بارت 16

591 17 0
                                    

زمرد
الجزء السادس عشر... قراءة ممتعة
توقفت ثلاث سيارات في الشارع تحديداً امام بيت حسان, نزل سلطان يتبعه كل من عادل ومراد, ثم ترجل قرابة ثمانية رجال من السيارتان الأخريان؛ كانوا طوالاً ضخام الجثة لهم ملامح مخيفة على نحوٍ مستفز, مستعدين للعراك والتكسير والتحطيم بأشارة من سلطان الذي توجه الى الباب طرقه مرتين وهو ينتظر ان يُفتح له, اسرعت العمة سمية بإختطاف المسدس من يد إبنها وتراجعت مسرعة تخفيه في مكانه في الدولاب, ألقت زمرد نظرة حيث أخفته العمة التي استدارت تتحدث مع إبنها وهي تتجه بهمة وعزم لفتح الباب وتقول: أتركوا سلطان ليّ! انا سأتحدث معه!) اسرع سامح بإيقافها ودفعها خلفه وهو يقول معاتباً: أمي, أرجوكِ.. لا تفعلي هذا بنا! أهدئي ولنرى ماذا يريد!) ثم اتجهت الانظار صوب الباب حيث فتحه حسان وهو يتفرس بالواقف أمامه, خطى سلطان خطوتين للداخل وعيناه تجول عليهم فقال يحدثهم بهدوء وروية: هل تعاملون ضيوفكم بهذا الشكل؟!.. أنا أطرق الباب انتظر من يفتح لي وانتم تتجادلون خلفه, فما الذي أصابكم؟!...) ثم اتجهت عيناه للجالسة في الخلف مخفضة رأسها بإستسلام للأسفل فقال بدهشة: ما هذا؟! هل هذه زمرد؟!.. زمرد ماذا تفعلين هنا؟!) رفعت نظرها نحوه تنظر له بوجهٍ خالٍ من أي تعبير, فقال حسان وهو يصفق الباب بغضب ويقترب من سلطان: لا تتحدث مع زوجتي بهذه الطريقة أمامي!!) حول سلطان انظاره نحو حسان فقال بدهشة أكبر: زوجتك؟! حقاً؟! متى اصبحت زوجتك؟! نحن لم نسمع عن حفل زفاف ولو بسيط !! حسناً, إن لم يكن هناك حفل لابد ان لديك ورقة من المحكمة تُثبت انها زوجتك!...) ظل حسان ينظر الى سلطان وهو يتمنى الانقضاض عليه وتهشيم وجهه, أما سامح أكتفى بحماية أمه التي كانت تقف خلفه يتآكلها القلق على ولديها فتابع سلطان وهو ينظر الى حسان: ولا ورقة حتى؟؟!! إذاً كيف تدعوها زوجتك؟!.. أما انا..) استدار سلطان ينظر الى زمرد وهو يقول: فهي إبنة عمي, نشأت معي في نفس البيت وأنا مسؤول عنها وعن تصرفاتها ومحاسب امام الجميع إذا اخطأت هي, والجميع هناك غارقين في الحزن والقلق عليها وهي مختفية نجهل مكانها!...) أسرع حسان بالقول: من تقصد بالجميع!! هل يعقل ان أمك تفتقد زمرد ومشتاقة لرؤيتها؟!..) ضاقت عينا سلطان وهو يسدد نظرات حادة غاضبة نحو حسان وهو يقول: لا تتكلم عن أمي بهذا الشكل وإياك ان تستهزأ بها!!!...) ثم عاد ينظر نحو زمرد وهو يقول: جدي.. هل جدي غير مهم الى هذه الدرجة؟! المسكين إمتنع عن الطعام ويبكي ليل نهار وهو يسأل: أين زمرد؟! لماذا رحلت وتركتنا؟! ألن أراها مجدداً؟!) ظل سلطان ينظر الى زمرد وقد تحركت شفتاه بإبتسامة وظهرت نظرة شامتة متشفية على وجهه وهو يراها تخفض رأسها وقد سالت دمعتان بريئتان من عينيها, فعاد ينظر الى حسان وهو يقول: الى ان تصبح زوجتك انا مسؤول عنها, اما الان فستعود معي الى البيت لن أسمح ببقائها هنا اكثر..) ثم فتح الباب ونادى: عادل!...) اشار عادل الى اربعة من الرجال الضخام كي يتوجهوا داخلاً, فأسرعوا الى الداخل وقد طوق كل اثنين منهما حسان ثم سامح واقتادوهم الى الخارج بينما تبعتهم العمة سمية وهي تبكي وتصرخ: أتركوا أبنائي!!.. ماذا ستفعلون بهما؟!! اتركوهما!!) في تلك الاثناء تناولت زمرد المسدس من الدولاب واخفته خلف ظهرها, كان سلطان ينظر وهو مبتسم بإرتياح الى حسان وسامح وهما يحاولان المقاومة والتخلص من قبضة أولئك الرجال القوية لكن لا خلاص لهما, فعاد ينظر الى زمرد وجدها على نفس حالها جالسة هادئة ساكنة فقال: حان الوقت كي تنهضي الان وتأتي معي, وفي اسرع وقت لو سمحتِ فلا وقت لديّ أكثر لأضيعه هنا!...) نهضت بهدوء وسارت متجهة الى الباب حتى وصلته فرفعت نظرها الى سلطان وعيناه لا تحيدان عنها, إلتقت نظراتهما فوجدها صامتة مستسلمة وحزينة, فشعر بالضياع وهو يراها على هذا الحال فوجّه الى نفسه الكره واللوم وراح يفكر ما الذي ممكن ان يفعله لتعويضها عن كل ما فعله بها, فمد يده يضعها على رأسها فقربه اليه اكثر وطبع قبلة على جبينها, ابعد شفتيه قليلاً عن جبينها فسمعته يقول: أحبكِ زمرد! احبكِ كثيراً!!) ثم استدار يخرج من المنزل وهو يسمعها تتبعه بخطوات بطيئة, رفع سلطان نظره الى مراد الذي صاح به: سلطان!! انتبه!!...) استدار سلطان خلفه ينظر الى زمرد وهي ترفع المسدس وتوجهه نحوه ثم اطلقت ثلاث رصاصات, ارتمى سلطان على الارض بينما دوى صراخ العمة سمية في الارجاء, اسرع الجميع نحوه واولهم حسان وسامح ثم مراد وعادل, كان سلطان ممدداً على ظهره وعيناه نحو السماء بينما ازدحمت الوجوه أمام عينيه, كان يبحث عن وجه زمرد بينهم لكن لا اثر لها, بدأ يرمش بعينيه قليلاً وهو يسمع أصوات من حوله وصراخهم بأنفعال وتوتر, كان وقع الاصوات في أذنيه كأنها قادمة من بعيد ثم بدأت تتضخم شيئاً فشيئاً حتى غاص في الصمت والظلام.
في المشفى وفي ممر أبيض الأرضية والجدران كانت السيدة صفية جالسة على مقعد مقابل لغرفة العمليات حيث وضعوا سلطان, تراكمت الهموم والمخاوف والأحزان عليها فكانت تبكي بكاءاً مريراً, وجلس على الجهة المقابلة لها في الممر وعلى مسافة منها كل من ريا وجنى وكان واضحاً على ملامحهما البكاء الشديد والخوف والتوتر لأجل أخيهما, أقترب الجد وهو يتكأ على عصاه فشاهدها جالسة تبكي ثم انتبه الى مراد وهو منزوي عن الجميع منفرد بنفسه, واقف يسند ظهره الى الحائط, عاقداً ذراعيه امام صدره, كان سارحاً بنظراته الى الاسفل وهو فاقد لكل حيلة ينتظر بصمت وصبر شديدين فأقترب الجد منه خطوتين ثم قال: كيف حاله الآن؟!) رفع مراد نظره نحوه وهو يقول: لا زال في غرفة العمليات, أطلقت زمرد نحوه ثلاث رصاصات, واحدة اصابت السيارة والاثنتان الباقيتان استقرتا في صدر سلطان!...) اطبق الجد شفتيه بحسرة وألم ثم قال بعتب ولوم وهو يتذكر زمرد: لماذا يا أبنتي؟! هل يُعقل ان يصدر هكذا تصرف منكِ انتِ دون غيرك؟!!..) تابع مراد بعد ان القى نظرة سريعة صوب باب غرفة العمليات: أخبرنا الطبيب ان بنيته قوية وقد يساعده هذا على اجتياز العملية بنجاح وإذا حدث فسيكون كمَن كُتب له عمرٌ جديد!) هز الجد رأسه مرتين برتابة ولا مبالاة فكان كمَن إستسلم للأمر الواقع لا يملك الاعتراض راضي بما حدث وما سيحدث, اتجه يتكأ على عصاه فجلس على المقعد القريب من السيدة صفية التي بدأت تجفف دموعها بمنديلها الابيض فقال يحدثها: كيف حالكِ صفية؟!) فشهقت مرتين بفعل البكاء وهي تجفف دموعها ثم احتفظت بمنديلها بين راحتي يديها وهي تقول بصوتٍ باكٍ: وكيف سيكون حالي يا عمي؟! فأنظر اليّ.. في البداية زواج أبنتي الذي تعرقل وما تبعه من كلام الناس وشماتتهم بيّ وسخريتهم مني! هذا إذا تم زواجهن لأن ريا لا زالت معترضة ورافضة فكرة الزواج من عادل, لكن أنا احتفظتُ بالأمر لنفسي ولم أخبر سلطان لأنه لو علم برفضها سيُهشم رأسها!... فقط حبيبتي جنى هي مصدر سروري والتخفيف عني بعد ما مررتُ به, تلك المهذبة المطيعة التي لم تعترض على كلام أخيها عندما اخبرها بقرار زواجها من مراد فاكتفت بالقول رأيي من رأيكم, أحمد الله لأنه رزقني إياها فأبتسامتها تخفف عني الكثير!... والآن ولدي سلطان راقد على سرير تحت رحمة مشرط العمليات بين أيدي اناس غرباء, غير معلوم مصيره وهو بين الحياة والموت!!!...) ثم غطت عينيها براحة يدها ودخلت نوبة بكاء جديدة, سالت الدموع من عيني الجد فأخرج منديله ومسح عينيه يجفف دموعه ثم قال وهو يتمالك نفسه: لا تقولي هذا الكلام! سلطان ليس تحت رحمة مشرط العمليات بل سلطان تحت رحمة الله سبحانه وتعالى!!.. لا تدعي اليأس يُنسيكِ رحمة الله تعالى!) مسحت دموعها وهي تتذكر زمرد ثم قالت: هل أنا آذيتُ زمرد الى هذه الدرجة؟!.. الى الدرجة التي اقتنعت فيها بضرورة قتل إبني للإنتقام مني؟!!.. هل خططت للإنتقام منيّ بهذه الطريقة البشعة؟! فإذا مات أبني في هذه الحالة سأكون أنا السبب! سأكون انا من قتلتُ أبني وليست هي, وسأحمل ذنبي وعقابي معي الى آخر عمري! فلماذا يا زمرد! لماذا يا أبنتي؟!...) القى الجد نظرات صامتة حزينة نحو السيدة صفية وهي تتابع كلامها بالبكاء: كان الاجدر بكِ نزع حذائكِ وان تهوي به على وجهي ورأسي ما كنتُ سأعترض! لكن لماذا تقتلين أبني؟! لماذا سلطان؟! فماذا سنفعل بدونه الآن! ألم تفكري بنا وبمصيرنا يا أبنتي؟؟!!..) سالت الدموع على وجه الجد المجعد فقال: أنتِ أخطأتِ بحق زمرد وجميعنا نعلم هذا! بل أخطأتِ كثيراً, لكن هذا ليس مبرراً لها بأن تحمل السلاح وتطلق النار عليه بنية قتله بكل بساطة!...) القى الجد نظرة بيأس صوب باب غرفة العمليات ثم اخفض نظره وهو يتذكر زمرد فقال: زمرد أخطأت خطأً كبيراً بحق نفسها وحقنا جميعاً! حتى انها أضاعت حقها بتصرفها هذا فأنقلبت من مظلوم الى ظالم, بتصرفها هذا خسرت تعاطفنا معها وخسرت كذلك حبنا ومودتنا نحوها!!..) هز رأسه بحزن وألم وهو يتذكرها فقال: لن أسامحها أبداً على فعلتها هذه!! لن أسامحها!...).
حلّ الليل وتفرق الجميع بعد ان أخبرهم الطبيب بنجاح العملية ولم يبقَ سوى الصبر والدعاء لعله يتجاوز المرحلة الخطرة بسلام, وسط الظلام الذي خيّم على ممرات المشفى, ووسط الصمت والسكون رمش سلطان رمشة خفيفة بعينيه ثم رمشة اخرى ثم فتح عينيه ببطئ وتثاقل, دقق النظر حتى اتضحت الصورة أمامه وهو يرى جدران الغرفة والمعدات من حوله, فمدّ يده المرتجفة بصعوبة وبطئ وازاح قناع الاوكسجين من وجهه, فأصدر الجهاز قربه طنيناً مستمراً, فجفل عادل وتنبه من نومه حيث كان راقداً على كرسي قريب وخلال مراقبته ل سلطان حلّ عليه نعاس شديد فأرخى رأسه للخلف ليأخذ غفوة إلا أنه أسرع بالنهوض واقترب من سلطان يتطلع به بلهفة وقلق بنفس الوقت فقال بصوتٍ مبحوح: سلطان!! سلطان هل استيقظت؟! كيف تشعر يا صديقي؟!...) كانت عينا سلطان شبه مغلقتان فلا يقوى على التركيز إلا أنه كان متنبه الحواس فقال بصوتٍ بطيء خافت: أين الجميع؟!) فأجاب عادل: انصرفوا قبل قليل بعد جدال طويل معهم, واقنعتهم بان أبقى هنا للأطمئنان عليك!) فقال: أين زمرد؟!) فأحتقن وجه عادل وقال: تلك اللعينة! وضعتها في غرفتها وأقفلت عليها الباب, سنسلمها للشرطة ما إن تستعيد صحتك وتخرج من المشفى يا صديقي!!) فأغمض سلطان عينيه بوهن وقال بصوته المتعب الخافت: لا داعي لكل هذا.. اتركها تذهب, فلديها حفل زفاف لتستعد له) ظل عادل يراقب صديقه بحيرة وأهتمام يحاول ان يفهم ما به, فدارت عيناه على وجهه الشاحب المتعب وعينيه المغمضتين وهو يفكر يا ترى هل سيُكتب له عمرٌ جديد أم أنه يشهد الايام الاخيرة من حياته, فأعاد عادل وضع قناع الاوكسجين بيد مرتجفة على وجه سلطان الذي بدى أنه يغط في نومٍ عميق.... التكملة في الجزء القادم

زمردحيث تعيش القصص. اكتشف الآن