الفصل الأول... رجل الصمت الأسود

3.8K 118 21
                                    

                            الفصل الأول

               ~... رجل الصمت الأسود ...~


لا يأخذ منا النسيان إلا ما تجاوزناه وتخطيناه ببساطة ولم يرهق قلوبنا ...بينما التناسي إرادة وليدة من بقايا قوة كنا عليها...
             والأمس..واليوم ...وغدًا ؟!
                  هم مراحل العمر..
              گ مراحل الألم..تمامـًا

عبرت السيارة البورش باناميرا السوداء بوابة منزل كبيـر..عريق الأصل...تحاوطه حديقه يملأها أشجار الزيتون.
منزل يخطف الابصار ليس ببنائه الحديث!
بينما لذلك المعمار الذي يرجع لأعوامٍ كثيرة ماضية كأنه باقي من العصر الفيكتوري......
بقايا من تاريخ أحدى كبرى العائلات.
تملئه الحكايا...تملئه البقايا..من كل راحل ..ومن كل ما زال على قيد الحياة.

نهبت السيارة الطريق برشاقة... كالمرأة الفاتنة التي تتبختر بغرور وتغنج، كأنها تدرك أنها الوحيدة التي يليق عليها الإغراء..
وذلك الذي يجلس في المقعد الخلفي من السيارة..تحاوطه هالة الرجولة والغموض... سيطر الغموض على سيمائه.
رجل لا يتحدث كثيرًا...كأن كثرة الحديث ستخطف جزءً من عمقه وهيبته....ومن سنواته الأربعين.
ينظر للنافذة بجانبـه في شرودٍ تام...
صمت غارق في شيء هو وحده يفهمه...ويواريه...يُخفيه عن تلصص الفضول.
ولا معرفة حتى ما خلف نظراته المشفرة بتلك النظارة السوداء التي تخفي عمق عينيه...وجسارة نظراته القوية الثاقبة...
رجل الصمت الأسود !
مثلما أطلق عليه !

" ماليش أمل في الدنيا دي...غير أني أشوفك متهنّي...حتى أن لقيت أن بعادي..راح يسعدك أبعد عني....".

أنطلق صوت الحب "ليلى مراد" من المذياع المُلحق بالسيارة..
انتفض رماح الشوق بخاطره ، بعد كبحٍ كاد يدميه أنين! رغم أنه لم ينسى مطلقـًا !
وانتفضت عروق فكيه من ضغطه على أسنانه بعصبيـة مكتومة...
هذه المقطوعة مجددًا ؟!
يا الله
تلاحقه گ أيام العمر ! 
...ليست بالنسبة له كما الجميع !

مقطوعة غنائية...استطاعت تشكيل ونقش عينيها على سجادة ضبابية للفراغ الناظر إليه بشرود..
عينيها التي لم ترحل من ذاكرته..ومن ابسط الأشياء التي كانت تخصها ...ومن بقاياها.
كان يتذكرها غامرًا بالحنين والأشتياق والغضب...
وبهجرها هجره أمتياز الحب.. وتخضبت جميع الاختيارات بالأسود بعد ذلك....ولكن الحب دائمًا يحمل الاستثناءات.

ارتفعت ضربات قلبه بالتدريج...صاح الألم بمرارة الريق وغصة لم تفارقه منذ سنوات...
كل مرة كان يُصيح عندما تتردد تلك المقطوعة بالخطأ في أي مكان يتواجد فيـه...كان يغضب ويأمر أن يتم أغلاقها في الحال...
اليوم لم يستطع هذه المرة...وأن أعترف وترك هذا الكبرياء جانبًا ولو لبرهة...سيعترف أن جنونه بها فاق الاحتمال والطاقة على صبر الفراق....
وللحنين عودة!
"عشر سنوات يا قاسيتي! "

 رواية قلبي وعيناكِ والأيام 💙للكاتبة رحاب إبراهيم حسن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن