☆الفصل الثاني ☆

142 7 6
                                    

{رب صدفة خير من ألف ميعاد}

※※※※※※※※※※※※※※※※※

"تلك ذات المعطف الأزرق هناك"
نظر جلال إلى ما يشير إليه رئيسه المجنون فوجد فتاه ضئيلة الحجم ترتدي معطف أزرق على سروال من الجينز الأسود الباهت،تبدو شاردة بائسة و ملامح وجهها يعلوها التعب!!!
عاد بنظره مرة أخرى إلى رئيسه فوجده هو الآخر ينظر آليها و يتمعن في ملامحها بتركيز!!
أجلى صوته و قال ببعض التحشرج الذي لم يستطع التخلص منه..

"سيدي يبدو جليا أنها مهندسة...فكيف تريد أن تجعلها تعمل كسركرتيرة؟!!"
سلخ رواد عينيه من على وجهها و سلطها على وجه جلال المستنكر قائلاً بأستهانة...

"هذا ليس من شأني سيد جلال...أريد تلك الفتاه على مكتب السكرتيرة بعد قليل...تصرف و أفعل شيء بدلا من أن تفغر فاهك كالأبله هكذا!!.."
أنهى حديثه ثم أستدار يكمل الطريق إلى مكتبه بخطوات متكاسلة كالضواري!!
بينما جلال وقف في مكانه يزفر و يستغفر ربه من أفعال ذلك الشاب..و رب الكون و لو لم يكن يحتاج لهذا العمل بشدة من أجل أطفاله لكان تركه له منذ زمن بعيد..

أخذ نفسا طويلا ثم زفره ببطئ و توجه مباشرة إلى مكتب الأستاذ شوقي!!
دق الباب ثم دخل بعد أن أذن له شوقي المسئول عن أختيار المهندسين الجدد و توظيف كلا منهم حسب تخصصه و احتياج الشركة لهم....

قال شوقي بحبور مرحباً بصديقه اللدود...
"أشرقت الأنوار سيد جلال...لمن أدين بهذا الشرف يا ترا؟!!"
جلس جلال على المقعد المقابل لشوقي قائلاًبصوت بأئس و هو يلوي شفتيه بأمتعاض..
"تدين به إلى الرئيس العظيم"
أنطلقت ضحكات شوقي الخفيفة ثم قال بأستفسار..

" ماذا فعل بك هذا المرة أيضا أيها المسكين؟!!"
تنهد جلال بتعب و قال بخفوت و هو يعدد على أصابعه ما فعل به الرئيس...
" قام بخصم أسبوعان من راتبي المتهالك...بل و يريد سكرتيرة جديدة في الحال بعد أن تركت الأخرى العمل و كأنها تفر من مطاردة الأشباح...و الأدهى من ذلك أن السيد العظيم وقع أختياره على مهندسة من المصتفين في الخارج و ذلك لسوء حظها و حظي بالطبع!!!"
أعتلت الدهشة ملامح شوقي و قال بحيرة...
"و منذ متى يهتم بمن يعمل بتلك
الوظيفة؟!!...لم يسبق له الأهتمام بمثل تلك الأمور من قبل!!"
مسح جلال وجهه بأنهاك و قال بعدم أهتمام فهو أعتاد غرابة أطوار رئيسه منذ زمن و لم يعد يستغرب عنه شيء...
" لا أعلم ما به....تعلم أنه غريب الأطوار دائماً لا أستبعد عنه شيء...إنه سادي و مجنون يا رجل!!"
أبتسم شوقي على عبارة صديقه التي تشي بمقدار ما يشعر به من غيظ من الرئيس و أفعاله غير المتوقعة..
" إذا لقد أتيت إلي لأنك تريد مساعدتي في هذا الشأن أليس كذلك "
أوم جلال برأسه في إيجاب صامت
فقال شوقي بأستفهام...
" و ماذا تريد مني أن أفعل  ؟!!"
أقترب جلال و أستند بكفه على المكتب أمامه ثم قال بخفوت و كأنه يخشى أن يسمع خطته الشريرة أحد!!
" ستخبرها أن الشركة أكتفت و لم يعد لها حاجة إلى مهندسين من مجالها أي كان هو......و لكننا في حاجة ماسة إلى مديرة مكتب خاصة بالرئيس....ولا تشترط الخبرة لأنها بالتأكيد ستهرب عندما يصرخ في وجهها بصوته المخيف ذاك...و أعتقد ان الراتب الخيالي الذي ستتقاضه سيكون خير كفيلا بأقناعها....
************
دلف إلى مكتبه الذي بتنفس أناقة و رقي لا يختلف كثيراً عن غرفته الموجودة في منزل جده..
كانت الغرفة عبارة عن مكتب متوسط الحجم من خشب الزان القوي يقع خلفه كرسي كبير الحجم ذو عجلات دوارة يكسوه الجلد الأسود و أريكة متوسطة الحجم تجمع بين اللونين الأبيض و الأسود في خطوط مستعرضة و  متجانسة بشكل مبهر ...
خلع سترته ثم حل أول زرين من قميصه ناصع البياض كاشفا عن صدره العضلي القوي بفعل ساعات طويلة يقضيها في غرفة الرياضة الخاصة به...
مط جسده ثم توجه إلى الزاوية الموجود بها مشغل الأقراص خاصته و قام بتشغيله على مقطوعة موسيقي من تلك المقاطع المفضلة لديه
و التي صدحت تشدو ذلك اللحن العذب و الذي يجعلك تسترخي رغماً عنك....
تمدد فوق الأريكة و شبك كلا يديه أسفل رأسه ثم أغمض عينيه و أخذ يسترخي مع اللحن الذي يأخذه إلى عوالم آخرى لا يريد العودة منها....
*************
ضمت الحقيبة إلى صدرها أكثر و هي تتطلع لما حولها بتيه و كأنها طفلة تلهو في عالم الكبار!!!.
و يالمفارقة فهي بالفعل تبدو كطفلة صغيرة بجسدها الضئيل هذا و ملامح وجهها الطفولية!!..
شددت من تمسكها بحقيبتها أكثر و هي تشعر بالخوف من ما هي مقدمة عليه...
أنها المرة الأولى التي ستعمل بها منذ أن أنهت دارستها الجامعية منذ سنوات بعد ولادتها لرولا لذا لم تفكر في العمل من قبل مطلقاً و ظافر لم يكن ليتركها تعمل!!
و يالسخرية القدر منها الآن ها هي تسعى إلى العمل بكل جهدها حتى تستقل بنفسها و طفلتها و لتهرب من قبضة ظافر نفسه ناشدة الهرب أيضاً من سيطرة والدتها التي تصر على عودتها إليه و كأن وجودهم معا من ثوابت الكون و الذي لن يستقيم من دونه!!..
أرتسمت أبتسامة سخرية حزينة فوق شفتيها من حالها البائس فأقرب الناس إليها و الذين من المفترض بهم حمايتها هم من تهرب منهم الآن!!
و لكنها لن تستسلم أبداً
و قد بدأت أخيراً في التحرر
لن تعود مرة أخرى إلى ذلك العذاب بقدميها و لو لعنها جميع من في الأرض على ذلك..
لقد أكتفت حقاً أكتفت..
و لكنها و بالرغم من قناع الصلابة الذي تدعيه إلا أنها  في داخلها ترتعد من الخوف..تخشي أن تهزمها مشاعرها  الهشة ذات يوم  أو تتكابل عليها أحوالها السيئة فتعود إليه منكسة الرأس من جديد و بجرح جديد يضاف إلى جروحها التي لم تندمل منه بعد...
همست بداخلها بتضرع..
"يا إلهي كن معي...ليس لدي غيرك أعني يا الله و ألهمني القدرة على التحمل و الصبر.."
قاطع شرودها صوت السكرتيرة و هي تقول بصوت مرتفع حتى يسمعها الجميع...
" لقد أنتهينا اليوم أيها السادة و سنكمل باقي المقابلات في الغد بإذن الله.."
وقفت رفاء و قد تهدلت كتفيها بأحباط و لكنها توقفت بغتة حين أشارت إليها ذات الفتاه قائلة برقة..
" فلتبقي أنت سيدتي....السيد شوقي يريد التحدث معك بضع دقائق.."
علت الدهشة ملامح رفاء و قالت و هي تشير إلى نفسها بأصبعها...
" أنا من تقصدين؟!!"
أبتسمت الفتاه و قالت بود...
" نعم أنت سيدتي...تفضلي أنه في أنتظارك "
أبتلعت رفاء ريقها الجاف و هي تشعر بالتوجس و لكنها مع ذلك توجهت إلى باب المكتب حيث أشارت الفتاه
وقفت أمام الباب قليلا و هي تتنفس بسرعة ثم طرقت الباب بخشية..
حتى أستمعت إلى صوت خشن يأمرها بالدخول..فخطت بقدميها إلى الداخل و هي تنظر حولها بريبة و توجس
لكنها حالما توقفت أمام مكتب الرجل قال ببشاشة مرحباً بها...
" لقد أشرقت الأنوار...تفضلي بالجلوس أنستي "
تقدمت رفاء و جلست في مواجهته و هي ما تزال تشعر بالتوجس و الرهبة شبكت يديها فوق حقيبتها التي وضعتها فوق ساقيها..
حالما جلست قال شوقي بأبتسامة كشفت عن صف أسنانه البيضاء...
" في البداية..أريد معرفة أسمك أنستي "
أختفى بعض التوجس من داخلها من أبتسامة الرجل الحانية فقالت بصوت خافت مرتبك....
" أدعى رفاء محمود زيدان سيدي "
أتسعت أبتسامة شوقي حتى شملت وجهه بأكمله من عفويتها ثم قال ممازحا...
" سررت بالتعرف إليك أنسة رفاء محمود زيدان.."
أبتسمت رفاء أبتسامة صغيرة من مزحته على طريقتها في قول أسمها الكامل كما يفعل الأطفال الصغار..
شعر شوقي بالشفقة على تلك التي تبدو عفوية و صافية كما الأطفال من التعامل الذي ستتلاقه من رئيسه الشرس الطباع و الذي ما ينفك يمتعهم بوصلة يومية من صراخه المخيف و الذي يصلهم إلى مكاتبهم فيرتعدون من الخوف..
حقاً يشفق عليها!!
أجلى شوقي حلقه ثم قال بنبرة عملية..
"إذا لقد أتيت من أجل الإعلان الذي نطلب به مهندسين جدد أليس كذلك أنسة رفاء؟!!"
هزت رفاء رأسها في إيجاب قائلة...
" نعم سيدي أتيت من أجل تلك الوظيفة "
أستند شوقي بظهره إلى الكرسي ثم عقد ذراعيه فوق صدره قائلاً بأسف..
" إذا يؤسفني أنا أخبرك إنه لم يعد لدينا مكان شاغر من أجلك أنسة رفاء...لقد أكتفت الشركة من المتقدمون "
شحب وجه رفاء بشدة و قالت يأرتباك و هي تتلعثم...
" لكن اااا السكرتيرة..قالت...سيدي اااأنا "
قال شوقي سريعاً مخففا عنها و قد تعاظم شعوره بالشفقة نحوها...
" لكن الشركة في حاجة ماسةإلى مديرة مكتب لرئيس مجلس الإدارة  إن كنت مهتمة بأمر العمل؟!!"
لم تفهم رفاء عن ماذا يتحدث أو ماذا يقصد فقد توقف عقلها تماما عند نقطة واحدة و هي  أنهم أكتفو و أن تلك الوظيفة لم تعد متاحة من أجلها لذا شعرت بالرعب يكتنفها من فشلها في العثور على عمل يمكنها من الأستقلال الذي تنشده...
صمت شوقي قليلا ثم قال يحثها على الحديث...
" ما رأيك أنسة رفاء؟!!...هل أنت مهتمة؟!!"
نظرت إليه رفاء بضياع و حيرة و هي لا تفهم شيء من ما قال لقد تشوش عقلها كلياًّ فأصبحت غير قادرة على أستيعاب حرف واحد من ما يريد!!...
لذا قالت بأهتزاز بصوتا ضعيف بالكاد يمكنك سماعه...
"عذراً..لم أفهم ماذا تريد مني سيدي؟!.."
أبتسم شوقي بحنان و هو يرى تشتتها جليا على ملامحها الشفافة...تلك الفتاه لن تصمد يومين مع الرئيس حتى تركض هاربة من المؤسسة بأكملها...
قال بهدوء بدون أن يظهر أي شيء من ما يدور في رأسه على صفحة وجهه. 
" قصدت أنك إن كنت تريدين هذا العمل بشدة فهناك وظيفة أخرى متاحة غير تلك التي قدمت من أجلها.."
نظرت رفاء إليه بأمل و كأنه طوق نجاتها من الغرق قائلة بلهفة لم تستطع مدارتها....
" و ما هي تلك الوظيفة سيدي؟!!.."
★★★★★★★
صف سيارته أمام منزله و لكنه لم يترجل منها على الفور بل ظل جالسا داخلها يعتصر المقود المسكين بين يديه!!
إنه لشعور مقيت ذلك الشعور الذي يتملكه الآن!!
يشعر بالخسارة تغمره من رأسه حتى أخمص قدميه..
لقد أضاع كل ذا قيمة في حياته من أجل لا شيء مجرد متعة رخصية زائلة ككل شيء رخيص..
فهل كانت تستحق كل ما خسره في سبيلها؟!!
لقد خسر كل شيء
خسر زوجته التي أحبها طوال عمره
خسر أبنته التي كان يتمنها في كل لحظة من حياته
و أن ظل على هذا المنوال سيخسر عمله الذي تعب بكد حتى وصل به إلى ذلك المستوى عما قريب..
و لكن هل يلوم غيره و كل ما وصل إليه الآن كان من صنيع يده!!!
نظر من زجاج النافذة إلى ذلك البناء الشاهق الذي يقع أمامه بحسرة تعتصر قلبه..
لقد أصبح المنزل أشبه بالمقبرة منذ غادرته صاحبته!!
لم يعد منزله مرفأ أمانه و راحته بعد عناء يوم عملا شاق
بل أصبح شيء خاوي لا روح فيه ولا حياة مجرد جدران صماء تبعث البردوة في العظام!!
لم يعد يريد العودة إلى المنزل حتى لا تذكره الجدران بمن رحلو تاركين له ذلك الطعم الصدأ في حلقه من خسارتهم..
كيف سيمكنه المضى في حياته بدونهم؟!!
و هل ستكون هناك من بعدهم حياة!!
هز رأسه بحدة رافضا ذلك الخاطر البغيض..
سيستاعيدهم من جديد و سيصلح كل شيء و سيقلع عن تلك العادة القميئة..
و لكن هل تقلع عنه هي تلك التي دمرت كل ما هو جميل به؟!!
هل يعود كما كان يوما؟!!
يشهد الله أنه لم ليكن ليستحل الحرام حتى و لو بمجرد نظرة عابرة..
لم يكن ليستبيح لنفسه لذة محرمة و هو في كامل وعيه مطلقاً..
و لكن أين هو ذاك من الحاضر الآن يا ظافر؟!!
كيف تشبعت بالقذراة لتلك الدرجة!!
أبتلع غصة مسننة في حلقه ثم فتح باب السيارة و ترجل منها بعد أن صفق بابها بكل حدة..
سار بخطوات منهكة مهزومة إلى الداخل،وقف أمام المصعد ينتظر عودته من الأعلى و لكن على ما يبدو أن هناك عطل ما به...
لذا زفر بحده ثم توجه إلى الدرج يصعده درجة درجة و مع كل درجة يصعدها كان صدره ينقبض بشعور كريه.
شعور لا يحبه أبداً و لا يستطيع التعامل معه.
إنه الشعور بالوحدة.
منذ رحيل والديه سوياً و هو يمقت هذا الشعور و لكنه ما ينفك يحاصره مستعمرا روحه متغلغلا بها ناسفا أي شيء أخر عداه...
أخيراً وصل إلى شقته الخالية كما حياته البائسة!!
دلف إلى الداخل و بخطوات ثقيلة كالثقل الموجود في جانب صدره..
وقف أمام غرفة الصغيرة و قد شوشت عينيه غلالة رقيقة من الدموع...
أبنته الصغيرة ذات الأعوام الأربع،حبيبة قلبه و مهجته...صغيرته التي أنتظر قدومها شهر بعد شهر حتى ظن أنها أعوام طويلة و ليست عدة شهور!!..
أين هي الآن؟!!!
ماذا فعلت لها يا ظافر؟!
صغيرتك التي أنتظرتها طويلاً ماذا قدمت لها؟!!
لا شيء
لم تفعل من أجلها أي شيء
حتى إنك عجزت أن تكون لها مثالا مشرفا تحتذي به حين تشب عن الطوق....
و رفاء؟!!
ماذا فعلت من أجلها تلك التي لطالما تغنيت بعشقها؟!!
لقد قدمت لها كل ما هو بشع ولا يغتفر
وجع
خيانة
إهانة
و دموع كثيفة ما تزال تذرفها حتى الآن!!..
دهستها أنوثتها و حطمت مشاعرها الفتية في فورة أندفاعك و شغفك الزائل....
و الآن تريد العودة لها من جديد و استعادة أبنتك!!
هكذا بمنتهى البساطة!!!
ماذا قدمت لها بالله عليك يجعلها تفكر في العودة لك من جديد!!!
و هل أنت قادر حقا على الأخلاص لها و التوقف عن خيانتها
و سوست له نفسه قائلة..
أنت حتى لست بقادر على السيطرة على نظرة عينيك التي تتطلع إلى أجساد النساء  و تنهش سترهم
أنت تستمتع بذلك فلماذا تريد التوقف
كل هذا من أجل إرضاء رفاء..
ان كنت ناسيا أو متناسيا غضب الله عز وجل من ما تفعل
فهل ستهتم بإرضاء مجرد عبد ضعيف لا يملك من أمره شيء!!!
لا يا ظافر أنت ما يزال أمامك الطريق طويل
طويلاً جداً
و ستمضي فيه وحيداً حتى تستفيق من غفلتك
وحيداً بدون أحد
أنت هو جيشك الوحيد
فهل تحارب من جديد أم تستسلم كما المعتاد
؟؟!
ظل هذا السؤال يتردد بداخل عقله بدون أن يجد له إجابة شافية بل أزداد تشوشه الدائم و يبدو أنه لن يجد الإجابة قريباً...
※※※※※※※※※※
※※※※
على عكسه تماما دخلت مهرة منزلها و هي تشعر بالكثير من الأشتياق إلى شقيقها الصغير و أمها الحبيبة و إلى ذلك الدفئ المنبعث من أرجاء هذا المنزل الحميمي الصغير...
رمت حقيبتها على الأريكة بإهمال و هي تتطلع حولها تبحث عن علي شقيقها الصغير و لكنها لا تجده في الأرجاء
لذا لم يكن أمامها خيار سوى أن تقول بصوتا خبيث مرتفع...
"يبدو أن علي ليس موجودا هنا...لذا يمكنني تناول الحلوى وحدي..."
و كما توقعت تماما ما هي الا لحظات قليلة حتى ظهر القرد الصغير من أسفل المائدة ينظر إليها بقوة قائلاً بلهجة شريرة و هو يرفع حاجب واحد كالمجرمين..
" إياك أن تفكري بفعل ذلك...تلك الحلوى لي "
هبطت مهرة على قدميها حتى وصلت إلى مستوى طوله و قالت محاولة التحكم في تعابير وجهها مظهرة صرامة زائفة...
"أولا أخبرني..ماذا كنت تفعل أسفل المائدة سيادة القرد الصغير؟!!"
خرج من أسفل المائدة يمط ظهره بحركات مضحكة قائلاً...
"كنت أدرس بالطبع"
قالت بسخرية و هي تجذبه من أذنه بمزاحا خشن إعتادت عليه معه...
"أي دراسة تلك و التي لا تكون سوى أسفل المائدة!!!...أخبرني ماذا كنت تفعل ولا تستخف بعقلي أيها القرد"
تأوه الصغير و هو يحاول دفعها بعيداً عنه لكنه لم يستطع بسبب فارق الحجم الهائل بينهم..
لكنها أخيراً تركت أذنه المسكينة بعد أن أصبحت حمراء فمد يده يحكها بآلم قائلاًبخفوت حتى لا تسمعه و تعاود جذب أذنه من جديد...
"شريرة"
كانت قد أبتعدت عنه بضع خطوات صوب غرفتها عندما توقفت و نظرت إليه قائلة....
"لقد سمعتك أيها القرد و أنا لست شريرة بالمناسبة"
أرتفع صوته يقول بغيظ حين وجدها دلفت إلى غرفتها أخيراً..
"بلى شريرة و ما أدراك أنت"
أخرجت رأسها سريعاً من إطار الباب و كأنها كانت تنظره أن يقول ذلك ثم قالت بتفكه و هي ترفع حاجبها المنمق الجميل..
"لقد سمعتك من جديد....ماذا بك يا علي يبدو أنك تريد مني معاودة شد أذنك الصغيرة مجدداً !!"
هز رأسه قائلاً بخوف مصطنع...
"لا لا حبيبتي بك الخير...أذهبي يا أختي الجميلة إلى النوم فيبدو عليك التعب جليا...هيا هيا أذهبي.."
ابتسمت قائلة بتهكم...
"حسنا لن أشد أذنك هذة المرة...لكن في المرة القادمة سوف أشدها بقوة حتى تصرخ من شدة الآلم...اه علي بالمناسبة أين أمي لا اسمع لها صوتا منذ وصلت"
قال علي و هو منشغل بفض غلاف الحلوى التي أبتاعتها له...
"تناولت دوائها و خلدت إلى النوم فقد كانت متعبة قليلاً"
زفرت مهرة بثقل قائلة...
" هل تحركت كثيراً أثناء غيابي؟؟!!"
تلعثم علي قليلاًو هو يقول...
"لاااا لااا لم تتحرك كثيرا"
نظرت إليه بجدية ثم قالت بصرامة تستخدمها معه نادرا...
"علي أنت تكذب أليس كذلك؟؟"
نظر أرضاً من الخجل ثم قال بخفوت..
"نعم"
تجاهلته مهرة و توجهت إلى غرفة والدتها تطرق الباب برفق
دلفت إلى الغرفة الصغيرة بخطوات متمهلة قليلاً..
وجدت والدتها ترقد فوق فراشها يبدو عليها الوهن و التعب..جلست بجانبها فأبتسمت لها والداتها قائلة بوهن....
" لقد عدت حبيبتي "
أبتسمت مهرة و هي ترفع يد والدتها إلى فمها كي تقبلها قائلة و الحنان يقطر من صوتها العذب...
"نعم حبيبتي لقد وصلت الآن...هل أنتي بخير"
أومت والدتها برأسها في إيجاب قائلة....
"الحمدلله يا أبنتي أنا في خير حال"
إنحنت مهرة و قبلت رأسها و هي تحبس دموعها قائلة بغصة....
"حفظك الله لنا يا أمي ولا حرمنا من رائحتك العطرة أبداً"
أبتلعت غصتها قائلة بعد حين و هي تعتدل واقفة...
"سأذهب و أعد الغداء ريثما ترتحين قليلاً"
"حسنا حبيبتي"
قالتها والدتها و هي تغمض عينيها بالفعل ذاهبة في النوم بسبب تأثير ذلك الدواء و الذي يجعلها تنام لفترات طويلة..
أبتسمت مهرة بأجهاد ثم أستدارت مغادرة الغرفة و توجهت من فورها إلى المطبخ الصغير كي تعد الغداء...
※※※※※※※※
بعد أن تناول كلا من علي و والداته الطعام دخلت مهرة غرفتها بعد أن أخذت حمام منعش أزال عنها تعب اليوم بأكمله..
جففت شعرها الطويل أمام المرأة ثم بدأت بتمشيطه و هي شاردة في ذلك الطبيب المطلق الوسيم و الذي يصادف أن تعمل لديه!!!!
نظراته التي تناسب على جسدها و كأنه يرسم تفاصيله بعينيه الوقحة التي تعريها من ملابسها!!
تعلم ما يريده جيداً
لكنه لن يحصل عليه أبداً لانها أنسانة تعلم قدر نفسها جيداً
هي بكل بساطة أطهر و أغلى من أن تكون مجرد سقطة من سقطاته الكثيرة...
حتى و أن كان يثير فضولها بعض الشيء!!
و لكنه يظل مجرد فضول، و هي قادرة تماما على جعله يظل في حيز الفضول!!
لقد قابلت الكثير و تحملت الأكثر من ذلك و مع هذا ما تزال شامخة لم تكسرها الصعاب..
لذا فهذا الطبيب بنظراته الوقحة لا يمثل ذرة مقارنة مع مرت به من قبل..
و هي تحتاج إلى هذا العمل بشدة و ليست مستعدة لخسارته من أجل ترهات لا طائل منها..
أنهت تمشيط شعرها ثم توجهت إلى فراشها و تمددت عليه ثم رفعت الغطاء فوقها..
و كانت مجرد دقائق قليلة قبل أن تغط في نوما عميق!!..
★★★★★★★★
_هيا يا صغيري لقد أقتربت
قالها والده بصوته الحنون يشجعه على التسلق أكثر و أكثر
_ أبي أن أصابعي تؤلمني كثيراً..هل يمكني النزول؟؟..
_تحمل قليلاً يا رواد لم يبقى إلا القليل...هيا يا صغيري واصل التسلق أكثر لقد أقتربت..
أوم رواد برأسه قائلاً و هو يتشبث بأصابعه في نتؤات النخلة التي يتسلقها جيداً..محاولا التسلق أكثر فأكثر ببطء
كادت قدمه أن تنزلق في بعض الأحيان لكنه أستطع أخيراً بلوغ قمة النخلة ثم هتف قائلاً بحماس و سعادة طفولية..
_لقد فعلتها يا أبي...لقد فعلتها!!!
أبتسم والده بحنان قائلاً..
_نعم يا صغيري قد فعلتها لأنك أصريت عليها فعلتها...تعلم يا رواد أن الأصرار و العزيمة ستجعلك تفعل المستحيل يا بني..فقط تحلى بالإيمان و الثقة بنفسك و ستحقق الكثير..
أبتسم رواد قائلاً و هو يهز رأسه بأنه سيفعل بالتأكيد...
_هيا يا أبي التقط لي صورة و أنا بالأعلى حتى أريها لزمالائي بالصف...
_حسنا هيا أريني أبتسامتك الجميلة...
فتح عينيه بعد أنتهاء الموسيقى الحالمة و قد ولت الذكرى راحلة هي الأخرى!!
كم مضى على رحيل والده؟؟!!
خمسة عشر عاماً كاملة
أنها نصف عمره تقريباً بل أقل بعام أو عامين!!
و مع ذلك ما يزال يشعر بذلك الطعم الصدئ في حلقه كلما تذكر أنه رحل و لن يعود!!
لقد أصبح رجلاً الآن و لم يعد طفل و لكنه نفس الآلم لم يقل و لو مقدار ذرة صغيرة..
لقد كان والده يمثل له الحياة حقيقة لا مجازا...
أعتدل جالسا من نومته ثم وقف على قدميه و توجهه إلى مكتبه و فتح إحدى جواريره مخرجا منها صندوق أسود صغير في حجم كف اليد..
فتح الصندوق الغصير و أخذ ينظر إلى داخله قليلاً
ثم مد أصابعه و أخرج مسبحة ضئيلة خرازتها الصغير من العقيق الأسود اللامع  ..
أمسك المسبحة بأصابعه التي أخذت تحرك الخرزات بشرود بينما الآلم يصرخ من عينيه السوداء الشبيهة بتلك الخرازت..
لقد فقده قبل أن يشبع منه
قبل أن يشبع من حنانه
لقد كان أكبر من الطفل بقليل
كان يحتاجه و لازال
اااااااااه
من هذا الوجع
متى يخفت الآلم يا رواد متى!!!
أغمض عينيه و قبض على المسبحة في قبضته بقوة حتى كادت أن تجرح راحة يده ثم رفعها إلى صدره و أخذ
يضرب بقبضته المضمومة صدره بحركة رتيبة تزاد قوة مع كل ضربة حتى تحولت إلى ضربات سريعة أكثر عنفا!!!
فتح عينيه أخيراً و قد تحول اللون الأبيض بها إلى الأحمر من شدة الغضب و الآلم معا..
فتح قبضته و أعاد المسبحة إلى الصندوق من جديد ثم أغلق الجارور و قد فقد الرغبة في متابعة العمل..
من الأفضل أن يذهب إلى المنزل.
لذا توجهه إلى سترته الملقاه على ذراع الإريكة و علقها بين إصبعيه خلف ظهره راحلا!!!
★★★★★★★★
كانت تسير و هي تفكر بشرود فيما أخبرها به الأستاذ شوقي عندما توقفت قدميها أمام المصعد فأستقلته و هي ما تزال شاردة!!!..
ماذا يجب عليها أن تفعل؟؟..
هل تقبل أم ترفض؟!!
و هل تملك حقا رفاهية الرفض و التغافل عن مثل ذلك الراتب و الذي لن تتاقضى نصفه حتى لو عملت مهندسة؟!!..
أم تقبل و تتخلى عن شهادتها و تعبها طوال سنوات الدراسة بمثل تلك البساطة؟!!
أيهما تختار مكانتها العملية و تعب سنوات أم راتب ضخم يجعلها تستقل بطفلتها ملبية جميع أحتياجاتها بدون أن تحتاج لأحد...
أيهما تختار؟!!
كان عقلها يكاد ينفجر من شدة تناطح الأفكار بداخله لكنها توقفت فجأة و فتحت عينيها على أتساعها عندما رأت في غمرة شرودها حذاء رجالي أسود اللون وضعه صاحبه بداخل المصعد قبل أن يغلق بأنشات قليلة معيقا إغلاقه!!!..
غزت أنفها رائحة عطر رجولي قوي عندما دخل صاحب الحذاء بكامل جسده داخل المصعد،فرفعت عينيها سريعاً والتي توقفت فوق الحذاء فأصتدمت عينيها بعينين فحمية عميقة خالية من التعبير و كأنها ميتة!!!..
إنغلق الباب بعد دخوله العاصف على الفور و كأنه كان ينتظر دخوله!!!
شعرت بأختلاف في ذرات الهواء المحيطة و بأختناق حاد يؤلم صدرها!!
وضعت يدها مفرودة فوق صدرها تخفف من أختناقة اللا مبرر!!
أنسحبت بجسدها إلى الزواية القريبة من الباب تتحاشى الأقتراب منه فتبدو عليه سمات الخطورة و الشرسة جليه من ما جعلها تخشاه!!
أتسعت عينيها بقوة حتى بدت كطبقي فنجان عندما رأته يتقدم نحوها ببطء!!!
أذدرت ريقها الجاف بخوف عندما رأته أقترب منها حتى أصبح لا يفصل بينهم سوى أنشات قليلة...
ماذا يريد؟!!
كان تتراجع إلى الخلف برعب حتى ألتصقت باب المصعد
لماذا ينظر لها هكذا؟؟!!
تجمدت أطرافها و كاد قلبها أن يتوقف عن الخفق رعبا و هو ما يزال يقترب ببطء!!
أخيراً توقف أمامها مباشرة و رفع يده فأنكمشت على نفسها و هي تغمض عينيها برعب...
و لكن يديه تجاوزتها لما ورائها!!
فقد كانت تقف أمام لوحة المفاتيح تماما!!!
ضغط على بعض الأزرار ثم أنسحب إلى مكانه من جديد ببطء و صمت!!
وقف يستند إلى الجدار عاقدا ذراعيه إلى صدره بينما عينيه مثبتتين فوقها بدون تعبير!!
بينما هي ما تزال متسعة العينين لم تخرج من تأثير ما حدث بعد!!!....
★★★★★★★★
الفصل خلص و نزلته ع طول
أتمنى يعجبكم و تتفاعلو مع الرواية و الأبطال
بشكر البنات اللي بتسأل عن الرواية و بتعمل فوت للفصل بجد مرسي...
أنتظرو صور الأبطال الليلة 😌😌😌😌




و كانت بدايتي هنا  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن