وعاد في كفن
يحكون في بلادنا
يحكون في شجن عن صاحبي الذي مضى و عاد في كفن كان اسمه ..
لا تذكروا اسمه! خلوه في قلوبنا ..
لا تدعوا الكلمة تضيع في الهواء، كالرماد ..
خلوه جرحا راعفا .. لا يعرف الضماد طريقه إليه .. أخاف يا أحبتي ..
أخاف يا أيتام ..
أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء أخاف أن يذوب في زوابع الشتاء!
أخاف أن تنام في قلوبنا جراحنا .. أخاف أن تنام !
العمر ..
عمر برعم لا يذكر المطر ..
لم يبك تحت شرفة القمر لم يوقف الساعات بالسهر ..
و ما تداعت عند حائط يداه .. و لم تسافر خلف خيط شهوة ..
عيناه!
ولم يقبل حلوة .. لم يعرف الغزل غير أغاني مطرب ضيعه الأمل ولم يقل : لحلوة الله ! إلا مرتين لم تلتفت إليه ..
ما أعطته إلا طرف عين
كان الفتى صغيرا ..
فغاب عن طريقها ولم يفكر بالهوى كثيرا ..
يحكون في بلادنا
يحكون في شجن عن صاحبي الذي مضى وعاد في كفن
ما قال حين زغردت خطاه خلف الباب لأمه: الوداع!
ما قال للأحباب .. للأصحاب: موعدنا غدا!
ولم يضع رسالة ..
كعادة المسافرين تقول إني عائد ..
و تسكت الظنون ولم يخط كلمة ..
تضيء ليل أمه التي .. تخاطب السماء و الأشياء، تقول: يا وسادة السرير!
يا حقيبة الثياب!
يا ليل!
يا نجوم!
يا إله!
يا سحاب!
أما رأيتم شاردا ..
عيناه نجمتان؟
يداه سلتان من ريحان
وصدره وسادة النجوم والقمر
وشعره أرجوحة للريح والزهر!
أما رأيتم شاردا مسافرا لا يحسن السفر!
راح بلا زوادة ، من يطعم الفتى إن جاع في طريقه؟ من يرحم الغريب؟
قلبي عليه من غوائل الدروب!
قلبي عليك يا فتى ..
يا ولداه! قولوا لها، يا ليل!
يا نجوم!
يا دروب!
يا سحاب!
قولوا لها: لن تحملي الجواب فالجرح فوق الدمع .. فوق الحزن والعذاب!
لن تحملي ..
لن تصبري كثيرا لأنه ..
لأنه مات، و لم يزل صغيرا!
يا أمه! لا تقلعي الدموع من جذورها!
للدمع يا والدتي جذور، تخاطب المساء كل يوم .. تقول: يا قافلة المساء! من أين تعبرين؟
غضت دروب الموت .. حين سدها المسافرون سدت دروب الحزن ..
لو وقفت لحظتين لحظتين!
لتمسحي الجبين و العينين و تحملي من دمعنا تذكار لمن قضوا من قبلنا .. أحبابنا المهاجرين يا أمه !
لا تقلعي الدموع من جذورها خلي ببئر القلب دمعتين!
فقد يموت في غد أبوه ..
أو أخوه أو صديقه أنا خلي لنا ..
للميتين في غد لو دمعتين ..
دمعتين!
يحكون في بلادنا عن صاحبي الكثيرا حرائق الرصاص في وجناته وصدره ..
ووجهه ..
لا تشرحوا الأمور!
أنا رأيت جرحه حدقّت في أبعاده كثيرا ..
قلبي على أطفالنا وكل أم تحضن السريرا!
يا أصدقاء الراحل البعيد لا تسألوا: متى يعود لا تسألوا كثيرا
بل اسألوا : متى يستيقظ الرجال
أنت تقرأ
محمود درويش
Poetryالقهوة لا تُشرب على عجل، القهوةٌ أخت الوقت تُحْتَسى على مهل، القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة، القهوة تأمّل وتغلغل في النفس وفي الذكريات اقتباسات محمود درويش #1-books #١-قراء #١-يافا