الفصل الاول

427 120 146
                                    

بحر الذهب
الفصل الاول
"عندما يشاء القدر فعل شيئاً ما لي أي أحد،يفعله غير واضعاً حالة الشخص نفسه "
..
     شحتة علام هذا هو اسمي ،اذا لم تخني ذاكرتي عندما اخبرتني عمتي ان زوجها من أسماني علي اسم جده ..نعم اتذكر لقد ولدت في اليوم الذي مات فيه جد زوج عمتي، لهذا قرر ان يدعوني ب "شحتة" ،علام هو اسم ابي بالطبع الذي لم اراه ابداً  ومن المرجح ان لا اراه من الاساس ،لأن جدي والد ابي لا يعترف بموته يقول احياناً :" انهُ ذهب للبحث عن السفينة التي اشتراها منذ زمن وليست الا مسالة وقت ويرجع "
***
ذلك الجد الخرف الاشيب المسن اشكر عمتي التي رفضت ان يرعاني هو بدلاً عنها ،كيف استطيع ان اعش مع مجنون مثله  يردد في اغلب الوقت  "سوف اذهب في يوم لأجد السفينة التي فقدنها " في كل مرة اذهب لزيارته مع عمتي..، مرتين في الشهر لنتأكد من مخزون طعامه ونظافة المنزل واذا احتاج شيء نحضره له ..لم يكن لعمتي اولاد لأعرف السبب بالتحديد ولكن سمعت ان زوج عمتي لديه مشكلة ما ..اظن ان هذا سبب لحبها لي هي وزوجه ..  وايضاً هو الذي لم اري منه الا الخير فقط ..كانت معلمة لغة عربية لم تكن تتكلم الا بلغة العربية القدمية هذه ،كانت تملك مبدأ واظن انها نجحت في نقله لي ايضا ،رغم انه من النادر ان تجد معلماً عربياً يشرح بالغة الفسحة في المدرسة التي هي نادرة في ايامنا هذه، كنت سعيداً انها تتفرغ لي لتعلمني رغم مواظبتي للذهاب للمدرسة ..ولكن عن حق كنت اتعلم منها اكثر من ما اتعلمه في المدرسة ،كانت حياتي ليست بسيئة بنسبة لفتي في الثامنة من عمرة لا يعرف حتي اسم ولدته وايضاً غير عالم بهوية والده الذي هناك تضارب في حقيقة موته .
كل هذا ولكن لم ابالي ايضاً ،فقط اسئلة بين الحين والاخر لعمتي اخبرها ليلاً عندما نشاهد الافلام او اثناء شرحها لي :
-عمتي كلثوم ،ما اسم والدتي ؟!
كان تحاول المراوغة اكثر من مرة ولكن كنت املك العزيمة للمعرفة ..فكانت ترد عليّ بصراخ الام هذا :
-لا اتذكر يا شحتو، لما لا تسأل جدك سيد عندما نزوره غداً ؟!
كان هذا الرد وحدة مراوغة منها ،فهي تعرف اني لم اتجرأ واسأل جدي المجنون هذه شيئاً ابداً ،انا حتي لا اعرف اذا كان يعرف من اكون في الاصل ،واذا سألتها مرة اخرى ..تصرخ في وبعدها بلحظات تأتي لطربت علي رأسي وتعتذر لي قاله :
_اسفه يا شحتو ،كنت متعبة من العمل اليوم ..
لم ابكي ،لا اتذكر اذا بكيت في احدي الايام من الاساس فأنا من النوع التي لا تقوده مشاعره ابداً ..لدي شيء مثل الحبل للسيطرة عليها وهو عقلي الذي يفكر بمنطقية دائماً، كانت عمتي عادتاً بعد صراخها عليّ وتعتذر لي ..تأخذني للسوق ،تأخذني لكي اركض ليلاً ..تتركني احياناً العب مع الكلاب التي تعرفني في المنطقة ،فأنا في كل يوم بعد عودتي من المدرسة اعطيهم باقي غذائي الذي انسي ان أكله في اغلب الايام .
كانت هذه حياتي المعتادة مع عمتي ،اما عن حياتي مع زوج عمتي فهي ليست بشيء الذي يذكر ..نحن اصدقاء اخبرني اكثر من مرة ان اناديه بأسمة وليس ب"زوج عمتي" او عمي "عمرو" او حتي "عمرو" بدون شيء..كنت ارفض هذا واناديه بما انا معتاداً عليه ،وايضاً كان معلماً للغة الانجليزية ..ولكن بصدق كان سيء ،انا حتي اذا توقف معي شيء في وجباتي المتعلقة باللغة الانجليزية لم اذهب اليه ..لا اعرف كيف حصل شهادته، ولكن من رغم من كل هذا.. كنت احبه لقد اعتني بي منذ الصغر وسماني بهذا الاسم المضحك الذي بسببه تعرضت للكثير من التنمر .
كنت راضي عن حياتي بشكل شبه متكامل ،هذا ما استطيع قوله لدي عائلة اكثر من رائعة ..عمتي وزوجها ..اذهب للمدرسة ،آكل جيداً ..كل هذا يدل علي وفرة المال بالطبع ..لدي اصدقاء طفولة سوف يأتي دورهم قريباً جداً ،وعلى الرغم من كل هذا كان هنالك شيئاً سلبي فقط يزعجني رغم عدم انشغال بالي به كثيراً وهو كما ذكرت سابقاً.. عن امي الحقيقة او حتي ان اعرف اسمها يكفي ..وعن ابي الذي من المفترض انه ميت قبل مولدي ،ولكن جدي يلمح علي عكس هذا ..لا اعرف حقيقتاً جزءاً كبيراً مني يريد ان يعرف حقيقة الامر ،وجزءاً اخر لا يريد ان يعرف او بالأحرى لا يهتم ان يعرف .
حتي تغير كل في احد الايام ،كنت راجعاً في احد الايام ليلاً بعدما انتهيت من دروس السباحة التي انا فيها..، لن تصدق هذا ..كنت غير طبيعي في هذا الامر ،وانا في سن العاشرة حينها تجد  من يخاف من الماء ومن يصاب بدوار ،ومن لا يترك ولدته.. و من يبكي ..ومن ..ومن .
بشكل عجيب تشعر انني ولدت لأكون سباحاً عظيماً، سرعتي في الماء لا تصدق، سوف تتعجب اني اسبح اسرع من ان اركض علي الارض ،ربما تدعوني بالكاذب الان ولكن هذه الحقيقة التي يصعب تصديقها ، ربما السرعة هي اهم شيء بنسبة للأخرين ولكن بنسبة لي.. الشيء الذي يهمني اكثر هو قدرتي علي كتم نفسي تحت الماء لأطول من ثمان دقائق ،من المفترض ان لا تستمر لأكثر من ثلاث دقائق حد اقصي ولكن ثمانية هو امر غير معقول ،لدرجة ان في احد المرات طلب المدرب من عمتي ان تذهب بي للطبيب لعمل بعض الفحوصات ..ولكن رفضتُ هذا الامر بسبب خوفي من الابر بشكلً كبير .
لا اعرف مدي علاقتي مع الماء ..اعشقه واعتقد انه يبادلني الشعور ايضاً ،في بعض الاحيان انا كاشحتة اذا وجهت لي سؤال عن " ما تعتقد انك تحبه اكثر ،مصادقة الفتيات ام جلوسك في حوض يملئه الماء ؟!" سوف اجيب حيناها بما انتم بالتحديد تعتقدوا ،وهو الماء ..كل ما في الماء ،هو شيئاً جميل..
***
    لنرجع الي هذه الليلة التي من بدايتها ..بدأت حياتي في اخذ منحني اخر تماماً ..كنت راجعاً ليلاً مع عمتي كلثوم من النادي التي اقبل فيه اصدقائي وهي المثل تقابل اصدقائها ايضاً  بالطبع بعد انتهاء التدريب..كنت اشعر قبلها بتغير بسيط في اسلوب عمتي ،قرابة اسبوع كنت اشعر انها حزينة ولحظت هذا ايضاً في زوج عمتي يعملها بطريقة اكثر من جيدة ويهتم به كثيراً وبطريقه مبالغ فيها ..وكانوا يخرجون كثيراً ،لم تذهب للمدرسة لأكثر من اسبوعين وكان يذهب عمي يوم ويومين لا  ..كنت ارجع ولا اجدهم ..وعندما بدأت اشعر بشيء انا مقبل عليه ..بدأت تتجمع الكثير من الافكار السيئة في عقلي ..بدأت اردد داخل ذهني :
"هل لم يعد مرحب بي معهم ام ماذا ؟!"
"هل يخططون لتركي في ميتم ام ماذا !؟"
"لا ربما اسوء ،يخططون لتركي مع جدي المجنون هذا"
"ماذا افعل اذا حدث هذا ..سوف اهرب ليس لي حل اخر "
نعم اتذكر هذه اللحظات بشكلً جيد ..راودتني هذه الافكار وبعدها بلحظات جهزتني عمتي لنذهب للنادي ليلاً علي عكس المعتاد .
انتهينا من النادي ورحلانا ،كانت ترتدي جيبة واسعه في هذه الليلة مع قميصاً ابيض طويل علي تيشرت اسود رغم كرهها لهذا اللون التي لم تكن تفضله ..كانت تخرج منديلاً كل بضع لحظات لتمحو دموعها ..
كنت العب مع كلاب الشارع محاولاً عدم طرح سؤالاً لها عني ،ربما هي حزينا لأنها سوف تتركني ..ولكن لماذا ؟! لما تتركني وحسب !!لما هي حزينة لهذه الدرجة .
كانت تمشي امامي حتي لا اراها تبكي ،وكنت في الخلف اتشاقا مع الكلاب ..حتي التفتت مرة تشير بيده لكي اقترب منها وامسك يده ..فاقتربت علي الفور وامسكت بيدها ..وبدأنا نمشي جانباً الي جانب ..وقبل اقترابنا من المنزل ..نظرت الي بعينها التي علي وشك البكاء مرة اخري ويظهر عليها الحزنُ الشديد :
_هل سوف تحزن شحتو، اذا تركتك وحدك في هذا العالم مع جدك ؟!
نظرت لها وكأني استبقت الزمن وانا حزين ..وبدأت افكر في حياتي التي سوف تنتظرني قريباً ،قائلاً وعلي علامات عدم المبالاة التي تخفي الكثير من الاشياء :
_انتِ يا عمتي ..
وتوقفت لبضع اللحظات وافكر اكثر في ردي ..وتابعت :
_انتِ يا عمتي ،تعرفين كام اعشق الماء والسباحة اكثر من اي شيء ولكن حبي وتقدري ،واحترامي لكِ لا يمكن وضعه علي طاولة واحده ..ربما اضعُ الكثير والكثير من الاشياء علي نفس الطاولة ولكن انتِ لا استطيع ابداً ،واذا اضطررت علي حمل حبي لشيء وحبي لكِ الاثنين مع بعضهم، ..سوف اضعُ حبي لشيء الاخر علي الارض ،واضعُ حبي لكِ علي طاولة واحده .
وصلت الي نصف الحديث وكنت علي وشك البكاء ،فالكلمات وحدها لا تفي بالغرض
لقد انتهيت من الحديث الذي لم يكن  هو ما اخطط لقوله ،كنت سأقول بعض الجمل الصعبة لرفع قيمة الحديث ..افعل هذا في مثل هذه الاوقات التي اضطر فيها لتوديع احد اصدقائي ..
ولكن حديثي معها هو قيمه بحد ذاته ..
لقد تركت يدي ونزلت بكلتا ركبتيه علي الارض وهي واضعه يدها علي كلتا كاتفي ..قبل ان تبدأ بالبكاء ..اخذتني في حضنها الدفيء وفي لحظتها بدأت تبكي ومع صراخها التي تحاول كتمانه ..وهي تقول :
_لن اتركك ابداً ،لن اتركك ابداً انا اعدك بهذا ..سوف ابقي معك الي الابد ..
***

بحر الذهبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن