الفصل الأول

435 4 0
                                    

نوفيلا {خشوع في محراب الوهم} الفصل الأول
..
..
عاقبها لذنبٍ لم تقترفه، بدأت حياتها يتيمة محرومة من أبسط حقوقها كطفلة، وبدأ مشوارها طويل المدى في محراب الأوهام.
~~~~~~~~~~~

وقفت ياسمين في شرفة غرفتها، تسقي حوض الأزهار؛ حينما شعرت بيدين قويتين تطوقان ظهرها، وأتاها صوتا يقول:
- زهرتي الجميلة تسقي الأزهار بنفسها، ألم أطلب منكِ ألا تقومين بأي عمل؟
رغماً عنها سرت قشعريرة باردة في أوصالها، حاولت أن تهدأ من روعها، كما حاولت الابتسام وهي تمسك بيدي زوجها  وتلتفت إليه قائلة بصوت مرتجف بعض الشئ:
- إنها أزهاري المفضلة يا يحيى، وأنا أستمتع بسقيها حقاً.

حدق في ملامحها الرقيقة التي تخضبت بعلامات القلق، فتقطب جبينه وهو يسألها:
- لقد فزعت مرة أخرى عندما تفاجئتِ بوجودي.
هزت رأسها يمينا ويسارا وقالت:
- لأني لم أشعر بدخولك إلى الغرفة، لهذا فزعت.
تنهد وقال:
- أنتِ تفزعين كلما اقتربت منك على غفلة، ومازلتِ مصرة على عدم اخباري بسبب ذلك، ولا تريدين الذهاب إلى طبيب أيضا، لقد بدأت أظن أنك تكرهين قربي...
وضعت أصابعها المرتعشة على شفتيه، وقالت بتوتر:
- صدقني لا داعي لذلك، هذه عادتي منذ صغري، أنا أفزع دائما إذا فاجئني أحدهم دون أن أشعر.
أبعد وجهه عنها بينما أغمض عينيه ليهدأ قليلا، بينما تابعت:
- كيف تقول أنني أكره قربك؟ أنت حبيبي وزوجي.
صمتت هنيهة لتمسك بيده، ثم وضعتها على بطنها المنتفخة وأردفت بصوت باكي:
- ووالد طفلتنا الجميلة.
رق قلبه فالتفت ينظر لها، هَالهُ أن يري الدموع الحبيسة في عينيها، مد يده ليزيلها برقة، ثم ضمها إلى صدره بحنان وهو يقول بهدوء:
- أنتِ كل حياتي وحب عمري، اعذريني لأني أخاف عليكِ كثيراً، لا أريد أن يمسِّك أي سوء.

التصقت به بقوة؛ كأنها تريد أن تختبئ بداخله ليحميها، ثم قالت بلهفة هادئة:
- أنا بخير طالما أنت بجانبي.
أمسك بكتفيها ليبعده عنه قليلا، ثم رفع وجهها ليجعلها تناظره وهو يقول:
- أنا بجانبك دائماً حبيبتي، ولن أدع أي مكروه يصيبك.
أخفضت وجهها قليلاً لتنظر إلى ابنتهما القابعة داخل أحشائها، ثم سألته:
- أرى أنكَ تتحدث عني فقط، بيسان تغار لأن والدها لا يهتم لأمرها!!

منحها قبلة مفاجئة على وجنتيها، وهبط حتى أصبح رأسه موازياً لبطنها المنتفخ، قبل أن يقول مازحاً:
- دعيها تغار، وأخبريها أن الياسمين هي أزهاري المفضلة والأهم عندي.
شهقت ياسمين وقالت تصطنع الحزن بشفتين مزمومتين:
- وهل تهون عليك ابنتك؟! أنا أحزن لحزنها إذاً.
رفع وجهه لينظر إليها، وصدحت ضحكاته في أنحاء الغرفة؛ لمنظرها المدلل قبل أن يقول بجدية وهو ينهض واقفاً:
- بالطبع ابنتي لا تهون أبداً.

صمت قليلا، ومد يديه ليحتوي وجهها بينهما، فرفعت ياسمين عينيها إليه؛ لترى سيلاً من الحنان المتدفق عبر عينيه وهو يردف بكل صدق واخلاص:
- لكن حزنك أنتِ كالسجن لحريتي، دموعك حمم بركانية تلهب صدري، عذابك بالنسبة لي كالجحيم، أما ابتسامتك هي جنتي، وسعادتك هي دنيتي، لذا أنتِ الأهم عندي، ولا تلوميني على هذا.
ابتسمت وأجابته:
- أحذرك  أنني سأكون مغرورة للغاية ذات يوم بسبب حبك ودلالاك الزائد.
لثم جبينها بقبلة شغوفة؛ أغمضت عينيها على أثرها وسمعته يقول:
- يحق لك الغرور يا أميرة قلبي.
تركت نفسها تستنعم من قربه وحرارة أشواقه الدافئة، ثم دفعته برفق ليبتعد عنها قليلا وسألته بجدية:
- لقد أتيت مبكراً اليوم، وهذا ليس من عادتك، هل لي أن أعرف السبب؟
زم شفتيه للداخل، أمسك بيدها، وسار بها نحو الفراش ليجلس عليه، ثم أجلسها بجواره وقال:
- اشتقت إليك كثيراً، وأيضاً......
صمت لتكمل هي عنه:
- يوجد شيئاً آخر، هيا آتني به.
تنهد ثم قال:
- علي السفر اليوم إلى دبي، هناك بعض الأمور التي تتعلق بالعمل، ويجب أن أنهيها بنفسي، لكني لن أتأخر؛ يومين على الأكثر.

خشوع في محراب الوهمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن