اعْتِرافُ رَهِينَةٍ

189 16 21
                                    

إذا سحبت طرف الخيط فلا تلم البكرة على ما يترتب من فوضى..
###
ذلك اليوم كان طرف البداية لكل شئ..الطرف الذي يقود المرء إلى العقدة فيجعله يحاول مرارًا و مرارا حتى يستمر و يصل إلى النهاية..
و النهاية تحتاج إلى إيمان صلب و قلب قوي مهما ساوره من شك..
و تلك الليلة جعلته يعيد التفكير في عقائده كافة..

في غرفته حيث يفك أزرار قميصه بينما ينظر للبحر و قد ضمته الظلمة إليها مخفية إياه عن أعين البشر التي لا تتوانى عن التفرس فيه..
و هناك تساءل هل البحر الذي يحمل أثقال البشر كافة يحتاج إلى من يحميه ؟! يحتاج الليل ليختبأ من معاناة العالم هو الآخر ؟!
يبدو أن الإنسان هو جالب الهالك في كل الأزمنة و لكل المخلوقات بلا استثناء بما فيهم نفسه بالتأكيد..

قطع تأملاته الفلسفية تلك السيارة المرسيدس السوداء التي وقفت أمام المنزل..و بهدوء ترجلت هي خارجها و لكن هذه المرة بشحمها و لحمها و ليس مجرد طيف أو وهم بعيد..هذه المرة هي الحقيقة !!

ميرا أتت..كان ينتظرها بعد كلمات سلمى له و لكن بالتأكيد ليس اليوم..ينتظرها أن تأتي مع أهلها و ليس مع رجال توفيق..ينتظر قدومها كضيفة لا أن يتم استقبالها كما يُفعل مع الرهينة !!

أعاد أزراره لما كانت عليه و انطلق على درجات السلم ليقف في منتصفه..متحفزا ، يخشى ألا يستطيع السيطرة على ما تحتويه خلجات نفسه من جموح..
   ضربات قلبه تزداد في انتظار المعرفة..في انتظار أي إشارة تفني هواجسه..

دخلت بملابس اختلطت فيها لون الدم بلون الحداد..بالنسبة له كانت صورة حية لإحدى ملكات القدماء..يوم يتركون أرضهم المقدسة لتخطوا أرجلهم أرض الأعداء..
   بلى..إنه يعلم هذه النظرة جيدا..لطالما طالع هذه النظرة كلما رأى وجهه في المرآة..الآن هو شبه متأكد أنها رهينة..

( لماذا ؟! يا الله لماذا ؟! هل يجب على كل الذين أحبهم أن يكونوا ضحاياه ؟! أن يكونوا قربانا لنيرانه حتى يجلبوا على حياته السلام ؟! هل كان علي أن أكرهها منذ رأيتها ؟! لو كنت نبذتها يوم التقت أعيننا هل لأصبحت الساعة في أمان ؟! يا إلهي..في هذه الحياة لا أجد ما يمكنني أن أضحي به أكثر..
   أنا دفعت روحي لهذا الجلاد قبلا..ماذا أفعل الآن ؟!
إلهي من يدبر الأمر غيرك ؟! من ينقذنا من هذه الهوة سواك ؟!
    يا إلهي لتنزل رحمات منك علينا فما هو آت أصعب بكثير مما فات !! )

حدث كنان نفسه بهذه الكلمات و قد تأمل وجهها الباهت و كأن الحياة سحبت منه..رآها تجر جسدها الوهن جرًا إلى الداخل و كأنها تترك روحها خارج الأبواب..
    خشية و شفقة امتزجا مع دموع في عينيه..دموع كتب عليها أن تكون أسيرة إلى الأبد كما كتب على الأحباء الآن..

-" كنان..رحب بضيفتنا..ستجلس معنا بعضًا من الوقت و من يعلم ربما.."
   لم يكمل توفيق جملته و اكتفى بنظرة مبهمة مليئة بالخبث..

قُرْبَانْ-kurban حيث تعيش القصص. اكتشف الآن