2⃣- هاوية.

40 17 12
                                    

أنت تحت تأثير دواء وهمي، جسدك يقوم بخداع عقلك. لا يمكن الثقة بك.
-بن غولديكر

الظلام غلفني من كل مكان، فركت عيناي لربما المشكلة فيهما لكن لم يتغير شيء، حولي يمتد فضاء أسود سرمدي، سمعت صوت عزف الناي في مكان ما،  اتجهت نحو الصوت أو هذا ما ظننته حتى اصطدمت بشيء ما، جدار ربما، تلمّست الجدار أمامي حتى لمست معدن ما مدور الشكل، أدرته فتبين أنه مقبض الباب، فتحت الباب ودخلت الغرفة، الجدران ملونة باللون الأزرق ومزينة بالرسومات المختلفة، تشير الدمى الموضوعة على حافة الأرفف على أنها غرفة لطفل، تسلل إلى مسمعي صوت الناي مجددًا وقد بدا لي أقرب من ذي قبل، اقتربت نحو الباب الآخر وأصغيت لبرهة، لابد من أن يكون مصدر الصوت خلف هذا الباب، فتحته فرأيت طفلا صغيرًا، لابد من أنه في السابعة من عمره، كان منغمسًا في العزف لدرجة أنه لم يلحظ تواجدي، عزفه يرنوا له السمع وتطرب الأذن لبداعته، توقف فجأة و إلتفت نحوي برأسه وقال" مرحبًا، مرّ وقت طويل."

إنه الفتى الغريب الذي رأيته في المعبد! ابتسم ابتسامة شقّت خدّه الأيمن، نظرت إلى يده اليسرى للتأكد من شكوكي، كانت العلامة ظاهرة بوضوح، جف اللعاب في حلقي وثم تصاعدت وتيرة نبضات قلبي وبدأ الخوف يتحكم بي كلعبة تتدلى من خيوطه، تصبب العرق على جبيني بغزارة، تزاحمت وتصادمت الأفكار داخل رأسي وبدأت في صراعٍ شرس حيث الأقوى هو الفائز، انتصرت فكرة الهروب على الباقيات وأشعلت فتيل الخوف المتراكم داخلي، الصمت عمّ الغرفة بينما كنت أتجهز للإنطلاق، إستعد دماغي وأطلق صافرة الإنذار إلى قدميّ آمرًا إيها بالحركة، أمرت جذعي بالالتفاف، نجحت بعد عناء نفسي وواجهت  الباب، لكنّه إختفى! واستبدلت الإضاءة الفلورية بإضاءة خفيفة لضوء القمر تتسلل من فوقي، أمامي حل محل الباب جدار من أحجار الوادي الملساء، أتذكر هذا المكان، إنه قاع البئر الذي حُبِست داخله، رائحة الرطوبة المنبعثة من أرضيته شبه المبللة، لم يتغير إطلاقًا! إستدرت ببطء نحو الفتى لكنه لم يكن هناك، في مكانه وقف فتى في العشرين من عمره أي في مثل سني تقريبًا، يرتدي قميصًا أسود، عريض المنكبين ويرتدي بنطلون أسود.

" مهلًا أين الفتى الصغير؟"

استدار الشخص الماثل أمامي وقال"مرحبًا، إلتقينا مجددًا!".

رؤيته مجددًا كانت القشة التي قسمت عقلي نصفين، الفتى الذي علقت معه داخل بئر قديمة، الخوف بدأ يطفح من جدران البئر  إلى داخل أعماقي، شعرت بتثاقل أنفاسي، الرعب إندلع داخلي كنيرانٍ ملتهبة تلتهم ما تبقى لدي من القوة، ابتسم الفتى كاشفًا عن أسنان بيضاء لامعة، إبتسامة رقيقة إذا لم أكن داخل بئر سحيقة في ظلام مدقع لكنت مأسورة بها، لكن الموقف لا يستدعي إبتسامة، لم ألحظ شلال الدموع الذي بدأ يتدفق من ينبوع عيناي.

لحنٌ مَحتُومحيث تعيش القصص. اكتشف الآن