1

25 5 15
                                    


في زمن مازالت فيه الكهرباء شيئا من الخيال
استيقظت تلك الفتاة الصغيرة ذات الثلاثة عشر ربيعا بوقت متأخر من الليل و فتحت عينيها ببطء و هي تصغي جلست و هي تشعر بالنعاس و رتبت شعرها الأسود القصير قليلا و فتحت عينيها.
كانت نائمة بغرفتها ذات الطراز الكلاسيكي القديم في ذلك السرير الكبير الفخم كل شيئ في مكانه تحت ضوء الشمعة الخافت عدا عما أيقظها نفس الأصوات ككل مرة تختلف في بعض الأحيان لكنها أصوات مكتومة غريبة تأتي من بعيد من حيث لا تدري.
لم تكن تسمعها كل ليلة و لكن ربما مرة أو مرتين أو ثلاثة في الشهر و دائما في الليل جلست على حافة السرير و هي تصغي بغرابة لم تميزها أهي أصوات أنثوية أم رجولية أغمضت عينيها تصغي باهتمام حتى توقفت الأصوات بعد بضع دقائق و كالعادة لم تفقه منها كلمة أو أي شيئ.
عادت للنوم في سلام و هي تعرف أن بابا لن يخبرها شيئا جديدا عن هذه الأصوات غدا.
خرجت من غرفتها بحماس في الصباح إلى حيث غرفة الطعام و اقتحمت الغرفة و هي تحيي بابا:
- صباح الخير بابا!
- صباح الخير صغيرتي، كيف حالك؟
قالت بضيق و هي تجلس على المقعد:
- لم أعد صغيرة! ليس ذنبي أني قصيرة القامة.
ضحك بابا برفق و أكمل تناول قهوته و هو يقرأ جريدة كانت لوسي تحب بابا حقا فهو ليس حقا والدها لكنه رجل غني تبناها و هي في الخامسة من عمرها من ميتم و هو رجل ثري في الخمسينات من عمره ذو شعر قصير طغى عليه الشيب بشكل غريب و يرتدي نظارة.

زمت شفتيها و هي تستعد للسؤال:
- بابا! لقد سمعت تلك الأصوات مجددا بالأمس!
قال و هو يرشف من قهوته دون النظر إليها:
- لو حاولت الخادمة إيقاظك في الصباح لما استيقظت بسرعة كما تسمعينها!
- بابا ما هذه الأصوات؟
- ربما من خارج البيت و ربما إحدى الخدم كانت تبكي.
- الأدغال تحيط بنا من أين قد تصدر؟
- لا أعرف يا صغيرتي ربما تتخيلين وجودها.
قالها بابتسامة عذبة و غادر لعمله كالعادة تاركا لوسي لتتعلم على يد أحد معلميها فقد كانت تتعلم في المنزل
ذلك المنزل الفخم العتيق ذو الثلاث طوابق و الذي يقبع بين الأدغال و الأشجار و لا بيت غيره هناك على مد البصر.
بعد الدرس خرجت لوسي لحديقة البيت الأمامية لتلعب قليلا فلابد لها من ممارسة نشاطات حركية هكذا أخبرها بابا كي تحافظ على صحتها بينما كانت تتمرن مع الكرة نظرت لجهة خلف البيت و تملكها الفضول مجددا صحيح أن البيت محاط بسور تحب أن تطلق عليه لوسي سور الصين العظيم لكن هناك حديقة خلفية للبيت مفصولة بسور آخر أعلى بكثير يمنع دخول أحد إليها و لم تعرف ماذا يوجد هناك منذ أن أتت حتى عندما حاولت النظر من نوافذ الطابق الأول كانت الحديقة بعيدة فلم ترى شيئا و قد أخبرها بابا أنه يخبئ ممتلكات أعماله هناك.
لكن هذا غير مقنع كما هو غير مقنع لما أخبرها عن الطابق الثاني أعلى طابق في مبنى الثلاث طوابق و الذي لم تدخله قط و قد حاولت ذات مرة التسلسل إلى هناك حتى كشفتها إحدى الخادمات و أخبرت بابا و الذي غضب منها بشكل غريب كما لم تره من قبل لذا لم تحاول ذلك مرة أخرى و كل ما سألت بابا عنه قال إنه مكان خاص بأشياء عمله السرية.
الغريب في بيت بابا هو تبديل الخادمات كل فترة قصيرة و لم تعرف لماذا لكنها الآن ناضجة بما فيه الكفاية لتربط الأحداث لذا من المؤكد أن الخادمات سمعن أصوات الصرخات و لا يجيبهمن بابا بشيئ فيطردهن يا له من استنتاج! و لا أحد من الخدم يجيبها حين تسأله عن الطابق الثالث أو حديقة المنزل الخلفية.
بيت بابا مليئ بالأسرار لكنها تحترم خصوصيته و لحسن الحظ ليست ممن يعانون من متلازمة الفضول المفرط على حد تفكيرها لذا تجاهلت السؤال عنهم منذ فترة.

عاد بابا كارل إلى البيت متأخرا اليوم لكن لوسي لم تنم و جلست في انتظاره فقد رغبت في ذلك اليوم لءا بمجرد أن دخل ركضت إليه و عانقته بقوة تفاجأ هو من رؤيتها و سألها بقلق:
- لما أنت مستيقظة إلى الآن؟!
عندها تقدمت الخادمة من خلفها و قالت بارتباك:
- آ..آسفة سيدي لكنها رفضت دخول حجرتها قبل رؤيتك.
عندها مسح بابا على رأسها و سألها:
- تريدين رؤيتي فقط؟
- نعم لأخبرك شيئا.
و تقدمت من أذنه و همست كي لا يسمعها أحد:
- أحبك بابا.
عانقها بقوة ثم ذهبت لغرفتها لكنها توقفت عند الدرج عندما سمعت بابا يتحدث إلى الخادمة و يعود للخروج عندها أسرعت لإحدى ن افذ الممراس المطلة على الحديقة الأمامية و أطفأت شمعتها و استرقت النظر من خلف النافذة و رأت عربة بابا الكبيرة الفارهة ذات الأربع أحصنة تقف أمام بوابة البيت و ينزل منها السائق و يفتش بداخلها و بابا واقف حتى خرج خادمان يحملان صندوقا من العربة كان متوسط الحجم .
و بقيت لوسي تحدق في الصندوق و هم في طريقه به نحو الداخل لكن بشكل غريب شعرت بالتوتر
و فجأة بدت كأنها غير قادرة على التنفس براحة و شعرت بقطرات العرق على جبينها رغم برودة الجو ذلك الصندوق بدا مثيرا للقلق فجأة و بعد أن مسحت العرق عن جبينها كان بابا قد دخل لذا كان عليها العودة بسرعة لغرفتها قبل أن تشعر بأنامل بشرية على كتفها فشهقت برعب و تراجعت للوراء لتتبين أمها إحدى الخادمات و التي قالت لها بقلق:
- رويدك! آسفة إن أفزعتك آنستي!
- لما لا تحملين شمعة؟
سألت لوسي بغرابة فقد كانت الخادمة تمشي في الظلمة لكن الخادمة تجاهلت شسودؤالها و قالت سريعا:
- من غير الأخلاقي أم تراقبي آنستي و الآن بسرعة عودي لفراشك الآن! قبل أن يراك السيد كارل و يغضب منا جميعا!
عندها عادت باستسلام لغرفتها و استلقت في سريرها و هي تحدق بالشمعة حتى نامت.
استيقظت مجددا في وقت متأخر من الليل نفس الأصوات بكل سأم و ضجر وضعت وسادتها على رأسها على أمل أن تستطيع النوم لكنها أرخت الوسادة قليلا هذه المرة و أصغت نزلت من سريرها و هي تجوب غرفتها و تستمع لقد ميزت الصوت هذه المرة و بدا كصوت صبياني رغم بعده على غير العادة تسللت ببطء نحو باب الغرفة و خشية صرير الباب وضعت على المفاصل القليل من الزيت الذي تستخدمه لشعرها خدعة تعلمتها من رواية بوليسية و التي لا يسمح لها بابا بقراءتها لكنها تفعل.

فتحت الباب و أصغت لكن الأصوات مازالت بعيدة لاخدم في الممر لذا كانت فرصتها لتكتشف شيئا عن هذه الأصوات بعيدا عن حجج بابا.
أخذت الشمعة و وضعت مكانها شمعة أخرى و بعض الوسائد تحت غطائها كي توهم من يدخل أنها نائمة و انطلقت خارج غرفتها نحو الممر البيت كبير و واسع بشكل لا يصدق حتى أن هناك غرفا نسيت لوسي كيف تبدو و صعب عليها تحديد مكان الأصوات التي تتقطع كل مرة راقبت خارج النوافذ لكن واضح أن الصوت ليس من الخارج عندها أكملت التمشي في الممر حنى وصلت إلى هناك الدرج المؤدي للطابق الثاني.

ابتلعت ريقا و هي تنظر للظلمة الحالكة التي تكسو الدرج حتى الأعلى و تملكها نفس التوتر و لأن شمعتها كانت على وشك الذوبان فقد تراجعت و عادت لغرفتها سريعا و عند وصولها انقطعت الأصوات و نامت و هي تحاول تخفيف نبضات قلبها المتسارعة.


في الليلة التالية تأكدت أن بابا في غرفته و حملت شمعة و ذهبت إلى هناك و صعدت سريعا هذه المرة لتجد ممرا ذا جدران حجرية غارقا في الظلمة و تجولت قليلا و بعد لحظات رأت غرفة من تحت شق بابها يظهر ضوء شمعة ضعيف تقدمت منه و هي تصغي لكن لا صوت بالداخل كان الباب مفتوحا قليلا و نظرت من شقه فتبيت غرفة ذات جدار حجري مخيفة و مليئة بالأوساخ الرائحة كانت عطنة و غريبة لكن الرعب زحف على ظهرها حين ميزت رائحة الدماء لكنها أرادت أن لا تصدق ثم فتحت الباب قليلا فأصدر صريرا و فجأة سمعت صوتا قصيرا يشبه السلسلة بالداخل عندها ذعرت و تراجعت قبل أن تسمع صوت أنفاس و شخصا يحاول السعال فتجمد الدم في عروقها و ضمت يديها و عجزت عن الحركة.

لكنها هدأت عندما لم يحدث شيئ لا أحد تقدم من الباب عندها اقتربت مجددا و طرقت الباب برفق لكن لا شيئ نفس أصوات الأنفاس و السلسلة عندها فتحت الباب أكثر حتى دخلت لا شيئ بالغرفة كانت غرفة حجرية صغيرة و بعض الأدوات الحادة الغريبة الملقية في كل مكان و لا شيئ شعرت به حين نظرت إلى ذلك الفتى المقيد على المقعد بسلاسل و مكمما و رأسه للأسفل لم ينتبه لوجودها حتى رفع رأسه ليصدم برؤيتها مالذي تفعله طفلة في مكان كهذا؟ أما هي فقد عجز دماغها عن إفراز أي هيرمون ليصف حالتها لما قد يكون الفتى مقيدا بهذا الشكل و هنا في بيت بابا؟

أيقظها من ذعرها صوت قادم زادها رعبا فخرجت بسرعة رغم أن الفتى حاول إصدار أصوات ليرجعها لكنها ركضت دون توقف نحو الدرج في الظلمة عندها شعرت بخيال أسود قادم فعادت للوراء بسرعة و اتجهت نحو إحدى الغرف و اختبأت بها و هي تراقب من شق الباب و في الظلام تمكنت من رؤية ملامحه التي أصابتها بالصدمة كان بابا! و بعد لحظات جاء من خلفه خادم يحمل شمعة فتراجعت عن شق الباب و عندما مر الخادم بجوار الباب و تحت ضوء شمعته في لحظة رأت الغرفة التي تختبئ داخلها و التي كانت منتشرة بها أكياس سوداء في أرجاء مختلفة و بقع دماء حملقت بفزع حين أدركت أنها جثث و أمسكت فمها على الفور بكل قوة كي تمنع صرختها من الخروج.



بعد أن ابتعدوا خرجت من الغرفة و انطلقت كالصاروخ دون أن تنظر وراءها و نزلت في الظلام و عند نزولها بدأ ترتفع أصوات صراخ مكتوم قبل أن يصبح صراخا حقيقيا أكملت الركض بسرعة و هي تلهث و قد أدركت ما هية تلك الأصوات كان يعذب ذلك الفتى الذي رأته و لا بد أنه فعل ذلك مع الجثث التي رأتها كانت تفكر في ذلك بصدمة حتى دخلت غرفتها و اتكأت على الباب.
عجزت عن التقاط أنفاسها براحة و هي تستمع للصوت الذي عاد مبهما و غير واضح كما كانت تسمعه من هنا دائما و لم تكن سوا أصوات معاناة أولائك البؤساء شعرت بشعور غثيان رهيب و ذهبت إلى حمام غرفتها تقيأت كل ما أكلته ثم عادت إلى سريرها و احتضنت الوسادة في فزع.
في الصباح استيقظت لوسي و كان الإرهاق قد خط آثاره على وجهها البريئ كانت زائغة النظرات و هذا ما لاحظه السيد كارل على مائدة الإفطار الذي سألها:
- هل تؤلمك معدتك؟
- لا أنا بخير.
لم يفته نظراتها الباردة نحوه عندها قال:
- سأحضر الطبيب معي عندما أعود من العمل هل تريدين شيئا؟
قالت سريعا عندها سمعت كلمة طبيب:
- لا أنا حقا بخير متعبة قليلا من تمارين الأمس.
عندما خرجت أمام البيت كالعادة نظرت نحو الطابق الثاني ذو النوافذ المظلمة و هي تشعر بالصدمة و الحيرة هل تبلغ الشرطة؟ هل تهرب؟ و هل تستطيع أساسا أن تبلغ الشرطة على بابا؟ ذلك الرجل الطيب الذي أحبها و أحبته و بقيا سويا طول هذه السنين يظهر في النهاية أنه قاتل؟ لم تصدق ذلك لكنها فكرت في ذلك الفتى الذي رأته لابد أن تم قتله كالآخرين هل ستبقى صامتة؟ لكنها لم تقدر حتى مجرد التفكير في أنها قد تخبر الشرطة عن بابا و بكل غباء قررت الصمت فربما تعرف ما سبب قيامه بذلك.

أصوات مكتومةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن