قوة الفكر وضعف الجيش

85 15 6
                                    


ننتقل بين الأزمان، نعاين الأماكن والأفكار، وعندما يجذبنا أمر ما نتوقف عنده برهة للتفكير في الأحداث التي حصلت في ذلك المكان وذلك العصر.

أما عمَّا جمدني لبرهة ليست قصيرة فكانت نظرتي كناقد لحضارة ما، ولعلكم تتحرقون شوقًا لمعرفة ما هي الحضارة التي سنتناولها اليوم، سوف نتناول ببساطة حضارة عُرِفَت بالحضارة الفينيقية.

وقبل أن ندخل في أغوار تلك الحضارة العريقة، يمكنني أن أخبركم أن كل حضارة تقوم على عوامل عديدة أبرزها؛
العوامل الطبيعية، الاقتصادية، الفكرية والروحية، وأخيرًا الاجتماعية والسياسية.

سأبدأ بتعريفكم على هذه الحضارة من حيث العوامل الآنفة، فلتعطوني انتباهكم فهي مثيرةٌ للاهتمام!

وسنبدأ بعرض العامل الطبيعي؛ حيث تميزت الحضارة الفينيقية بالموقع الذي قامت عليه، والذي منحها مميزات عديدة، إذ تقع فينيقيا -الدولة التي أُقيمت فيها الحضارة- في الطرف الغربي لقارة آسيا وتمتد من جبل الكرمل جنوبًا إلى أوغاريت قرب مصب العاصي شمالًا، وتشرف على الساحل الشرقي للبحر المتوسط.

وقد كان لطبيعة البلاد الأثر الكبير على حياة السكان، فبسبب تضاريسها الجغرافية وبسبب طبيعة الأرض لم يتوحد السكان في دولة واحدة بل انقسموا إلى مجموعة من المدن والممالك المستقلة عن بعضها البعض؛ وهذا ما جعل البلاد الفينيقية عرضة لأطماع الغزاة نظرًا لموقعها الهام، وغاباتها الكثيفة، وثروات مدنها.

لكن وكما نرى ورغم استغلال السكان والشعب للثروات الطبيعية، ورغم وجود المهندسين والمفكرين وذلك لاطلاعهم الواسع، لم يستطع الفينيقيون التفكر قليلًا واستخدام الجغرافيا الصعبة لبلادهم في حمايتها من الأخطار والغزاة، حيث كان باستطاعتهم وبخطة عسكرية محبكة أن يردعوا كل طامع بثرواتهم، وكانت ستزدهر الحضارة أكثر وتصبح ذات تأثير أكبر، لكن للأسف!

ومن هنا ننتقل للعامل الاقتصادي، فغِنى البلاد، وموقعها الهام، غاباتها الكثيفة وثروات مدنها، كل تلك الأسباب دفعت الفينيقيين وشجعتهم على العمل والتجارة كما الصناعة والزراعة، وقد اعتمد الاقتصاد الفينيقي بشكل أساسي على التجارة، حيث كان تجار العالم القديم جابت سفنهم العالم كله حتى أنه قيل أن السفن الفينيقية وصلت للقارة الأمريكية قبل كولومبوس! حقيقة صادمة، صحيح؟

ورغم اعتمادهم على التجارة إلا أنهم كانوا رائجين أيضًا في الصناعة والزراعة؛ كصناعة القماش، والصبغة، وزراعة الكرمة وغيرها، كان الاقتصاد الفينيقي من أقوى الاقتصادات لكونه مرتكزًا على الدعائم الثلاث؛ التجارة، الصناعة، والزراعة.

وقد ركزوا في تنمية اقتصادهم وعملوا على أي شيء ليجعلوه متطورًا، حيث أنهم أوائل من تعامل بالعملة، وقد كان للفينيقيين أثر هام على صعيد التجارة ولعلنا عندما نذكر التجارة العالمية سنتذكر صانعيها ومبتكريها، وهنا أود أن أبدي إعجابي الشديد باقتصاد هذه الحضارة، حيث كان اقتصادها أقرب للحديدي.

العالم بمنظور ناقدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن