اقتبااااس
خرج يتمشى خارج السراية، وهو يشعر بملل شديد، الظلام الدامس يسيطر على المكان، والشوارع تشبه بعضها، رائحة الزرع تنتشر في الأجواء، ولكن ما لفت انتباهه هو حركة الزرع بطريقة غير طبيعية، حيث تحرك ببطء شديد دون أن يصدر صوتًا، بدأ يبحث عن سبب هذه الحركة، لكن اتسعت عيناه عندما رأى فتاة، بل حورية، بشعرها الناعم الطويل الذي يشبه سواد الليل، منسدلًا على ظهرها يتمايل مع الهواء.
كانت تلقي بالحجارة في البحيرة أمامها، وتدندن الأغاني باللهجة الصعيدية، سرح في جمالها الأخاذ وصوتها العذب الهادئ، وشعر بحزن شديد في كلماتها، ظل على هذا الوضع فترة لا بأس بها، يراقبها ويستمع إليها دون ملل، استقامت بجسدها، وعندما رأها تتحرك، أحدث صوتًا مما جعلها تلتفت له سريعًا.
لفت الوشاح حول وجهها وتكلمت بصوت غاضب قائلة:
"مين انت يا أخينا وعتعمل ايه اهنه؟"
اقترب منها وتحدث باللهجة الإسكندرانية، قائلاً:
"إنتي مين؟ وازاي صوتك حلو أوي كده؟"
لكنها تكلمت بغضب متزايد قائلة:
"ابه أتحشم يا أخينا انت، بدل ما اقلعلك عيونك اللي عتبصبص بيها دول."
اقترب منها ونظر في عينيها الظاهرتين من خلف وشاحها، وكأنما كانت تلك العيون تحمل أسرارًا لم تكشف بعد، تحدث وهو يحاول تهدئة الموقف:
"أنا والله مش ببصبص ليكي ولا حاجة، أنا محترم جدًا على فكرة، بس صوتك حلو أوي وأول مرة أشوف واحدة خارجة في وقت زي ده وقاعدة في مكان زي ده."
شعر بأن الكلمات تتدفق منه بلا إرادة، وكأن سحرها يشده نحوها بأقصى قوة.
ضغطت على أسنانها باستياء، واقتربت أكثر منه، وانتابه شعور بالفزع من قوة حضورها:
"واضح إنك مش من أهنه، وألا مكنتش اتجرأت وأتحددت معي بجلاحه أكده، وعشان أكده، أناِ هغفرك الغلطة دي، بس لو جابلتك صدفة جصادي، مهرحمكش واصل." تضاعف غضبها في تلك اللحظة، وكأنما كانت تمثل أميرة تشعر بالتطفل على مملكتها.
أنهت كلامها ودفعته من أمامها، لكن نظراتهم تلاقت مرة أخرى، وكأن الزمن توقف لحظة، صعدت على الفرس الخاص بها، نظرت له نظرة مطولة مليئة بالتحدي، وهزت قدميها بسرعة لمنح الفرس الإشارة، ثم انطلقت بها سريعًا إلى بعيد.
وقف الشاب مشدوهًا من شدة جمالها وقوة شخصيتها التي أظهرها في تلك الغضبة، بينما ارتسمت ابتسامة عذبة على ثغره، شعور بداخله يتأرجح بين الإعجاب والدهشة، واستكمل طريقه إلى وجهته.
************************** #دودو_محمد