همسة أمير الفصل الأخير

52 7 13
                                    

٣ـ اصطدام بالحقائق
"بعد مرور شهرين على وفاة والدة همسة"
شعر أن الوقت حان لقولها صريحة واتخاذ قرار مهم وهو طلب زواجها ولكنه خائف من المجهول، هي الإنسانة الوحيدة في الحياة التي لا يريد فقدانها مهما كلفه الأمر، ولكن من الشخص المجهول الذي يريد تفريقهما، رن هاتفه؛ نظر إليه وجدها همسة رد قائلاً:
ـ كيف حالك اليوم؟
ـ الحمد لله بخير, وأنت؟
ـ وأنا أيضاً بخير ولكن أفكر فيكِ دائماً، لا أعلم ماذا أفعل.
ـ ماذا تفعل بالنسبة لماذا؟
ابتسم ثم قال:
ـ "همسة"؛ أنا قررت مصارحتك بما في قلبي من مشاعر، وضحت لكِ أكثر من مرة ولكن الآن أريد قولها صريحة لكي نبدأ التفكير في القادم، بعد وفاة والدتك أصبحت أنا أقرب الناس إليكِ و أنتِ أقرب إنسانة إلي في العالم ، أنا بحبك يا "همسة" وأريد زواجك.
صمت تام، لحظات انتظار رد همسة طالت، ثم أغلقت الهاتف... بدأ تفكير "أمير" يزداد، ماذا فعلت؟ هل أخطأت؟ لماذا تصرفت هكذا؟ في أثناء تفكيره اتصل به لأول مرة الرقم المجهول الذي يقوم بإرسال رسائل إليه ولكن لماذا يتصل به الآن؟!
ـ ألو
قالها "أمير"، ورد المجهول بصوتاً غليظ:
ـ لماذا تتمسك بـ"همسة" إلى هذا الحد؟
ـ من أنت؟ وماذا تريد؟
ـ أتريد معرفتي؟
ـ أتمنى ذلك.
ـ أنتظرك بعد ساعة من الآن بجوار مقبرة هاني.
قال بنبرة صوت واضح بها خوفه:
ـ لماذا أقابلك في المقابر؟ أذهب لمقابلة رجل لا أعرفه في المقابر الساعة العاشرة مساءً؟! الأمر غريب .
ـ نعم ومخيف أيضاً، على راحتك لا تأتِ يا جبان.
ـ أنا لست جبانًا.
ـ خوفك مني دليل جبنك.
ـ أغلق وسنلتقي بعد ساعة.
أغلق "أمير" الهاتف ثم اتصل بـ"همسة"، عندما لاحظ فتحها الخط قال سريعاً:
ـ "همسة" الشخص المجهول حدثني الآن.
ـ الذي يرسل لك رسائل؟
ـ نعم.
ـ ماذا حدث؟
ـ سأخرج لمقابلته بعد ساعة.
ـ أين؟
ـ سأقول لكِ ماذا حدث بعد عودتي.
قالت بلهجة غاضبة
ـ أين يريد مقابلتك يا "أمير"؟
ـ سأقول لكِ ولكن عديني إنك لن تأتي إلى هذا المكان إلا في حالة عدم عودتي حتى الصباح.
ـ أعدك.
ـ في المقابر، بجانب مقبرة "هاني".
أتاه صوتها فزعًا
ـ ماذا تقول؟ مقابر في هذا الوقت! لا تذهب.
ـ سأذهب الأمر هام، يجب أن أعلم من يريد تفريقنا.
ـ لا تذهب يا أمير.
ـ سلام يا "همسة".
أغلق الخط ولم ينتظر منها ردا، غير ثيابه وأخذ معه سكينًا بجيبه وخرج.
ذهب إلى مقبرة "هاني" بنور كشاف هاتفه وسط ظلام مرعب وصوت الكلام الذي زاد الوضع رعباً، وجد "همسة" في انتظاره.
ـ لماذا أتيتِ؟
ـ عد إلى منزلك يا "أمير".
ـ لن أعد قبل أن أعرف من هذا الشخص.
ـ افعل ما تشاء ولكني سأقول لك شيئًا وبعدها سأخرج من حياتك نهائيًا،  أنا أصبحت أعشقك حد الجنون والآن لا يوجد لي أحد في الحياة غيرك،  أبي توفي، وأمي أيضاً وأصبحت أنت كل شيء لي؛ ولذا لن أسمح أن يسبب وجودي في حياتك ضررا لك، إذا أردت الانتظار فانتظر ولكني من الآن خارج حياتك ولن أعد إليها مهما حدث.
تركته وذهبت، انتظر دقائق ولم يأتِ هذا الشخص المجهول؛ حينها ذهب إلى منزلها لمصالحتها، دق الجرس مرات عديدة قبل أن تفتح له الباب قائلة:
ـ من أنت؟ وماذا تريد منا؟
نظر إليها بعدم فهم قائلاً:
ـ ماذا؟
قالت بصوت مرتفع:
ـ من أنت؟ دائماً تنظر إلي من بعيد، كنت أقول أحد المعجبين ولكنك أصبحت تقف أمام منزلي كثيراً، وأحيانا تحاول أن تختبئ وراء الحائط كي لا أراك، ولكني رأيتك أكثر من مرة،  لماذا؟ ماذا تريد؟
ـ هل جننتِ يا "همسة" أم تقولين هذا الكلام بسبب غضبك؟!
أغلقت الباب في وجهه واتصلت بالضابط الذي يحقق في قضية قتل والدتها وخطيبها، "أمير" يدق الجرس ويطرق على الباب طرقات سريعة، يضع يده على رأسه بين كل لحظة؛ حركاته غريبة كأنه فقد عقله.
ـ وعليكم السلام، انجدني إذا سمحت.
قالتها "همسة" بنبرة صوت باكية وخائفة:
ـ ماذا حدث؟
ـ شخص في الخارج يريد أن يؤذيني.
ـ كيف؟ وضحي أكثر
ـ الشخص الذي أخبرتك انني أراه أمام منزلي وأحيانا أراه يختبئ، ولكنك لم تحميني حتى قُتلت أمي، الآن أقول لك هذا الشخص أمام منزلي، أكيد تسمع طرقات الباب حالياً، هل ستتركني ولا تفعل شيء؟
ـ أنا وضعت عسكري أمام منزلك ثلاثة أيام حينها ولم يجد أحدا، لذلك ظننتك تتوهمين، ولكن سنأتي إليكِ في الحال.
ـ سريعاً أرجوك.
"أمير" يقول من الخارج:
ـ "همسة"، ماذا فعلت لكِ لكل هذا الغضب، أنتِ قلت لي إنني أقرب إنسان لكِ، لماذا الآن تتعاملين كأنك لا تعرفيني.
أحست "همسة" بالغموض من كلماته، لا تعلم شيئًا عما يقوله، تشجعت وفتحت الباب كي تفهم منه وتعطله حتى تأتي الشرطة.
ـ ما الذي تقوله؟  أنا حقًا لا أفهم شيئًا.
ـ كيف يا حبيبتي؟
ـ حبيبة من؟
ـ "همسة" أرجوكِ لا تعاقبيني هكذا؟
ظلت تنظر إليه من دون فهم، نظراتها جعلت مرضه الداخلي يظهر في تصرفاته للمرة الأولى، أمسك ذراعها بقوة وأخذها معه إلى الداخل وأغلق الباب، وضع ظهرها على الحائط وقبل أن تصرخ وضع يده على فمها بقوة.
ـ عندما أسمح لكِ بالكلام لا تتفوهي إلا بالحقيقة.
اومأت رأسها بالموافقة
ـ لماذا تفعلين هذا وكأنك لا تعرفيني؟
ترك فمها وقالت:
ـ من أنت؟! أقسم بالله أنا لا أعرفك!
خبط بيده على رأسه بقوة وهو يقول:
ـ كيف؟ كيف؟ أنتِ قلتِ إنني أقرب إنسان لكِ.
ـ ماذ...
قطع حديثها طرقات الباب
ـ هل تأذن لي بفتح الباب؟
ظهر على وجهه علامات الخوف وهو يقول:
ـ هل تنتظرين أحد؟
ـ لا
طرقات الباب تزداد.
ـ أريد أن أفتح الباب أرجوك
ـ اصمتِ.
ساد الصمت وظلت الطرقات تزداد حتى كسرت الشرطة الباب.
"بعد سماع قول "أمير" وكلام "همسة" الذي ينفيه، تم القبض على "أمير" وعرضه على الطبيب النفسي"
******
مكتب منظم، يجلس خلفه الطبيب أمامه ورقة وفي يده قلم وفي الاتجاه الآخر "أمير" يخبط بأصابعه على المكتب مرتبكًا
ـ هل حقاً تعرف "همسة" عن قرب؟
ـ نعم، نعشق بعضنا.
ـ ولكنها تنكر هذا الكلام.
ـ هذه حقيقة لا يمكنها إنكارها.
ـ أين كنت تقابلها؟
ـ كانت تأتي إلي ونتحدث داخل سيارتها، "همسة" هي الانسانة الوحيدة في الحياة التي أحبتني، وأنا سأفعل المستحيل لتعود إلي.
نبرة صوت الطبيب هادئة وابتسامته مُريحة مما جعل "أمير" يهدأ ويقول كل شيء بداخله
ـ لماذا تقول إنها الوحيدة التي أحبتك؟ أكيد لك أشخاص من حولك يحبونك.
ـ لا أحد يحبني، الجميع يكرهني، حتى أقرب الناس لي.
ـ ووالدتك؟
ـ والدتي ووالدي أكثر اثنين يكرهاني.
ـ قد تكون مخطئاً
بدأت العصبية تظهر على وجهه، اتسعت عيناه وارتفع صوته وهو يقول:
ـ لا, لست مخطئاً، هل يوجد أحد يستطيع أن يعذب من يحب؟
صمت الطبيب قليلاً ثم قال
ـ لا
ـ أمي وأبي كانا يعذباني بقسوة، يقولان إنهما يعذباني لأجلي.
قالها ثم ضحك بسخرية و أكمل قائلاً:
ـ كيف لأجلي وضربهما يترك أثره على جسدي إلى الآن، كيف وأنا لم أشعر بحنانهما قط، أشعر بكرههما لي في كل لحظة.
ـ أنت مخطئ، لا يوجد أب وأم يكرهان ابنهما.
ـ أنا لا أريد الكلام أكثر.
نفذ الطبيب رغبة "أمير" في عدم الكلام.
في اليوم التالي أتت والدة "أمير" إلى الطبيب قائلة
ـ أريد أن أقول لك شيئًا هاما جدا يا دكتور.
ـ تفضلي.
ـ أمير كان يفعل شيئا غريبا باستمرار، كان يجلس بداخل سيارته ويتحدث مع شخص خفي وهو ينظر إلى المقعد الفارغ بجانبه، وعندما أذهب إليه وأتحدث معه لا يشعر بي، في مرة سمعته يقول "أنتِ تقودين بسرعة"

جلس أمير أمام الطبيب صامتا، يشعر براحة عندما يتحدث معه ولكن يأتي إليه رغما عنه لأنه يعلم أن هذا الحديث المريح يستدرج به؛ لذا قرر مصارحة الطبيب بكل شيء يريده كي يرتاح ويجعله يستريح أيضاً.
ـ كيف حالك يا أمير؟
ـ بخير
ـ سألتك المرة السابقة على علاقتك بأصدقائك وهل هم أيضاً يكرهونك ولكنك قلت لي لا تريد الكلام،  ستتكلم حالياً؟
ـ نعم يكرهوني
ـ كيف علمت؟
ـ أنا لدي صديقان فقط، الأول يمثل حبه لي والثاني لا يجيد التمثيل لذلك كرهه واضح.
ـ من الأول ومن الثاني؟
ـ الأول "هاني" والثاني "هشام"، هل تريد معرفة من قتل هاني؟
ـ من؟
قال بابتسامة خبث:
ـ أنا.
قال الطبيب محاولاً إخفاء صدمته من صراحة أمير المفاجأة
ـ لماذا؟
ـ لإنه كان يريد أن يبعدني عن "همسة"، أنا قتلت كل عقبة في حياتي ممكن تبعدني عن الإنسانة الوحيدة التي عشقتها وأحبتني
ـ هذا يعني أنك لم تقتل "هاني" فقط؟
ـ "هاني" و"كريم" ووالدتها.
ـ كيف قتلتهم وما سبب قتل كل واحد فيهم؟
ـ "كريم" جرح همسة أمام الجميع، انتشر فيديو لهما وهما يتشاجران معا، كلام "كريم" كان في قمة القسوة، وهذا سبب كافِ بالنسبة إلي لقتله كي آخذ لها حقها، بعد قتله أصبح طريق الوصول إلى "همسة" فارغاً بالنسبة إلي, وحقًا اقتربت منها، اقتربت من حلمي الوحيد في هذه الحياة, ولكن "هاني" ووالدتها كانا سيقفان في طريقنا, وجبَ إزالتهما من حياتنا نهائياً، علمت أن "هاني" لن يتركنا سوياً عندما أخبأ عني صداقته بها وحاول إبعادي عنها، وعلمت أن والدتها يجب قتلها عندما قالت لي "همسة" أن والدتها تقوم برفض من لديه والدان قاسيان مثل أمي وأبي
ـ ولكن رأيي أنهم لا يستحقون القتل جميعاً.
ـ الجميع يستحق القتل، لا يوجد أحد في هذه الدنيا يستحق الحياة إلا "همسة" لأنها عشقي الوحيد وأنا حبيبها... سيأتي يوم وتسامحني وتعود إلي.
ـ ولكن أنت لم تقل لي كيف قتلتهم؟
ـ قتلتهم جميعاً بطريقة واحدة، كنت أقوم بمراقبة منازلهم حتى لحظة وجودهم بمفردهم،  حينها أطرق على الباب، عندما يفتحون لي يجدون السكين في يدي أطعنهم بها عدة طعنات حتى يفارقون الحياة، ثم أقوم بسحبهم من قدميهم إلى الداخل و أذهب.

******
٤ـ النهاية
جلس الطبيب أمام الضابط قائلاً:
ـ "أمير" مريض، قسوة والديه عليه صنعت بداخله عقدا نفسية واستمرار قسوتهم جعل عقدته تكبر حتى أصبحت مرضا عندما كبر، أصبح يرى أن الجميع يكرهه، وهو أيضاً لا يحب أحدا، تمنى أن يشعر بحب أحد وعندما أتت "همسة" وأصبحت جارته، أحس بحب قوي لها وتمنى أنها أيضاً تحبه،  ظل يفكر بها طوال وقته حتى تملك منه مرضه أكثر، أصبح يتخيل علاقته معها وكأنها حقيقة، قصة طويلة رسمها في مخيلته كان أبطالها "هاني" و"همسة" ووالدتها و"كريم"، بدأ مرضه في الظهور أكثر عند شجار "همسة" و"كريم" عندها قرر قتل الأخير، بعدها قرر التخلص من كل شخص سيبعده في المستقبل عن الإنسانة الوحيدة التي أحبها، و هم والدتها و"هاني", وعلمت منه أننا لو تأخرنا لكانت الضحية القادمة "هشام"؛ لأنه ظن انه يرسل إليه رسائل مريبة من رقم مجهول.
ـ وإذا كان مريضا حقا لماذا لم يتخيل أيضاً أنه يقتل؟ لماذا قتل في الحقيقة؟
ـ عقله الباطن هو من رسم له كل هذا، إذا لم يقتلهم حقا ورآهم كان سينهار, كما حدث له عندما تحدث مع "همسة" الحقيقية.
ـ أقسوة والديه السبب في كل هذا؟
ـ عندما يخطئ حتى بلا قصد والدته تسخن سكين على النار وتكوي جسده بها، ووالده يضربه ضربا مبرحا أثاره في جسده حتى الآن، لم يتفوها أبدا من قبل بكلمة حب له، لم يحتضناه، عقله الباطن صور له أنه إذا كان والداه يكرهانه فالجميع من حوله يكرهه.
ـ ولكن لا يوجد سبب مقنع لقتله للضحايا؟
ـ كيف تريد سبب مقنع من مريض نفسي؟ سببه مقنع جدا بالنسبة له،  هو يرى أن الجميع يستحق الموت، ولكن التي أحبها وأحبته فقط هي من تستحق الحياة.
ـ والتي أحبته هي "همسة" التي يراها في مخيلته ويظن إنها حقيقة.
ـ نعم.
ـ يا الله، قسوة الأهل تجعل الإنسان يصل لفقدان عقله هكذا؟!
ـ للأسف بعض الأهالي يظنون أن قسوتهم على أبنائهم ستجعلهم محترمين, لا يعلمون أن هذه المعاملة ستكون سبب لعقدة نفسية ستكبر بداخلهم، يجب على كل أب وأم يتعلمون كيف يتعاملون مع أبنائهم بالعقل ويعلمونهم الصواب من الخطأ والحلال من الحرام حتى لا يفعلون الخطأ خوفاً من الله وليس خوفاً من ضربهم، اذا استمرت قسوة الأهل على أبنائهم لا تستبعد أن قصة "أمير" تتكرر مرة أخرى.

تمت
للتواصل مع الكاتبة
ايميل fayrouzabdelaziz01@gmail.com

فيس بوك https://m.facebook.com/zizy1111

همسة أميرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن