الجزء الثاني

36 1 2
                                    

جُنّ روي ودخل في حالة هستيرية شدّيدة حتّى سقط مغشيا عليه من كثر العربدة، ولم يشعر إلّا وهو في حضن امرأة جميلة، فحاول فتح عينيه لكنّه واجه صعوبة بتمييز من تكون وراح يتساءل باستغراب:

ـ من انتِ؟

كان صوته مبحوحا من كثرة الصراخ، فردت عليه المرأة بهدوء:

ـ أنا جسيكا لقد تعطلت سيارتي الخاصّة بالقرب من منزلك فحاولت طلب المساعدة، طرقت الباب لكن لم اتلقَ رداً فدخلت بعد ان وجدت الباب مفتوحا لأجدك ممدداً على الأرض ومغشياً عليك.. ما بك؟ هل تعاني من مرض ما؟..

ـ أجل اعاني من مرض..

ـ ما هو مرضك؟!

ـ هناك أنظري معلق على الجدار..

وحين التفتت إلى حيث أشار رأت صورتها مُعلّقة على الجدران فاندهشت وراحت تتساءل بسرّها.. هل هو مجنون؟! ماذا يريد ان يقول؟.. هل هو مريض بي؟ أي هراء هذا بالله عليك؟!!..

بين وعيه وعدم وعيه لمح لون عينيها فعلم بانّها هي نفسها، فرفع يده ووضعها على خدها قائلا:

ـ لماذا يا حبيبتي؟.. لماذا تأخرت إلى هذا الحدّ؟.. لقد كنت بانتظارك طول الوقت.. كل ليلة وكل ساعة.. لقد مرّت اثنتا عشرة سنة على انتظاري حتّى تلاعب بي الانتظار وجعلني لعبته الدائمة لقد ارهقتني الأيام وهي تضحك عليّ، وكانت الساعات الثقيلة تقتلني لبطيء جريانها.. هل ترين قدومك الآن وفي تلك اللحظة تحديداً وأنا استعد للسفر منصفاً؟؟.. أتعلمين بانّني إلى الآن لم اتحسس يد انثى غيرك؟؟..

أخذ روي يجد صعوبة في التنفس وتباطأ نطقه وثقل لسانه اشتد صفار جسمه، جسيكا تحسست اطرافه فشعرت ببرودتها فعلمت بانه على وشك الموت وحاولت جاهدة ان تنقذه لكن لا فائدة فقد تعب جسده النحيل نتيجة لقلة الطعام وكثرة شرب الكحول التي اودت بحياته، لم تتحمل ما قاله فانهمرت دموعها على خده، ومن وسط سكرات الموت حاول رسم ابتسامة ما لها وهو يقول:

ـ لا تبكِ يا حبيبتي يكفيني الموت بين يديك وان اراك لمرّة واحدة وأخيرة، ان أشم عطرك واتحسس بشرتك، ان تلامس اصابعي يديك الناعمتين، سامحيني لخيانتي فقد اخطأت والخطايا تُغتفر..

وضعت اصبعها على فمه محاولة منعه من الكلام..

ـ إهدأ يا عزيزي.. إسترخِ ودعني ادفئك..

ثمَّ ضمته الى صدرها بقوّة ولم يكن ليكترث بضيق صدره واختناقه فرما رأسه بين يديها وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وسلّم روحه المُعذّبَة على مدى السنين المضية ليرتاح اخيرا، ذلك الجسد النحيل المُنهك الذي قَست عليه الأيام بلياليها وتراجيديا وفائه لحبه الافلاطوني ويقينه التام بلقائها، حتَّى وان كان ذلك في آخر لحظات حياته، لكان هذا اللقاء كفيل بان ينسيه ألمه وحزنه وبكائه طول السنين، فكان هذا اللقاء الخاطف المحاصر بسكرات الموت كما لم يحصل لفرط قصره .

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Dec 18, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

كما لو كان موتاًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن