2

14 3 8
                                    


في ذلك اليوم عاد السيد كارل متأخرا لم تنتظره لوسي كالعادة و هذه المرة كانت تراقب عند نافذة الممر و كما توقعت أحضر السيد كارل صندوقا آخر و غمرها نفس توتر المرة السابقة و لكن أشد حين أدركت أنه يحضر في تلك الصناديق بشرا فجأة شعرت بظل أسود يراقب من فوق كتفها فنظرت خلفها بفزع و لم تجد شيئا ثم عادت لغرفتها بسرعة قبل صعود بابا و بعد وقت بدأت نفس الأصوات.

رغم أنها مبهمة لكنها لم تعد تحتمل و هي تتخيل بشاعة تلك الصرخات عندها شعرت بظل يقف عند الباب مجددا نظرت من تحت غطائها لكنه لم يزل و هذه المرة أخذ الظل يتقدم رويدا رويدا و هي تنظر له بفزع عندها جلست بذعر و فركت عينيها لكن الخيال لم يزل و بدا كما لو أنه ذو عيون حمراء عندها حاولت إطلاق صرخة لكن صوتها هرب و لم تستطع سوا نطق كلمة واحدة بجهد جهيد فهمست: بابا!
عندها اختفى ذلك الظل و لم تعد ترى شيئا لكن الأصوات مازالت موجودة عندها نهضت من السرير و فتحت بابها برفق لتشهق و هي تتراجع برعب لكنها هدأت حين رأت خادتمها كاثرين من يقف عند الباب لكنها كانت واقفة فحسب و هي تنظر لها عندها استغربت لوسي و سألتها:
- آنسة كاثرين أنت بخير؟
- لماذا كنت فزعة في الداخل؟
صدمت لوسي للسؤال و قالت:
- أنا؟ فزعة؟ لا...لا..كل شيئ بخير.
عندها دخلت كاثرين بعصبية و أمسكت يد لوسي بقوة و أغلقت الباب خلفها و سألت بعصبية:
- لماذا كنت فزعة؟! كنت أسمع أصوات أنفاسك خارج الباب!
- أنا.....قلت ابتعدي أنا بخير!
و عندما حاولت لوسي الإفلات منها أمسكت كاثرين بكلتا يديها و ثبتتها على الحائط و قالت بذعر:
- صعدتي إلى هناك صحيح؟!
نظرت إليها لوسي بصدمة و لم تجب عندها تملك كاثرين ذعر أكبر و ضغطت على معصمي لوسي حتى تألمت و قالت:
- لا تخبري أحدا بهذا! إياك! أو سيطعمنا لهم...جميعنا!
إياك و إخبار السيد كارل بهذا...إن فعلتي! ستقلبين هذا المكان على رؤوسنا!

لم تفقه لوسي شيئا و هي تنظر إلى كاثرين التي انهارت جالسة أرضا و قد بدأت ترتعش ثم قالت ما جعل البرودة تزحف على ظهر لوسي:
- تجاهلي أي خيال أسود ترينه لا تعيرهم اهتماما..فقط لا تخبري أحدا...أتوسل إليك!
عندها نطقت لوسي و قد بدأت الدموع تملأ عينيها:
- لكن....لكن..هناك أناس يموتون هناك...بطريقة بشعة.
عندها نهضت كاثرين و أمسكت بكتفي لوسي و قالت بذعر:
- الموت أهون لهم من أن يأكلوهم و هم أحياء! و نحن؟
نحن يا لوسي! ألسنا أناسا أيضا؟
عندها بكت لوسي بقوة و ابتلعت غصتها لم تعرف ما كل هذا الهراء الذي تقوله كاثرين و كيف تعرف بأنها ترى خيالات و تجمد الدم في عروقهما حين سمعا صوت السيد كارل من الخلف:
- ماذا حدث؟

نظرت كلاهما نحوه بفزع و مسحت لوسي دموعها سريعا لكن بابا قد رآها و تقدم بغضب:
- لوسي؟ تبكين؟ ماذا فعلت لها؟ لما جعلتيها تبكي!
ارتبكت كاثرين حين صرخ بابا لكن لوسي قالت بسرعة:
- بابا! لا كاثرين لم تفعل شيئا! لقد دخلت حين سمعتني أبكي؟
- لما تبكين يا صغيرتي؟
و عندها كذبت دون تردد: لقد....تذكرت...والداي.
كانت تعرف أن جملتها ستؤلمه لكن لا مفر عندها أمر كاثرين بالخروج و ضم لوسي إلى حضنه و سألها:
- هل أنا مقصر معك في شيئ يا صغيرتي؟
- لا لا لا أبدا! أنا فقط.....سامحني..على ما قلت.
و بعد فترة و هو يمسح على رأسها بحنان قال لها:
- مهما يكن أنت ابنتي..و ستظلين كذلك...أحبك يا صغيرتي.
عندها نزلت دموعها أكثر و هي تشد على ثيابه و قالت و هي موقنة من الآن أنها آخر مرة تقولها له:
- و أنا أيضا أحبك بابا.

بعد يومين اختفت كاثرين زاد رعب لوسي و عندما سألت بقية الخدم عنها جميعهم قالوا أنها غادرت و قد انتهى عملها هنا و في نفس اليوم الذي غادرت فيه كاثرين و عند الليل عندما استلقت لوسي على سريرها و وضعت يدها تحت الوسادة تحسست شيئا و تبينت أنه ورقة صغيرة فتحتها ببطء لتجد اسم كاثرين عليها و هي تقول:
" احرقيه! احرقيهم جميعا! هذه نهايتي! وداعا!"
أشعرت رسالة كاثرين لوسي ببعض الخوف تحرق ماذا؟
و لماذا قالت هذا في ورقة؟ عندما نامت لوسي تلك الليلة كانت قد عزمت أمرها عما ستفعله غدا.
في الليل قررت لوسي الهرب نعم هي تحب بابا لكنه مجرم و عليها أولا التأكد من ذلك حتى تنساه نهائيا بكت كثيرا و هي تجهز نفسها و حقيبتها الصغيرة ثم انتظرت حتى وقت متأخر من الليل بابا ليس موجودا في الأعلى اليوم فقد رأته و هو يخلد للنوم لماذا ستصعد؟ لأنها أرادت إنقاذ ذلك الفتى إن كان مازال حيا من الأساس و إن لم يكن فهناك غيره طالما بابا يحضر الصناديق باستمرار أنبها ضميرها كثيرا على ترك الفتى يومها لكنها كانت فزعة و إن بقيت للحظة أخرى يومها لكشفها بابا.

فتحت باب الغرفة بهدوء و خرجت و انطلقت إلى هناك الدرج حالك الظلمة كما كان و لا يوجد أي أصوات الليلة لكنها عزمت على الصعود نزعت حذاءها كي لا تصدر قدماها صوتا و بكل خفة صعدت الدرج و هي تتحسس طريقها حتى وصلت للأعلى و دخلت الممر و قد قابلتها موجة روائح الدماء و العطن لكنها تماسكت و أكملت التقدم في تلك الظلمة التي يكسرها بعض ضوء الشموع من بضع غرف.

ثم سمعت صوت حركة فاختبأت في غرفة مجاورة و ألقت نظرة من الباب كان أحد الخدم الرجال و مر عبر الممر و خرج كان نفسه الذي يحرس الدرج من قبل لكنه بدأ يهمل ذلك و عند نزوله أشعلت لوسي شمعة و بدأت بالبحث في الغرف محاولة تجاهل خوفها غضت بصرها على غرفتين كانتا مليئتين بأكياس الجثث و الغرف المضيئة كانت فارغة لذا شعرت باليأس بعد البحث في أرجاء الطابق لابد أن لا يوجد أحد و أن ذلك الفتى قد مات.

عندها في الممر شعرت بوجود شيئ لتجد خيالا أسودا بنفس العيون الحمراء يقف في بداية الممر زحفت البرودة على ظهرها و هي تحاول أن تتجاهله كما أخبرتها كاثرين لكن هذه المرة لم يتقدم بل تراجع و كادت تقسم أنها رأته يشير لها أن تتبعه تبعته بحذر و هو يسير حتى وصل لجهة من الطابق ذات الدرج الذي يؤدي للسطح صعدت الدرجات معه و عند راحة الدرج توقف الخيال ثم بدأ يختفي تحت الأرضية بالتدريج أسرعت لوسي للبقعة حيث اختفى و تفقدتها لتلاحظ أنها باب سري لغرفة تحت الدرج!

حاولت سحبها بقوة لعدم وجود مقبض و تمكنت من فتحها ألقت نظرة للأسفل لتجد بالفعل درجا خشبيا ينزل للأسف و كان الخيال واقفا ينتظرها هذه المرة ارتعبت من النزول إليه هناك و هو لم يتحرك فمدت رأسها تلقي نظرة على الغرفة بالأسفل فزعت عندما رأت جسدين ملقيان هناك لذا نزلت دون تفكير لتجد شابا ملقيا في ركن الغرفة و صبيا كان مقيدا بالسلاسل و مككما و مرميا على الأرض و قد كان واعيا و عندما شعر بضوء الشمعة نظر بتعب و كان على وشك التحرك لكن لوسي أشارت له بإصبعها أن يهدأ و أسرعت نحو الشاب الملقي و كما توقعت حين لمست عنقه وجدته ميتا تراجعت عنه و هي على وشك البكاء لربما كان بإمكانها إنقاذه أيضا.

ثم أسرعت نحو الفتى الآخر ليصدم كلاهما فقد كان نفس الفتى من المرة الماضية و هو لا يزال حيا! شعرت بسعادة غامرة رغم سوء وضعها ثم خطرت لها فكرة قرأتها أيضا في رواية بوليسية و سحبت دبوسا صغيرا من شعرها و أدخلته مكان السلسلة التي تقيد قدميه و بدأت بتحريكها في كل اتجاه آملة أن تنجح الفكرة و بعد عناء طويل نجحت! و انفتحت السلاسل عن قدميه التان تسلختا من شد السلاسل عليها و لم يكن حالهما أفضل من باقي جسده الهزيل المليئ بالجروح فكت سلاسل يديه و ساعدته على النهوض و خرجا من الغرفة عندها سألها الفتى أخيرا:
- ماذا تفعلين هنا؟
توقفت و قالت بتألم بعد صمت:
- أنا أعيش هنا.
استغرب الفتى ذلك لكنه صدقها حين وجد أنها سليمة دون جراح هو نفسه لم يعرف مالذي أتى به إلى هنا و هو في الخامسة عشر فقط و لم يجد ممن هم في سنه لكن كل ما أراده الآن هو الخروج من هذا الجحيم.

سمعا صوتا قادما فجأة فأطفأت لوسي الشمعة و سحبت الفتى من ذراعه إلى غرفة مجاورة و لسوء حظهما فقد دخل إليها الخادم لكنهما كانا مختبئين تحت السرير و كانا يراقبان قدماه و هو يتحرك في الغرفة نظرت لوسي إلى الفتى لتجده ينظر بذعر حقيقي و يتصبب عرقا لذا أمسكت بيده بقوة لكن ذلك لم ينفع و قد كان الخادم يقترب من السرير لينحني فجأة و يلتقط شيئا من على الأرض و يخرج.

تنفست لوسي الصعداء لكن الرعب غزاها مجددا حين بدأ الفتى الكلام بأعلى مستويات الذعر:
- لا.... أريد....لا أريدالعودة إلى هناك مجددا..إن أمسك بي...سيبقيني هناك حتى أكبر...و عندها سيطعمني لهم دون رحمة....لقد.... أكلوهم أمام عيناي...و هم أحياء.
عندها بدأ قلبها يدق بقوة حين تذكرت قول كاثرين
"سيطعمنا لهم جميعا" عندها سألته بهدوء:
- إلى من سيطعمكم؟
عندها نظر إليها الفتى نظرة أدخلت جرعة زائدة أخرى من الفزع و نطق بارتعاد:
- يطعمنا إليهم...آكلوا البشر....هذا كل ما أعرفه...
لم يكن الوضع يسمح أن يكون كلاهما مذعورا لذا حاولت لوسي التماسك و أحاطت ذراعها حول كتف الفتى و قالت بهدوء:
- سنخرج من هنا...اهدأ سنخرج.
و بقيا تحت السرير لوقت حتى هدأ المكان عندها خرجا و تسللا بهدوء في الظلام حتى سمعا وقع خطى سريعة خلفهما عندها انطلقت لوسي دون أن تنظر للخلف و تعثر الفتى بقوة و عندها شعر بمن أمسكه من الخلف و رفعه للأعلى ليتبين أنه نفس ذلك الخادم الذي بدأ الكلام:
- أمسكت بك أيها المشاغب! كيف تمكنت من الهرب من هناك هاه؟!
عندها بدأ الفتى بالصراخ هستيريا و هو يحاول الإفلات:
- لا! لا تعدني إلى هناك! أتوسل إليك دعني أذهب!
عندها صفعه الخادم صفعة أوقعته أرضا دون رحمة ثم حمله رغما عنه و أمسك فمه بقوة و قال و هو يعيده:
- اخرس! إن سمعك السيد و قد هربت...فسيكون كلانا في موقف لا نحسد عليه! 

عندها شعر الخادم بضربة على رأسه سقط إثرها أرضا أفلت منه الفتى و ابتعد عنه ليفاجأ برؤية لوسي و هي تقف خلف جسد الخادم و تحمل عصا معدنية شعر بسعادة هائلة أنها عادت و كانت مرتبعة و تلهث و فقدت السيطرة على نفسها و جلست أرضا حين رأت رأس الخادم ينزف و ملأ الأرض دما فأدركت أنها قتلته.
عندها نهض الفتى إليها و هزها برعب:
- هيا علينا الهرب قبل أن يأتي أحد آخر!
بقيت زائغة العينين قبل أن تشعر بشيئ خلفها فتنظر ببطء لتجده نفس الخيال الأسود ثم اختفى سريعا ذعر الفتى من رؤيته لكنها قالت و هي تنهض:
- لا بأس هو لن يؤذينا.

أسندت الفتى إليها و نزلا عبر الدرج عندها وجدت الخيال واقفا عند الممر الذي يؤدي لغرفتها و درج النزول تقدما منه لكنه لم يتحرك عندها شعرت لوسي بالقلق و همست:
- علينا التراجع...لنذهب للدرج الخلفي.
بطريقة ما فهمت أن الخيال يساعدها نوعا ما لذا لا خيار غير القيام بما شعرت أنه يريده.
نزلا من الدرج الخلفي إلى الطابق الأرضي لكنها وجدت فجأة بابا عند الباب الرئيسي تفاجأت عند رؤيته فقد ظنت أنه نائم و بدا أنه ينتظر أحدا تراجعت من الممر و قررت الخروج من الباب الخلفي حين شعرت بالفتى يرتعد و يردد:
- إنه هو! نفسه من يأتي إلي في كل مرة!
- بابا؟!
نظر إليها بعدم استيعاب و لم يسأل شيئا ثم ذهبت للباب الخلفي و فتحته بكل ما استطاعت من هدوء و خرجا بهدوء نحو الباحة الخلفية لتجد الظلام حالكا عندها جلس الفتى أرضا بقوة من التعب و حين جلست لوسي أمامه لينهض مجددا رأت بابا يقف عند الباب.

أصوات مكتومةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن