١_العَودة إلى الوَطن.

11.6K 312 1K
                                    

١- العَودَة إلى الوَطن.

صَوتُ وَقع الأقدَام كانَ كُلّ مَا يُسمع فِي ذلِك المَمر أينَ الظَّلام الحَالِك قَد إستَقر مُتوغِلا فِي كلّ رُكنٍ و زاوِية من ذلك المَكان ، وقَف بِطوله الفَارِع أمَام بَاب آخِر غُرفَة زافِرا الهَواء و قَد بلَغ ذروَته مِن التَّعب و الحيرَة .

ولجَ بِروح مُحطَّمة أنتُشِلَت مِن أنقاضِ المَاضِي الذِي إنتَهى بِكلّ ما فِيه مُخلِفا بقايَاه عَلى شَاكِلة جُثثٍ لأشخَاصٍ غَير قادِرينَ علَى العَيش فِي هذه الحَياة .

اقتَرب مِن النَّافِذة يمُد يَده ليُبعِد السّتَائِر سَامِحا لأشِعة الشَّمس بِمُداعبة ذلِك المُمدَد طَرِيح الفِراش مُنذ ما يُقارب الخَمس سنِين ، ابتَسم مُخفِياً حُزنَه و دنَا حيثُ الآخَر ثم جَلس عَلى الكُرسِي بِمقرُبة مِنه و عانَق راحَة يدِه الهَزيلَة بكِلتا كفَيه مُردِفا بصَوت خفِيض :

_ يَظنُّني البَعضُ مَجنُونا لسعادتِي ببَقائِك علَى قَيد الحَياة و أنت شِبه مَيت، طريحُ الفِراش مغيَّب.

مَال بِجذعِه يَنحنِي إلَى الأمَام يُرِيح رأسَه علَى كفَّيه و قَد أسدَل جَفنَيه يمتَنع عَن رُؤيَة ما آل إلَيه حالَ أقرَب النَّاس إليه.كانَ حاضِرُ الجَسدِ ، هائِمُ الرُّوح ، غَائِب الذِّهن ، حَيثُ الأخَير قَد رحَل لتَحطَّ ذِكريَاتِه فِي أوَّل أيَّام البِدايَة ، تِلك البِدايَات التِي إفتَرض أنَّها مُجرَّد استِمرار للنِهايَة إلى أن حان يَوم العَودة إلَى الوَطن...

قَبل أَن تَبدأ مَعرَكة البَقاء عَلى قَيدِ الحَياة أو المَوت عِند الامتِناع مِن سَفك الدّم ، البَحثِ عَن الحَقِيقة والكَشفُ عَن المَستُور أو إخَفاء الوَقائِع لحماية من يُحب ، قَبل خَمس سنَاوات مِن الآن...

فِي اليَوم الذي بَدأ فِيه كلُّ شَيء مِن اللانِهاية نَحو النَهاية المُكللة بالألَم...

الثَّاني مِن شَهرِ ديسَمبَر ، العَام التَّاسِع عشَر بَعد الألفين...

" أبِي... أينَ أنت!... لِما تَركتَنِي ؟"

" أنَا أسِف... لقَد فارَق الحَياة "

_ سَيدِي هل أنتَ بِخَير؟... سيدِي !

" أبي لِمَا تَركتَ صَغِيرُكَ لِوحدِه... أنا أخَافُ الظَلامَ أنَسيت ! أبِي كيفَ لي أن أنَامَ بِمُفرَدِي ؟ "

" ألستَ من تَحمَلَ مسؤُولِيتَهُ مٌنذُ قُدومِه ؟ لما تُلقِي باللَّومِ على غَيرِكَ الآن ؟ أنتَ وحدُكَ مَن يجِبُ أن يُلاَم "

_هل تَسمَعُنِي !... سيد سوكجين !

" أنتَ السَبب... أنت َ من قَتلَه "

صاحب البيت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن