الفصل الرّابع

202 24 282
                                    

كان مُتشبّثًا بسرابٍ لا وجود له، خائفًا أن يقتربَ منه فيختفي، فاكتفى بمُراقبته من بعيد مُتمنّيًا ألّا يزول .

-

في المُستشفى، أكثر مكانٍ خانق و كئيب بالنسبة لنُويان، كان يجلسُ على الأريكة المُقابلة لسرير هيلاس محنيّ الظهر أمام شاشة حاسُوبه المحمول، يعملُ بنهَم مُحاولًا إبعاد جميع أفكارهِ المُتشائمة .

كان يصُبّ كامل تركيزه على عمله، رُبّما بإمكانه إنهاء خططٍ كاملة للسنوات الثلاث القادمة للشركة بجلوسه هكذا مع كُل هذا التركيز .

«أرجُوك لا تفعل»
أثناء مُحاولاته للتركيز همهمت هيلاس خلال نومها بينما تتعرّق .

و هو لم يسمعها، كان يُحاول جاهدًا ألّا يلتفت أو يرفع عينيه حتّى أثناء عمله، يضغطُ على نفسه بشدّة لكيّ لا يُفكّر بأيّ شئٍ آخر، كان مشغولًا للغاية ليسمع همهماتها الخائفة .

«لا..أنا أترجّاك، أتوسّل إليك..»
تعالى صوتها شيئًا فشيئًا بينما تتوسّل بيأس، تُقلّب رأسها يمينًا و يسارًا بخوف، ترفض بشدّة ما تراه في كابوسها .

و بينما هو لا يزال عاجزًا عن سماع خوفها هزّ المكان دويٌّ مُرعب على حين غرة، كان هذا الدويّ بالنسبة لهيلاس رصاصةٌ قاتلة في كابوسها المُظلم، و لكن بالنسبة لنُويان فقَد كان دويّ صُراخها العالي بينما تنتفضُ جالسة .

و قد انتفضَ هو بدوره و لكنّه سرعان ما توجّه نحوها مُحاولًا فهم ما يجري .

ضمّت ساقيها إلى حضنها واضعةً وجهها بين ركبتيها و بدأت بالبُكاء بشهقاتٍ مُرتفعة بينما تُحكم إغلاق أذنيها بيديها المُرتجفتين .

«أنا آسفة، أرجُوك..أعدها إليّ، سأستمع إلى كلامك، سأطيع جميع ما تقوله، أنا آسفة، أنا فتاةٌ سيئة، أنا حقًا-»
استمرّت بالهمهمة و الاعتذار بنبرةٍ مُختنقة، كان جسدُها بأكمله يرتجف بشدّة .

مدّ نُويان يديه مُسرعًا مُمسكًا بيَديها بعدما أدرك ما حدث، قائلًا بنبرةٍ متوتّرة بينما يحاول إبعاد يديها «أنتِ بأمان، كان كابوسًا، كُل شئٍ بخير، هيلاس استيقظي، لقد انتهى الآن، لقد ذهب»

كانت يديه دافئتين للغاية بالنسبة ليديها، لم تكُن بوعيها بعد و لكنّها استيقنت أنّها بخير طالما أحدهم يتشبّث بها، يُحاول إنقاذها و سحبها من بِركتها السوداء المُظلمة .

فتحت عينيها ببُطء و قد خفّ ارتجاف جسدها قليلًا، سمحت لنُويان بإبعاد يديها عن أذنيها و رفعت رأسها بتعابير مليئة بالهلع ناظرةً لوجهه الخالي من التعابير، و العيون كذلك .

أرَقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن