الفصل الرابع

363 35 9
                                    



تمتم القط أليكا بعد صمتٍ طويل مُنتظِر:

- اللعنة، لقد تأخرت حقًا..

- عم تأخرت؟

تساءلت دوركاس التي بدأ صبرها ينفذ.


- أيتها البشرية، جدتك هي السبب في كل هذا..

وأمام ذلك الكلام، ضحكت ببلاهةٍ ثم تذكرت طلبها منها أن تأتي إلى الغابة في هذا الوقت وأجابت:

- أنتَ مُحق.. جدتي هي السبب في كل شيء. لذلك سأذهب كي أسألها عما يحدث، وسأعود لاحقا، طيب؟


- حسنًا، أعلميني إن لم تجدي طريق العودة..

وفورًا تذكرت الطريق الذي اختفى فورَ ما أوصلها، فهدَّأت نفسها وقالت:

- ما الذي سنفعله الآن؟

- سننتظر استيقاظ هاولفي..

- لكن.. أنا يجب أن أذهب.. أمي ستعود قريبًا..

- أظن أن عليك نسيان الأمر، هاولفي لن يستيقظ إلا بعد خمسين سنة أو أكثر.

- أنت تمزح..


إلا أن أليكا لم يكن يمزح، وكانت تعلم هذا جيدًا. فكرت سريعًا، ولم يكن ما فكرت به غير فكرة واحِدة: إِن كان الخيار الآخر هو انتظار استيقاظ هاولفي لمدة غير معلومةٍ، فالخيار الذي ستعمل به هو اختصار تلك المدة وإيقاظه الآن.

وأمام تحذيرات أليكا الغير مجدية، اتجهت نحو منتصف الغرفة بِخطًى مُغْتصَبة، تسلقت الدرجات الثلاثة ثم فتحت التابوت الثقيل بأقصى قوتِها كي يسدل الستار عن هاولفي.

كان نائِمًا بعمقٍ كالطفل الرضيع، شعره ينسدل على جبينه الذي يعلو عينيه ذات الرموش البيضاء الطويلة، وفمه يتنفس بهدوء زافِرًا هواءً باردًا.

ترددت دوركاس للحظات بعد أن همس لها أليكا مُحذرًا: لو أَيْقظتِه الآن فسيُقضى علينا. ثم استجمعت جُرأتها، تهورَها وشجاعتَها وصرخت بأعلى ما يُمكِنها: هــــــــاولــــــــــــفــــي!

انتظرت للحظات بعد أن رأت أن حاجِبا عينيه قد تحركَا، ثم عاودت كرَّتها للمرة الثانية والأخيرة.

ما حدث بعد ذلك هو أن هاولفي استيقظ حقًا ولم يستيقظ في نفس الوقت. طار بسرعة مجنونة متزامنة مع تحول لون جلده إلى رمادي داكن وبؤبؤيه إلى الأسود القاتم، ثم توقف في الهواء مُتكلما بصوت غليظ ما هو من صوت هاولفي في شيء:

- من يجرؤ على مُقاطعة اجتماعِي؟

- قُضي علينا.. قُضي علينا..

ردد أليكا مُستسلما. وكان من الواضح أنه حقا قُضي عليهم.

ببضع حركات من هاولفي في الهواء، بدأ السقف يتساقط. ظهرت هالة سوداء تتضخم تدريجيا حوله فأصبح مُخيفا. حاول أليكا التكلم:

- سامِح تطفلنا أيها العزيز، إلا أننا نحتاج هاولفي.

- أَليكا؟ أنتَ تحتاج هاولفي لكن أين كنتَ لما احْتاجك؟

قال بغضب، ثم أشار بسبابته نحوه فبدأت الصخور تطير باتجاهه. هرب أليكا، وصرخ بدوركاس أن تهرب، وحاولا أن يخرجا معا من المعبد بشكل نهائي، لكن هاولفي وقف في طريقهما وعينيه يتطاير بهما الشرر الأسود.

- لقد كنتُ أنا من قاطعتُك..

قالت دوركاس بصوت مرتعد، إلا أنه لم يهتم بها، بل بقي يوجه كلامه نحو أليكا:

- تعلم جيدا عُقوبتك يا أليكا.

- أجل، وأقبل بها لكن قبل ذلك فأود إخبارك أنني قد بذلت جُهدي.

- أعلم، أخبرني هاولفي.. لقد أخبرني بكل شيء، عن كيف تأخرت وأحضرت هذه المزيفة..

- لستُ مزيفة...

صرخت دوركاس مُكتفية بتجاهله. وهنا نظر إليها، فدخل الوجل إلى قلبها وتمنت أنها لم تتحدث.. تمنت أن ينتهي هذا الحلم سريعًا.

بسط هاولفي يده مُبرزًا أظافر سوداء، ووضع ظفر سبابته على موضع قلبها قائلا:

- إذن فما الدليل أنكِ حقيقية؟

- هذا..

أجابت مشيرة إلى السوار الفضي الذي أعطتْها جدتُها راجية أن يقتنِع.


وبنفس السرعة التي تحول بها إلى اللون الداكن، رجع هاولفي إلى طبيعته وهو ينظر إلى السوار باندهاش. تقدم نحو دوركاس بوتيرة بطيئة إلى أن أصبح أمامها ثم قال:

- إنه السوار الذي أعطيتُه لسيسيليا..


صرخ أليكا باندهاش هو الآخر:

- لا أصدق أنك عدت.. لقد كان زيلفي قريبًا جدا من قتلِنا..


لم تصدق دوركاس عودة هاولفي ثانية، فانهارت على الأرض بوجه جامد، ثم بدأت تبكي بشدة. اقترب منها هاولفي بابتسامة دافئة، ثم نشر أجنحةً ظهرت فورا على ظهره وأحاطت بدوركاس.


رفعت عينيها المبللتين بالدموع كي ترى ابتسامته تلك، فشعرت أخيرًا بالأمان.


هاولفي، حارس المعبدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن