- أين أنا؟
همهم الأشقر وعيناه مغمضتين نائمًا بعمق، لكن الشيء الذي كان يهزه، أو يُتَخَيَلُ إليه ذلك، فتح عيناه جراء ذلك الاهتزاز الذي شعر به.. رأى ظلامًا دامسًا يحوط به من كل اتجاه..
ولكن على المدى البعيد هناك مكان صغير انتشر فيه النور وأضاء قليلًا ما حوله، سار نحوه ببطء، لا يعلم مالشيء الذي يثقل كاهله، في ذلك الظلام انتابه خوفٌ عظيم!
بعد مشيٍ طويل، شعر بأن الضوء بدأ يغمره، شعر بالأمان وهو يرى محيطه، ظهر ذلك الكوخُ الصغير المصنوع من الخشبِ؛ انتابه حيرةٌ هل يطرق الباب، أم ينتظر من يخرج من الكوخ أو عابر سبيل من الطريق يرشده إلى مراده..
هبّت رياح قوية، وبدأت بإصدار ذلك الصوت المخيف الذي يُخبر عن شدة قوتها، شعر الأشقر بالبرد يغمره، كانت ملابسه خفيفةً ولا تتناسب مع الوضع العاصف..
بعد مضي بعضِ الوقت من الصراع النفسي داخله؛ طرق بهدوء باب الكوخ وتراجع بضعَ خطواتٍ للخلف، مرّت ثوانٍ شعر بها قلب الأشقر الذي ينبض بسرعةٍ بدافع الخوف، فُتِحَ باب الكوخ وخرج منه شابٌ طويل القامةِ أزرق العينين ببندقيته معلقةٍ على كتفه الأيمن، نظر باتجاه الأشقر بهدوء..
سأل بدافع الفضول "ماذا تفعل أمام كوخي في هذا الوقت المتأخر بهذه الملابس الخفيفة في هذا الطقس البارد؟" توتر الأشقر ولم يعرف ماذا يرد على هذا السؤال الطويل، أنزل رأسه وبقي فقط ينظر إلى قدميه العاريتين المتسخة بسبب مشيه الطويل من دون أي أحذية..
عندما رأى أزرق العينين تصرف الآخر، لم يعرف ماذا يفعل، لاحظ ارتجاف الآخر كلما هبت الرياح، فتح الباب على آخره وأفسح المجال للأشقر للدخول "على كلِ حال، فلتدخل لبعض الوقت حتى تشعر بالدفأ، ثم أراهن بأنك تشعر بالجوع أيضًا"
رفع الأشقر رأسه وحدق بعينيه التائهتين في وجهه بعمق، شعر بداخله أنه قد رآه سابقًا، لكن أين؟ لا يذكر! حاول جاهد أن يتذكره، فمثل هذا الوجه لا يمكن أن ينساه! (للآن دعنا ندخل ونحاول التذكر في وقت لاحق) فكر بذلك في داخله..
مشى بضع خطواتٍ للأمام لكنه توقف عند عتبة الباب، تكلم بهمس "عذرًا، لكنّ قدميّ متسختين، هل لا بأس بدخولي حقًا؟" أومئ أزرق العينين بإيجابٍ وابتسم "بالطبع، تفضل"
تقدم الأشقر بعدها براحة، نظر أخيرًا لشكل الكوخِ من الداخل، كان واسعًا مرتبًأ وأنيقًا أيضًا، على الرغم من أنه لم يمضي وقتٌ طويلٌ على وجوده، إلا أنه قد أُعجب بالتصميم المُتْبع لهذا الكوخ البسيط..
كان متكونًا من طابقين بغرفتين، بكل طابقٍ غرفة، نظرًا أزرق العينين كان يعيش بمفرده، لم يكن بحاجةٍ أن يزيد من الغرف التي لطالما كان في غنى عنها، طلب أزرق العينين منه أن يجلس على جلد الغزال المدبوغ، ريثما يحضر بعض الماء من البئر كي يغسل قدميه، أومئ الأشقر وشاهد ظهر الآخر وهو يغادر الكوخ..
استلقى على جلد الغزال المدبوغ الناعم، وبدأ في التفكير، كيف وصل لمثل هذا المكان؟ تذكر استيقاظه في الظلام الدامس حينما سمع ذلك الصوت، لم يكن صوتًا مسموعًا بل بدا وكأنه وهم، لكن على الأقل؛ الأشقر لا ينفي أنه شعر وكأنه حقيقة..
حاول أن يتذكر ما حصل قبل أن يستيقظ بمثل هذا المكان، لكن كلما حاول وحاول، بدا أن كل ما يتذكره؛ هو بدءًا من استيقاظه في الظلام، ولا لذكرى لما خلف هذه الذكرى..
فاجأته تلك الضوضاء وذلك الزئير الحيواني وصوت إطلاق النار دوى في المكان، استقام سريعًا ونظر بخوف تجاه الباب المغلق، الذي سرعانما اهتز وفُتح، وسع الأشقر عينيه بصدمة؛ للتو ذهب أزرق العينين فقط لجلب بعض الماء، فلِمَ عاد وكتفه بأكمله ينزف دمًا؟ كان مصدره جرحٌ كبيرٌ بأعلى كتفه نتيجةً لحيوان مفترس ما..
"مـا الذي حصل؟" سأل الأشقر برعبٍ، لم يرى في حياته بمثل مقدار الدم المتناثر على الأرض، ولكن ما أرعبه حقًا؛ هو أنه يعتقد أنه السبب!
نظر الشاب ذو الأعين الزرقاء إلى حيث كتفه المصابة بلا أدنى اهتمام، كثيرًا ما كان يصاب بمثل هذه الجروح أو حتى أكثر خطورة، أما عن خوف الأشقر عليه، حقيقةً لم يكن يعرف...
مشى بخطواته إلى حيث جلد الغزال المدبوغ المفروش على الأرض، جلس بالقرب منه، وأخذ شيئًا ملفوفًا بغطاءٍ أبيض نظيف، وأخذ يعالج جرحه بسرعة ولكن بمهارة، عندما انتهى نظر للأشقر الذي كان ينظر له بدهشة...
"ماذا؟" ابتسم، وببطءٍ أرخى جسده للوراء يُفكر في الحصول على قسطٍ من الراحة، ولكن قبل أن يلامس الأرض نهض على الفور واتجه نحوه ...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يبتع...