أجنحة مكسورة

282 17 15
                                    

إنني أغبط الطيور حتى و إن كانت أجنحتها مكسورة..أنا لم أولد بأجنحة..
                                   هكذا قالوا لي..
أنا مؤمنة أن كل طفل يولد بأجنحة..ربما كذبوا علي كما كذب العالم..
                            ربما اتحدوا هم و العالم..
                                 ربما اقتلعوها لي..
كنت أفضل امتلاكها حتى و إن كانت مكسورة..كنت أفضل العيش بأمل..
                              أمل الطيران من جديد..
                                              ( من مذكرات ميرا..)
                                         ###

استيقظ هو على الأرضية الباردة في وقت باكر..لا يزال الصباح ضبابيا و لم تضع الشمس لمستها الذهبية بعد على الأشياء..
لم يكن البحر عاصفا..بل كان يبدو هدوءه مخيفا و كأن ما يسكن صمته أكبر مما يمكن أن يتحمله العالم..
                أكبر من الاعصار أو الطوفان في حد ذاته..

جسده لا يزال ثقيلا..و في عقله هي وحدها و لا شيء آخر..يتذكر اللحظات الأخيرة من البارحة..كيف اضطربت أنفاسها متزامنة مع أنفاسه..و كيف تخبطت كطير جريح بعد أن القى بنفسه على الأرض..
و كيف غطته بيد مرتعشة و تلاشت هي..
           كسراب كان ينتظر الضوء بفارغ الصبر ليفنيه..

كيانه مليء بها إلى الحد الذي ذكره بنفسه..ذكره بماضيه البعيد..بالفتى الذي كان عليه يوما..بالحياة و احتمالية السعادة..بالابتسام و إن كان لا يزال الضحك عن كليهما بعيد..
و تجول بجسد حائر مترنح للحظات قليلة..
و استقر رأيه أن يذهب إلى الحمام و هناك تأمل نفسه في المرآة..
                              و كانت هي هناك..

كانت في عينيه..في حركاته..في نفسه و تنهيداته..كانت خلاصه المنتظر..
كانت الشفاء لأجنحته المكسورة..هي وحدها كانت الاحتمالية الوحيدة في الفرار من الأسر و العودة إلى حرية العالم من جديد..

وجودها لم يعد رفاهية..بل احتياجا أساسيًا للبقاء..تماما كتلك الأنفاس التي يسرقها من بخاخة الدواء..تماما كحاجة الجسد البشري للطعام و الشراب..

أخرجته الرسالة التي وصلت على هاتفه من شروده..و تسلل هو خارجا من ذلك البيت الذي حفظ فيه المنافذ الخفية كما حفظ القضبان..و رغم كل ما في عروقه من أدرينالين..رغم تعرقه و قلقه..رغم ما يعيش من إثارة مختلطة بالشك و بعض من خوف قليل..

رغم كل شيءٍ استرق هو بضعة لحظات لينظر إلى شرفتها المجاورة لشرفته..كانت تقف خلف الزجاج..قماش الستائر يداريها و تظهر فقط نظرتها الشاردة إلى المضيق..و شرد هو في مظهرها متناسيا كل شيء..

و حدثت المعجزة لتبادله النظرة هي الأخرى..و كأن الأرواح اتفقت فما استطاع الجسد إلا أن يطيع..

حبست المفاجأة أنفاسه..و أزالت هي الستار الذي يفصل بينهم..و بهدوء أدارت مقبض الشرفة ليلفحها نسيم البحر البارد..و تبادلت الأعين حديثا صامتا من على تلك المسافة..
                   و كأن الصمت في محراب عشقهما صلاة..

قُرْبَانْ-kurban حيث تعيش القصص. اكتشف الآن