزيح مني عبئاً حتى بعلمي انها لن ترد الصوت لي ، وغير ذلك فإنَّ منظرها يفتُنني ، فهل يلام المرء في حب الخيل؟.
....
اه ياملاكي فإن كان المرء لايلامُ في حب الخيل فهل يلام قلبي في حبك؟؟
هذا ماقاله قلبي في هذه اللحظة ولم يقل شيئاً سواه ..
جلتُ بعدها جزءً بسيطاً من الجزيرة برفقة ملاكي ، فقد جالت بي لأرى الأشجار بأوراقها الضخمة تخفي تحتها مخلوقاتٍ لطيفةً وعلى اغصانها البلابل بشتى الوانها الجذابة وارفع رأسي بعدها إلى السماء لأرى جمال قوس قزح وبعد ذلك ارى فتاتي الفاتنه بجانبي لأشرد بتفاصيلها الملائكيه
فقد تعجبتُ من جمال عينيها
كيف لها من نظرةٍ تحتلّني؟
فكفرتُ في شتى مفاتن دنيتي
وآمنتُ في عينٍ بها فتنتني
من قائلاً إن المماتَ مرةُ ؟
كم مرةً في حُسنها قتلتني.
فعندما تنظر إلي فأني أُأَكد لكم أن
كلُّ جريحٍ تُرجَى سلامتُهُ
إلا فؤادًا رمتهُ عيناها .
فسبحان من خلق هذه الجزيرة الّتي اجتمع بها كل ابداع الرحمٰن فإنها كالجنة على الارض .
جلنا شواطئ عجار وغاباتها الّتي تتنافس بالجمال وشعوري باتَ كسَجينٍ عشق سجانته وأول شيءٍ فعله بعد اطلاق صراحه هو التجول معها ..
بدأت الشمس تغرب فعدنا الى الكوخ قبل ان يحلّ الظلام فمناخ الجزيرةٍ ليلاً بارد وجاف..
كان يوماً جميل ، إلاّ ان جماله توقف عند الساعة الثانية عشر ليلاً ، فبعد منتصف الليل وفي هذا الظلام الدامس أرى نوراً خافتاً اضاء على شابٍ لم استطع تمييز ملامحه فبت احدق به لعلّي استطيع معرفة ملامحه التي لم تكن غريبتاًعلي حتى بدأ يقترب مني ورفع رأسه نحوي بناظرَيه المعقدين ،
وقال والعبراتُ تخنقهً : هل نسيتني ايها الناكر ؟.
واذ بتلك الفتاة خلفه تتفلت محاولةً الاعتداء علي وقد ملأت الدموع عيناها وارتفعت نبرة صوتها وهي تنوح لي بألم : لماذا لم تحبني ، لماذا انهيت حياة فتاةٍ في مقتبس شبابها ويقطع بين جملتيها البكاء .
تشارد ورينو ، هاجمتني اشباحهم هذه الليلة ولم تتركني وشأني حتى فزعت من منامي وكامل جسدي يرتعش وقد ضاقت انفاسي وضاق صدري بل ضاقت بيا الأجرامُ والفلك ..
وبدأ التساؤل الذي يخيفني ،
هل ستبدأ اشباح الماضي بمطاردتي !!
خرجت من الكوخ مسرعاً فلم اود ايقاظ أتيلا من نومها ، خرجت لعلي اشتت ذهني من الهلع الذي أصابه .. فباتت تأخذني خطواتي الى طرقٍ مجهوله حتى ضللت طريقي في ظلمة الليل وسكونه في برده وجفافه وحيداً ..
حتى وجدت نفسي اقترب من ضوء ساطع فأسرعت خطواتي إليه لعله مكانً يأويني من هذا الصقيع ، لأجد نفسي بين يرقاتٍ مضيئه كمصابيحٍ تحلق في كل مكان ، و لأسمع انغامٍ شادية شدتني نحوها لأرى انها آلةً موسيقيه تتحكم الريح في عزفها الساحر مماجعلني اتمنى لو ان ملاكي برفقتي لأمسك بخصره الدافئ ولنرقص معاً على ذاتِ الوتيره ، وأتأمل خلقتها الفاتنه التي قد بعثرت قلبي ..
لقد جعلني هذا انحتُ خارطةَ المكان في ذهني متأملاً ان اسطحبَ ملاكي له يوماً ما .
وفي هذه الاثناء لم اعد احس بأطرافي من شدت البرد فهممتُ مسرعاً للعثور على ملجأٍ يدفيني ولكنه اليوم الأول لي منذ ان تجولت هذه الجزيرة ولاأعلم شيئاً عنها فأصبحتُ وكأني في متاهةٍ احاول الوصول الى الهدف ولكن من غير جدوى ، فعندما ارى نور اليرعات المضيئةِ توهم لي كالسراب من بعيد أنها نارٌ مشتعله فأذهبُ مسرعاً نحوها لأدفئ يداي المتجمدتان من قبسها ، ولكن عند وصولي يضيق صدري اكثر وكأن احدهم يقبض عليه بكفة يده .
ورغم ذلك لم استسلم فالاستلام لم يسجل من ضمن قاموس ادموند..
فسرت شرقاً وسرت غرباً وشمالاً جنوباً ابحث عن مكانٍ آوي إليه فإذا بي أجدُ يداً تُمسكُ بذاتي لتخرجني من الظلمات إلى النور كانت كفوفاً دافئه انبتت على قلبي الطمأنية ..
ومن غير كفوف ملاكي يفعل بي ذلك؟
اشعر بقوة قبضتها على يدي وهي تسألني ماذا بك ؟
نظرت إليها وفي عينايَ بقايا هلع وطلبتُ منها بصوت خافتٍ ومرتجف : اريد حلولاً سريعة للتخلص من الحزن والألم والافكار التي لاتنتهي عن الدوران برأسي ، اريد ان انسى خيبات الأمل والخذلان الذي مررت به فقد بدأ الماضي بمطاردتي بعد ماظننت بأني قد تخلصتُ منه .
واذا بها تحتضنني وتهمس لي :
أنا هنا بجانبك سأصبح ضمادً لجراحك وإن كلفني الأمر لوضعت وجعك في قلبي بدلاً عنك ، سأجبر قلبك حتى وإن كان قلبي يتوه من ألمه وسأكون الحضن الذي يتسع لك ولهمومك ، أركل كل مايؤلمك على صدري أترك لي ثقل شعورك وكن أنت بأمان فقط .
و بينما وجدتُ نفسي بين احضانها واستمع الى هذه الكلمات هنا قد انقذتني من كلِّ هذا ، لتجعل كل الاشياء من حولي وبداخلي بخير وأفضل طالما شعرت انها هنا معي ..
وايقنت انه لاتوجد نعمة أجملُ مِن شخصٍ يُحِبُك كما أنت، بألمِك و خيباتُ أملِك، بفوضاك، وسيئاتِك، وتقلُبات مزاجِك، وحُزنِك و تعاستِك، شخص لا تضطر لِلتكلُف والتزيُف و إدعاء ما ليس بِك أمامه، ذلِك الذي يُحِبُك أنت كُل يوم و كأنما خلت الأرض مِن الجميع إلا منك...
كان حضنها سلاماً وأماناً لقلبي فكم تمنيت ان تطول هذه اللحظة ففي حال ابعدت جسدها عن جسدي علا صوت في داخلي يقول بتمني:
" ليتَ المحبوب يعيش ماتبقى من عمره بين أحضان محبوبه".
اسطحبتني بعدها لنتجول عجار ليلاً تحت ضوء القمر وقد رأيت جهدها وهي تحاول رسم الابتسامة على شفتاي ..
اصبحت الساعة في قرابة الثالثةِ والنصف ولكن الوقت معها يتجاوز كونه قاطعاً السيف ويصبح قاطعاً للضوء فتمر الساعات وكأنها دقائق والدقائق كالثواني ، فلم تشهد عيناي قط فتاةً كفتنتها فهي السعادة بحد ذاتها وفي عينيها الجذابة ارى انعكاس جمال الدنياء فشكرا لله اللذي وهبني ملاكاً انسى نفسي معه.
أتيلا : لقد تأخر الوقت ولازلنا مستيقظين .
ادموند : هل تودين العودةَ للكوخ ؟
أتيلا : سنعود لكن ليس قبل ان اتأكد انك بخير .
ادموند : انني بخير لاتُشغلِ بالكِ علي .
عدنا بعد ذلك الى الكوخ وطوال الطريق ادعو الله بأن اضع رأسي على وسادتي واغلق عيناي مع ذهنٍ صافي لايشوبه حزنُ وأوهامٌ وهم .
بعد فترةٍ من الزمن التي لاتتجاوز الشهرين ..
اود ان اخباركم انني و اخيراً تحررت من الماضي الذي لاحقني حتى في منامي ، وكل هذا بمساعدة ملاكي الذي مدّ كفه لي ليخرجني من كوابيس واوهام الماضي الى معنى الحياة الحقيقي ، علمني ان لا يبقى ذهني عالق فيما حصل لي بالامس بل ان افكر بما سأفعله اليوم ، علمني ان اصنع السعادة لا ان انتظرها فالسعادة ليست زائر ، علمني ايضا كيفية النظر للحياة بشكلً ايجابي ، والآن ولله الحمد انتهت معاناتي مع مدينة الافكار التي بذهني ولم اعُد ارى اشباح الماضي ، ولكنكم تعلمون رأس ادموند فيستحال ان لايأتي بشيء جديد ويشغلَ عقليي فيه ..
اصبحت تراودني تساؤلاتٍ لااقول لكم اني لااود ان اعرف اجابتها بل أخاف ان اعرف وهنا المشكلة الجديدة التي تشغل عقلي ليلاً نهاراً...
هل تعلمون ماهي التساؤلات ؟؟
فالواقع لقد بالغتُ قليلاً مايشغل تفكيري سؤالين فقط وكان الاول منهما انا من سيجيب عليه والثاني يتوقف على كلمةٍ من ملاكي..
السؤال الاول لعدة مرات طرحه عقلي لقلبي وفي كل مرةٍ يتهرب هذا القلب من الاجابه فلاأعلم سبب هروبه اهو جبن !! ام نتيجة امر محزن حصل له فالماضي ويخافُ من تكراره ..
ورغماً عني سأجيب على سؤالٍ تخيفني اجابته ولكن في الوقت المناسب وحين اتأكد من صحة الاجابه قبل ان الفظ بها ، فإن لم اجب على هذا السؤال سأضَلُّ بين ضجيج حوار العقل والقلب فالكل منا يضع رأسه على الوساده لينام ويرتاح أما انا اغلق عيناي لأستمعَ الى نفس الحوار ليلياً؛ فأضل منصتاً للعقل ومنتضراً لإجابة القلب حين يبدأ حوارهما المعتاد بمادرةٍ من
العقل قائلاً: أيها القلب الجبان لقد ارهقتني بالتفكير فمتى ستعترف بحبك لملاكك و نرتاح سوياً ؟
القلب : اصمت ايها العقل اللعين طوال حياتك لم تتوقف عن التفكير لحظةً واحده فهل ارهقك الآن !!!.
العقل : اذاً أنت مصر انك لاتحمل مشاعراً نحوها ؟ .
صمت "القلب" ولم يجبه .
ضحك العقل على صمته وقال :
أنك تحبها فعترف لها أيها القـلب المكابرُ.. ودعك من عبث الصغار ، وأهدأ قليلآ واسترح بين ضلوعٍ سكنتها ودعك من هذا الشجار الذي طال بيننا .
القلب : ايها العقل هل لك ان تصمت وتنام وتدعني ساهراً هذه الليلة فإنك لاتعلم سبب رفضي عن الاجابة ..
العقل : لايوجد عذر لك ايها المغفل سوا انك جبان .
القلب :
انك تنام ايها العقل بينما القلب لاينام
فكم من جرحٍ أمات القلب باكراً
فهل يعقل ان يغفو هذا القلب لـ ليلةٍ ؟
وهل تكون لهُ من الجراح صحوتن !!
•
رد عليه العقل :
أيها القلب الذي ملأك التشاؤم
ومضت تضيق حولك الآفاق
سر السعادةَ حسنُ ظنك بالذي
خلق الحياة وقسم الارزاق .
وإلى هنا ينتهي حوارهما وابدأ اتقلب في فراشي باحثاً عن النوم ...
وهكذا دام حالي حتى تلك الليلة التي ساد فيها الظلام الدامس ، فزّت ملاكي من فراشها مرعوبةً من كابوسٍ طاردها ، فختارت حُضني لتلجأ إليه وليكون المفر الوحيد لها من كوابيسها ...
فعندما اسقطت جسدها الدافئ على حضني سقط في قلبي شعورُ أعجز عن وصفه أهو إعجاب ؟
لا ،لاأظن ذلك فهو أكبر من أن يحتجزَ داخل تلك الكلمة أذاً أهو حب ؟
لقد أصبح قلبي واقعاً بداخل حيرةٍ مهلكة...
فسطحبتها الى ذلك المكان الساحر الذي اعتدت ان آوي اليه عندما يشتد حزني ، وفي اثناء سيرنا نحوه بدأ حوار العقل والقلب وكان حواراً حادً هذه المره ليس كعادته.
ولأول مره يبدأ القلب بهذا الحوار ففي كل مرةٍ يهرب ويحاول ان يوقف كل حوارٍ يبدأ بهِ العقل ، وبما انه من بدأ فلاشك انه أمرٌ طارئ ...
القلب : ايها العقل انقذني انني في حيرةٍ من امري واريدُ مساعدتك .
العقل : واخيراً اتى هذا اليوم الذي ستعلم كم انك تحتاجني ، قُلي ماذا دهاك ؟
القلب : اظنك محقاً ايها العقل فقد وقعت بغرامها .
العقل : انك تثير جنوني ايها القلب وهل لازلت تظن !!!
ليس مجردَ ظن إنك تُحبها حقاً..
القلب : وماذا أفعل الآن ؟
العقل : انها فرصتك الوحيده لأخبارها لأني لاأظنك ستملك الشجاعة الكافيه لأخبارها فالمرات القادمة فلا تتعبني واحسم الأمر الآن.
القلب : لستَ من تعبَ وحده ايها العقل فالكلّ منا يريد الراحة .
الى هنا انتهى هذا النقاش واذا بي ارى اننا قد وصلنا الى جنة الارض ولازال ملاكي حزين العينان هزيل البدن .
في المرة السابقه حين كنت بمكانها وهي بمكاني كنت اراها اقوى انثى في الدنياء ولم اعلم ماتخفيه هذه الأنثى الصغير بداخلها من ألم ... لم اعلم انهُ تزورها كوابيسٍ تفزعها من النوم ولم ارى دموعها التي تملأ وسادتها قبل نومها ، انتقدُ نفسي فكيف لي ان لا أشعر بضعف معشوقتي؟
ولكني لم اكن مغفل بل هي من كانت تملك القوة الهائلة في اخفاء انكسارها بشكلٍ جعلني اراها اقوى انثى فالعالم ... وأقرب مثالٍ لذلك انها لم تذرف دمعةً ولازالت تحافظ على صمتها حتى وصلنا الى المكان الساحر ..
لم اعلم كيف اجعلها تبوح عما في داخلها ولكني اعلم شيئاً واحد يجعل ضحكاتها تتعالى في كل مرةٍ افعله ، إن لي ضحكةً مميزه حين اقومُ بفعلها تضحك معشوقتي منها .. اردت ان افعلها لتضحك فكم اعشق ضحكتها ولكن هل هذا الوقت المناسب لها !!
عندما كنت بضعفها احتضنتني وهمست لي برقةٍ كلماتٍ احسستني بالأمان علماً بأنها تجيد اضحاكي .. اريد حقاً ان افعل لها مثل ماتفعلُ لي ، اريد ان اهمس لها كلماتٍ تطمئن قلبها الراجف ولكن لاأجيد ذلك معها هيَ فقط فكلماتي تتناثر حين ارى عيناها واحاول ان اتم عبارةً دون ان انسى كلمةً واحده منها فلا استطيع ، لذلك سأفعل ماأجيده وأُضحكها فإني أُحِبّ ان اسرق الابتسامةَ من ثغرها فأطلب منها أن تبتسم لأبتسم ، ففعلتها ونجحت ُبذلك ، فضحكت ملاكي وقد بُليتُ بِحُبّ ضحكتها .. فبدأت بعدها اسرد الخيالات والمواقف المضحكه فأني اتمتع بحسٍ فكاهي يجعلها تضحك من اعماقها وهي في اقصى حزنها ...
بعد مضي ساعتين :
الساعةُ الآن هي الخامسة فجراً وفي تاريخ السادِسَ والعشرين من يناير ، دعوني أوّصف لكم هذا الصباح النادر التي اكتملت فيه شتى انواع الجمال ...
فاتنتي بجانبي بِحُسنِ مفاتنها وبرقةِ ملامحها ، بدأت عيناي ترسمُ بعنايةٍ كل تفصيلٍ بها لترسخ صورتها في مخيلتي الناطقه ، ففاتنتي تكتسب جمالاً نادراً أضعف قلبي وأهلك غرائزي ...
وإن سألتوا قلبي هل بستطاعتهِ ان يصفها فسأجيبكم ان كل حواسي بستطاعتها ان تصف ملاكي وليس قلبي فقط ، كانت فاتنةً تتغنج على جِبال قلبي ، اخذت تعزِفُ على تِلكَ الحبال اهزوجةً نفيسة ، ولازلنا في مكاننا الساحر الذي ازدادَ جمالاً مع اشراقةِ الشمس ...
وحان الآن دورُ الاعتراف ، بدأت شراييني تتأصل ببعضها وقلبي يتراعد في كل لحظةٍ احاول ان انطق بها ،
كنتُ حائِراً كيف تكون بداية الحديث فبدأ قولي : بـِ
أتكفي اللغة وإن خضعت لكِ ملاكي؟
قالت : وما بِه قلمك؟
فقلت:
قلمي ظَهر بهِ الشقى ولا يحكي مُعانتي
عجز عنكِ و استسلم وتركني لملذاتي ..
فوقعت متجعبةً وكأنها تسأل :عرفتك عربياً فصيحاً يافتى ..
فقلت : ولكنـي
عندما أراكِ أهوي في خِيالاتي
ولو لم أكُن عربيًا لما عبرتُ عن ذاتي..
فسألتني أكلانا الآن متعب ؟!
قفلت لها : نعم
فأريحيني على صدرك
لأني متعبٌ مثلك
وجئت إليكِ لا أدري لماذا جئت
أتيتُكِ على باخرةٍ تحطمت لتقذفني على شاطئكِ
بوقتٍ امطارهُ تطاردني
والألام والاحزان تخنقني
وأقدامٌ بلون الليل تسحقني
وليس لدي أحباب
ولابيت ليؤويني
وجئت إليكِ تحملني
رياحُ الشك للأيمان
فهل أرتاح إن بحتُ لكي
أم أمضي وحيدًا مع الأحزان ؟
فقتربت مني متبسمةً ، تنطق كلماتها بستحياء:
"ألَا فادخُل فؤادي باليمين
فلا غيرٌ سواك به أمِين
وقُل إن طبتَ في أعماقه:
سلَامٌ دارَ قومٍ مُغرمِين"
ولكن قبل ان اظهر مافي صدري للعلن اريد منكَ اجابةً صادقة : اتعشقني ؟!.
اجبتها وقد جن جنوني:
ألم تقرأي بأشعاري
بأني قتيلكُ الاول
وأني دون عينكِ
ضياع ضائع أعزلْ
ألم تلمحِ بأحداقي
منارات لكِ ترحلْ
تلاحقكِ.. تلاطفكِ
وتسأليني .. أأعشقكِ !!
بربك كيف اسمعها
وماذا يا ترى أفعلْ
أأرحل في محبتكِ
وأتركِ عقلكِ يسألْ
محال .. كيف أتركه
وفي شفتي له مشعل ْ".
_____
لاحظتُ فاتنتي تقترب مني جداً حتى ظننتهُا ستقبلني بشفتيها التي اصابت عقلي بالثمالة فتناثرت جميع قافيات القصيده في ذهني قبل ان انهيها ،
ولكنها وضعت سبابتها على شفتاي لأتوقف عن الكلام وعانقتني بعدها ثم بدأت تبوح لي بتعبيرٍ يزهر الروح مما جعلني اقطع عهداً على نفسي ان احفظ هذه النعمة في اعماق قلبي وأغلق عليها حتى لايراها البشر وأُحسَدَ عليها فهي نعمةٌ أنزلها لي خالقي ولن يكون بعدها من نعمة...
همست لي وهي بين احضاني :
هل تعلم ياأدموند .. عندما تسير بنا الحياة وتقسو علينا حتى نظن انه لامخرج من ذلك وفجأه يرسل الله لنا صدفةً جميلة تخبرنا بأن الحياةَ لازالت بخير، وأجملُ خير هو عندما يرتسم على هيئة بشر ، شخص جميل تجمعنا الصدف به يتميز بتشابه الصفات بيننا وكأنهُ نسخةٌ منا ، تتشابه افكاركنا ومعتقداتنا لنشعر وكأننا نخاطب ارواحنا عند الحديث معه ... إنكَ أنتَ هذه الصدفة العظيمة التي غيرت حياتي حرفياً ، وأنا أُحبك ونذرتُ لنفسي أن لا أعشقَ رجُلاً غيرك فمن يكونُ لهُ حبيبٌ مثلك يأبى قلبهُ ان يُدخِلَ أحداً سواك .
سألتها وكُلّي دهشةٌ : ومنذ متى وانتي تحملين لي هذهِ المشاعر ولماذا لم تخبريني !!
تركت احضاني لتجيبني وهي تنظر بداخلِ عيني و تقول:
منذُ أن رأيتُ أني رغم الشحوب والتعب وكل الأحزان التي تحتويني تزولُ كلها حين أجلس بين يديك ، فتتعالى ضحكاتي وينبت الياسمين والليلوم ويتشابكان برقةٍ مفرطة في قلبي ، نباتاً حسناً لم أشهده في الماضيات من السنينِ ،علمتُ لحظتها أني وقعت بشباكك ولم أخبِركَ خوفاً ان تكون الصياد الذي لايحملُ بجوفه مشاعراً لمن وقع في شباكه ولايكترثُ إلا لأكلها ..ولكني احببتك حقاً وعلمت انّ مشاعري ستنعكسُ على ملامحي وستعلم فظللتُ ابحثُ عن اجابة اقولها ان سألتني ان كنتِ اهواك ..
ادموند : إن اتَيْتُكِ وسألتك هل كنتِ ستكذبين !!
أتيلا : خاطبتُ نفسي مراراً وتكراراً وأنا في حيرةٍ من امري :
ماذا اقول له لو جاء يسألني ..ان كنتُ اكرههُ أو كنتُ اهواه؟
احبهُ،لستُ أدري ما احب بهِ..حتى خطاياهُ ماعادت خطاياهُ
رباه اشياؤه الصغرى تعذبني ..فكيف أنجو من الاشياء رباه ؟
وكيف اهرب منه انه قدري ..هل يملك النهر تغيراً لمجراه؟
فماذا أقول له لو جاء يسألني؟ ..ان كنت اهواه،إني ألفُ أهوا
......
"ادموند"
كم هو عظيمٌ هذا اليوم في حياتي فقد انهى مأساتي وأَشعرني بالراحةِ الابدية ، انتهت الحوارات المزعجة بداخلي انتهى الشك وانتهى الخوف والأهم من ذلك انهُ سيجعلني من الآن وصاعداً افكر بالغد وسأنسى جميع ماحصل لي بالأمس فهمّي الوحيد الآن هو البقاء بجانب ملاكي المنَزل من السماء ... لم اعد اكترث لما حصل اوماسيحصل المهم اننا معاً .
واخيراً ماسعيت جاهداً لأخباركم به بين جميع اسطر حياتي ، ان هنالك صفةٌ واحدة على المرء ان يتحلى به وإلاّ سيهلك ،وأن تكون شجاعً لايعني انك لن تهلك فقوة المرء تنفذ ان لم يغذيها بالتفائل .
عزيزي القارئ :
مهما بَلغ بك الحزن ، ومهما شعرت بأن الأرض بأرجائها الفسيحة قد ضاقت عليك ،
وبأن الضوء الذي في قلبك أوشكَ على الأنطفاء ،وبأن سعادتك تتشت وأحلامك تتحطم ،
تذكر أن لك ربٌ يقول : "كُن فيكون" ،
فالذي أرجع موسى عليه السلام إلى أمه بعد أن أصبح فؤادها فارغاً فسيُرجع النور الى قلبك ،
والذي جمع يوسف عليه السلام بعد ثلاثةِ عشرعاماً بأبويه وإخوته سيجمعك بسعادتك واحلامك .
تعوذ من الشيطان وثق برب الجنان ..
و لاتجعل الحجارةَ التي تعثر طريقك توقف عنك التقدم ، بل قم بجمعها واستخدمها في بناء قاعدةٍ قويةٍ لك ..
وها قد حان الاوان الآن امتطي الحصان وسر نحو الامام وكن على يقينٍ تام أن ما اثقل على قلبك اليوم سيذهب غداً ، فما بعد العُسر الا اليسر ، وكل حلم تمنيته سيحصل على أرض الواقع فقط تفائل خيراً ، ولاتنسى ان الذي خلقنا كتب على نفسه الرحمةَ جَلّ جلاله .. فلم يخلقك ليعذبك فكل ابتلاءٍ في حياتك هو حكمة من الله خَبأَ لك خلفها سعادةً لاتتوقعها فقط اصبر واعلم ان الله اذا أحب عبداً ابتلاه ..فمن كان يظن اني بعد هذه الخيباتٍ وآلامٍ سأقابل ملاكاً ليكونَ بلسمي من السقمِ !!
لا أحد .. لذلك تفائل خيراً
وابتسم لتُنير سماء عيناك الرائعة ..
واعلم وأيقن انك شخص مميز ولك قيمة عاليه في هذا الكوكب ..
ابتسم فحياتك لوحة لاتسمح لجيش الظلام ان يخالطها
باللون الأسود قط ..
وابتسم طالما نعلم جميعاً ان العمر رقم محدد يتلاشى بنقصان .