الجزء الاول

11 0 0
                                    

عجيب امرها! جميلة هي في الغروب كالشمس، وبين الوعي واللاوعي اتأمل وجهها..

لتداعب الذكريات وتسيطر على الكيان ففي اقصى حالات الثمالة اراها بوضوح، اجل انها هي بالفعل، عرفت ان لون البحر تلوّن من عينيها، تمنيت ساعتها ان اكون بكامل وعيي وبيدي ورقة وقلم لأرسم تلك اللوحة البديعة بدلاً من تلك المُعلّقة على جدران غرفتي، فهي ملكي لا حق لغيري برسمها، وما ان اطلت النظر حتَّى حملتني دهشتي إلى السماء بعيدا عنها فلقائها كان بمثابة عدم اللقاء.

كالمعتاد في كل ليلة عند افول قرص الشمس الذهبي وطغيان غسق الدجى، يدخل بيته الدامس متوجها لتلك الغرفة حيث مملكته المدلهمة وقد أعيت عقله الأفكار، انّه رجل وفيّ لدرجة لا يريد معها ان ينسى شيئا من احداث هذه القصة الطويلة التي جعلت منه عاشقا افلاطونيا، حتّى لو اصبح لون بشرته في الصباح ابيض وفي الليل اسود، بعد ان تقوقع في عقله متقمصاً الشخصية التي دخلت عليه من باب حُبّه الافلاطوني لتحوله إلى حُبّ أفلاطوني.

سحب كرسيه ووضعه وسط الحجرة كما يفعل دائماً، بعد ان اصبحت عادة وسلوكا يوميّاً، وماتزال تلك القبعة السوداء الغريبة التي تكاد ان تخفي أغلب ملامح وجهه، على الرغم من معطفه الطويل واناقة ملبسه الساحر، وعند الحديث عن روي صاحب النظرات الساحرة والعينين الخضراوتين الكفيلتين بإيقاع من تنظران إليه، وبشرته ذات الاحمرار التي تميل إلى السواد على الرغم من وجود بياض مكبوت. كان يبدو طويل القامة مفتول العضلات، شعره شبيه بالليل الأدهم، لكنّه محمر العينين مع اتّساع حدقتيهما وتورم جفنيه من شدّة الأرق.

جلس على كرسيه ومدّ يده بجيب بنطاله ليخرج سيجارة يسلّي بها شفتيه، كان للغرفة نافذة صغيرة يتسلّل من خلالها ضوء القمر الذي يسقط على وجهه كاشفا الجانب الموجهة، لكنّه لم يصل إلى تلك الجهة المظلمة منه، وعلى مسافة متر واحد توجد قطعة اثاث من لوح خشبي قديم مصبوغة باللون القاتم وزجاجة مشروب كحولي وقدح لاحتساء الشراب وطاولة صغيرة عليها آلة الفونوغراف التي يستعملها وقت مخاطبة حُبّه الافلاطوني. لن ينسى تلك المدخنة القديمة التي امتلأت برماد قصائده وحبر دموعه الذي نضب من شدّة البكاء. كانت تلك الغرفة البسيطة وأشياؤها القديمة كافية لان تجعل من منفاه جنّة، على الرغم من انّه لا يكترث كثيرا للأشياء من حوله، فهو لا يرى سوى ما أمامه اللحظة من تفصيلات تشكل له ملاذاً ومأوى.

أشعل سيجارته ونظر إليها نظرة غريبة، لأوّل مرّة ينظر إليها بتلك النظرة، كانت نظرة عتب ممزوج بالهمّ والتعب وألم الاشتياق، حتّى دموعه بكت لتلك اللهفة لنطق حرف من شفتيها ، بعد ان خابت آماله وهو ينتظر ان تخرج له، ، لكن لا يوجد غير السيجارة، قال له اشعلها و تلذّذ بعبق دخانها هيا افعلها ولا تخف انا بقربك سأجعلها تبكي امامك .

أشعل سيجارته، ضمّها بين شفتيه بقوة قائلا انظري ها قد قبّلتها، انتظري لا تذهبي تمعني بالنظر لتري ماذا سأفعل بها من اجل ان اخونك، سحب نفسا منها وتوجه نحوها نفث دخانها في عينها قائلا:

كما لو كان موتاًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن