الحياة حياة العقول ، و الحرية ، حرية التفكير
لم أفهم سبب نهوضي المتكرر على تلك الحالة من الهستيريا و المرض ، كان ذلك السقم قد محى من ذاكرتي تلك الأحلام المتكررة ، لم أنهض من السرير طيلة النهار ، أحس بأختناق يقييدني ، و جاذبية نحو السرير لم أستطع مقاومتها ، كأن قوة خفية تدفعني للبقاء في تلك الحالة الكريهة ، لم أستطع حتى رفع يدي لأخذ كأس ماء ، و كان العطش قد جفف حلقي فأحسست كأنني أحمل صحراء داخل فمي، لم أجد صوتي ، فغفوة
...
تراب كثيرة ، كواكب من الأتربة تعيق ناظري ،و وطيس الشمس يحرق لي رأسي ، و فجأة مسك شيئا ما بيدي و سحبني ، إنه هو ، أهرمان ،تبعته و أنا أنظر ليديه ، أين تلك الأظافرالتى وصفتها الكتب بالصلبة الكرية ، أين تلك البشرة المشعرة الغريبة ،لما لا يشبهأي شيئ الكتب ،...دفعني بقوة ، فسقطت على وجهي أمام رجل يلبس لباساعصريا لكنه معمم ، تركيبة غريبة ، لباس عصري و عمامة على الرأس ، "من أنت؟"قلت أنا ، قال هو : »من انت ! »قلت:رماني هنا ، عزازييل .
سألته مجددا :من أنت ؟
قال لي :لاتسأل عن أمور إذا بدت لك تسؤك
ماذا تقصد ؟
لا تسأل أبدا قطبا عن قصده ، أجاب هو .
قلت :قطب؟ تقصد مرحلة الولاية القصوى ؟ أنت ولي الأولياء ؟
قال :دعنا لا نضع الوقت كثيرا ،وقتي ثميين ، أتيت هنا لتعرف الحقيقة ؟ لما لم تطلبها من الله ؟
قلت :لكن إييل مات ، قال عزرائيل ذلك .
قال ئيل مات ، أجاب القطب ، لكن الله حي لايموت ، أنت لا تأمن بالإله ، لما تبحث عن الحقيقة أصلا ؟
الحقيقة ليست مختزلة في الميتافيزيقيا ،يوجدأكثرمن حقيقة ،لا تلبس الواقع جلبابا لايليق به ، الله ليس سوى وسيلة لمعرفة الحقيقة ، لكن لا تختزل الحقيقة فيه
أجابني:الحقيقة هي الله ، الحقيقة هم نحن .
تسائلت عما قصده من كلامه ، لكنني ، و لا أعرف لما فعلت ذلك ، نظرت نحو الأفق بنظرات باحثة،باحثة عن شيئ ما ، رأيت بين السحب تكتلات، كواكب تكتب لي رسالة ، حال العاشقيين ،أدرت رأسي للقطب و سألته ما هي حال العاشقيين؟ فأجاب :
مقام العشق لا ينال بسهولة ، العشق للذات ،بالإبتعاد عن اللذات ، ترك الشهوات والتفرغ للعبادات و القاءات و الأجتماعا ت بعالم العلويات .
وأول من نال هذا المقام كان عزازيل ابليس، الشيطان ، لكنه يوم ناله لم يكن شيطانا كان طاووس الملائكة ، كان له من الشموخ و العزة و الغرور ما قد كان ليتسبب في حشوه في العدم ، لكن شفع له حبه في الله،لله ، هو أول من أحب ،أول من نال مقام العشق ، و في مقامات العشق حكايات و أمثلة لا يعرفها إلا العشاق ،لا يفضح سر من أحبإلا لمن يحب ، و من يشاركه المحبة في الذات، لكن مشكلة أبليس أنه أمر و لم يلبي ، ولو أنه لبى لكان نكان محمد عليه الصلاة والسلام ، لكن أبليس أعماه غروره عن إدراك الحقائق ، أنه مهما بلغ من الكبر فالله أكبر،فطرده الله و علقه من مقام العبادة،و مقام العاشق ، فتلون إبليس بالداكن وخرح لبه للظاهريين ، بعد أن غطى عيبه مقام العارفيين و خاب أمله في رب العالميين الذي ظنه له من المحبيين ، و الغيرة من مظاهر الهيام ، و هنا الفارق بين سيدناا لمصطفى و بين سلطان العاشقيين المرتد إبليس ، فإبليس لم يستجب لأمر الله ، أما محمد جدي عليه صلاة الله و سلامه أجاب،كذلك موسى أجاب عندما أمره الله أن ينزع حذائه في الوادي المقدس ، و المسيح أجاب عندما لبى نداء حالة عشقه بالخروج و إيتاءالصوم الأكبر ، و إبراهيم أجاب عندما أمر أن يذبح إبنه ، لكن إبليس كان عبرة لأسيادنا الرسل و الأقطاب و الأولياء ، إن لله أمرفلم يفهمه أي من الأقطاب ، فهمه إثنان محمدعليه السلام و إبليس ، و وعزة الله ، إن لم يكن إبليس رفيق حال للعاشقيين لما كنت أعرف عن أمره شيئا فعلم القطب من علم ربه، و الرب يعلم حال إبليس ، بسم الله و بالله،الوداع يا خوافا من الإلاه
تكاثف الضباب ، و كبرت كواكب التراب فصارت جبالا، فما عاد بصري يقوى على أن يرى تراجعت للخلف سبعة خطوات ، و سقطت في حفرة في الخطوة الخامسة ، كانت هوة عميقة و ما أنسقطت فيها حتى تراكمت علي رمال الصحاريكتمت أنفاسي ، و خدرت نبضاتي و حركاتي ،أحسست أن التراب يدخل في أنفي ، أحسست ان الموت يدنو مني ، توقف قلبي عن الخفقان و رأيت هامة سوداء أما ل ب عيني و أخذ في الإتساع ،إلى أن حجب عني رأيت كل شيئ .
...
نهضت و العرق يتصبب مني ، لم أكن عطشان لكن أحس بحرارة شديدة نزعت عني كل الملابس و فتحت شباك الغرفة ، لكن لا تزال الحرارة مرتفعة، أحس أن نارا تحترق داخلي ، كنت أنتظردخان الحريق أن يخرج من فؤادي ، من إحتراق أعشائي و أعضائي ، ما الذي يصيبني يا ترى.