همسة أمير ٣
****
ــ متى ستخرجين من هذه الحالة يا ابنتي، أعلم جيداً أن وفاة خطيبك بهذه الطريقة أثرت عليكِ ولكن يجب أن تتغلبي على حزنك.
قالتها والدة همسة لأنها لاحظت انطواءها، وردت "همسة" رداً غريب جعل والدتها في حيرة:
ـ ومن قال لك إنني حزينة؟!
نظرت إليها والدتها مندهشة ولم ترد, فأردفت
ـ ماذا بك يا أمي؟، حقاً أنا لم أحزن ولا للحظة واحده على كريم!
ـ كيف؟
ـ كريم تركني قبل قتله بيوم واحد بعد شجار بيننا شاهده الجميع على مواقع التواصل الاجتماعي، الحمد لله أنك لا تفتحين هذه المواقع ولا تعلمين ما يقال وإلا فقدتِ عقلك ، و هذا سبب اتهام الناس لي بقتله.
ـ هل ما حدث كبير لدرجة عدم حزنك عليه؟
ـ كيف أحزن عليه وأنا أصبحت أكرهه، عندما علمت بخبر موته وجدت نفسي أقول إلى جحيم دائم بإذن الله.
ارتسم على وجه والدتها علامات التعجب، ظلت صامتة مندهشة من كلام ابنتها
ـ تسألين نفسك لماذا كل هذا الكره؟
ـ أكيد؟
ـ "كريم" جرح قلبي جرحا عميقا يستحيل نسيانه، كسرني بكلمات قاسية ثم تركني، كان يراني فتاه رخيصة ويستخدم مشاعري كلعبة بين يديه.. كان يعلم من أول لحظة في خطوبتنا أنه سيتركني، علمت كل هذا في أثناء شجارنا، ذهبت من أمامه وأنا أقول بقلب يحترق حسبنا الله ونعم الوكيل، يوماً واحداً وأخذ الله حقي وقُتل، حينها شعرت بالارتياح.
******
جلس "أمير" أمام جثة صديقه يبكي، وضع رأسه فوق قلب هاني قائلاً:
ـ هل حقاً هذا القلب فارق الحياة؟ تركتني حقاً يا صديقي! تركتني يا أخي.
ثم رفع رأسه التي أصبحت ملطخة بدماء صديقه وصرخ بقوة وهو يدفع جثة "هاني" بيده:
ـ قل لي إنك على قيد الحياة ولم تمت.
ـ ماذا نفعل يا "أمير"؟
قالها "هشام" وهو يحاول تهدئة حاله، ونظر إليه "أمير" فجأة نظرة يغمرها الشك:
ـ لماذا أتيت إلى "هاني" بعد ما حدث بينك وبينه أمامي؟
ـ أتيت للاعتذار، ولكن لماذا تنظر إلي هكذا؟
ـ هل ترى أن الأمر طبيعي، صديقي قُتل وقبل قتله تشاجر معك وقطع علاقته بك ثم تبلغني خبر قتله!؛ أنت أول شخص يأتي إليه بعد قتله أو قبله!
ـ هل جننت يا أمير، ماذا تقول؟ أنا أقتل صديقي، كيف؟ ولماذا؟ بسبب مشاجرة تافهة؟
ـ يجب علينا الاتصال بالشرطة.
غير "أمير" الحديث بهذه الجملة ولكن نظرات الشك في عينيه كما هي, حمل هشام هاتفه مترددا بين اتصاله وعدمه.
ـ لماذا لا تقوم بالاتصال؟
ـ أشعر بالخوف لا أعلم لماذا.
ـ صديقنا قُتل ويجب علينا الاتصال بالشرطة لمعرفة القاتل، لو كنت تذكرت هاتفي وجلبته معي لكنت اتصلت.
طلب هشام رقم الشرطة والدموع تنهمر من عينيه:
ـ السلام عليكم.
قالها الضابط و رد "هشام":
ـ وعليكم السلام، أريد الإبلاغ على جريمة قتل إذا سمحت.
ـ من قُتل؟
ـ صديقي، أتيت لرؤيته وجدت منزله مفتوحًا؛ دخلت إليه وجدته غارقًا بين دمائه مقتولًا.
ـ أخبرني العنوان بكل دقة.
رن هاتف "هاني" برقم أمه في أثناء محادثة "هشام" مع الضابط، ، فرد "أمير" بصوت باكٍ
ـ ألو
لاحظت صوته المختنق فقالت:
ـ ماذا بك يا "هاني"؟
ـ لست "هاني"، أنا صديقه أمير.
ـ أين هاني؟
لا يعلم كيف يخبرها هذا الخبر الأليم ولكنه قال بوضوح:
ـ "هاني" قُتل، والشرطة في طريقها إلى شقته للتحقيق، البقاء لله
سمرت في مكانها للحظات محاولة استيعاب ما سمعته ثم بدأ بكاؤها بطريقة هيستيريا.
وصلت إلى شقة ابنها بعد نصف ساعة، رأت هاني ملقى وسط بركة دماء والشرطة من حوله، لم تستطع قدماها حملها أكثر، جلست على الأرض وصرخت بقوة من قلبها الذي ينزف دماً، الآن تتمنى عودة الزمن لتضم ابنها لحضنها ولو للحظة واحدة، أكثر ذكرياتها معه عتاب منه، لم تكن له اما أبدًا، تمنت الآن أن يعود إليها لتكن له أماً ولكن "فات الأوان" عاش يتيم ومات وحيد و والديه على قيد الحياة.
******
في المساء
ينظر "أمير" إلى رنات هاتفه المتتالية من "همسة" التي لا تنتهي، وحالته الآن لا تسمح بالرد ولكنه رد على هاتفه في الرنة العاشرة قائلاً:
ـ أعذريني يا "همسة"، لا أستطيع الكلام حالياً.
ـ لا تغلق يا أمير.
أحس ببكائها فقال:
ـ ماذا بك؟
ـ "هاني" كان صديقي، حزينة عليه جداً وأريد معرفة ما حدث، علمت الآن بخبر وفاته.
ـ "هاني" قُتل وأنا بداخلي شعور يزداد في كل لحظة أن "هشام" صديقي الآخر قتله.
أتاه صوتها يتضح على نبراته الاهتمام:
ـ لماذا قتله؟
ـ بسبب حقده، "هشام" يشعر دائماً إنه أقل منا؛ لذلك حقده علينا واضح جدًا من أسلوبه معنا و أكيد قتله لهذا السبب.
ـ هل الحقد يدفع الإنسان إلى القتل؟
ـ أكيد.
تنهدت بحزن ثم قالت
ـ أريد رؤيتك يا "أمير".
ـ ولكني أشعر بضيق، سأجعلك تحزنين أكثر.
ـ نصف ساعة وسوف تجدني أمام منزلك.
ـ في انتظارك.
بعد مرور نصف ساعة سمع صوت هاتفه، "همسة" تتصل به وبوق سيارة يصدح من أمام منزله، رد قائلاً:
ـ أنت في الخارج.
ـ نعم أنتظرك.
ـ دقائق وتجديني أمامك.
خرج من منزله وذهب إليها، فتح باب السيارة وجلس بجانبها نظر إلى وجهها الشاحب وثيابها السوداء ثم قال:
ـ كيف حالك؟
ـ قلبي موجوع على "هاني"، وأنت؟
ـ مثلك وأكثر، "هاني" كان أخا لي قبل أن يكون صديقا.
- أتعرف مكانا هادئاً نذهب إليه؟
ـ قودي سيارتك وعندما نجد مكانًا هادئًا قفِي فيه ونتحدث داخل السيارة، لا داعي لنزولنا.
ـ هذا أفضل.
قالتها "همسة" ثم بدأت في القيادة.
ـ هدئي السرعة يا "همسة"، أنتِ تقودين سريعاً جداً.
ـ حاضر.
تنهد "أمير" ثم قال.
ـ لا أستطيع تصديق ما حدث، أحقاً خسرت "هاني" إلى الأبد!
ـ لهذا السبب طلبت رؤيتك، رغم عدم رغبتي بالقرب من أحد ولكن يجب علي حالياً الوقوف بجانبك.
ـ شكراً لكِ.
ـ أنا أيضاً موجوعة، ولكن ماذا نفعل، الموت حقيقة مؤلمة ستمر على الجميع، "هاني" سبقنا ولكننا جميعًا راحلون.
استمر حديثهما ساعة ثم عاد كل منهما إلى منزله.
******
وضع أمير رأسه على وسادته مستعداً للنوم ولكنه سمع صوت رسالة على هاتفه، حمله وقرأ الرسالة:
(لا تسير في طريق "همسة"، إنه ممتلئ بشوك سيجرحك، ابتعد عنها)
جلس أمير مندهشًا، وقام بالاتصال بالمرسل ولكنه وجد الهاتف مغلقاً،
#يتبع
بقلم #فيروز_عبدالعزيز
أنت تقرأ
همسة أمير
Short Storyعلاقة حب غامضة يحاوطها الدم، إنسان يقتل بين الحين والآخر وقلب يتمزق قهراً على عزيز له بين التراب والحب في منتصف كل هذا تائهاً يريد معرفة الطريق الصحيح لاستقراره ولكنه يتخبط بين كل خطوة يخطوها.