لا تستطيع الكلمات بحال أن تصف هذا المشهد! فالقلوب تدقُّ بشدَّة عندما تتهيَّأ للقاء ملك من ملوك الدنيا، فكيف بلقاء ربِّ العزَّة مالك الملك ذي الجلال والإكرام؟! كيف كان حاله صلى الله عليه وسلم؟! وفي أي شيء كان يُفَكِّر عندما أخبره جبريل عليه السلام أنه حان الوقت لمقابلة ربِّ العالمين؟
لقاء الله عز وجل!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذكره لأمر سدرة المنتهى: مَا أَوْحَى" [1]. ثم ذكر فرض الصلاة..وقال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني سليمان، عن شريك بن عبد الله أنه قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: "حَتَّى جَاءَ بِهِ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، وَدَنَا الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَتَدَلَّى، حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا شَاءَ فِيمَا أَوْحَى خَمْسِينَ صَلاَةً عَلَى أُمَّتِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ .." [2].
وقال ابن حجر في فتح الباري: "وَقَدْ أَخْرَجَ الأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابن عباس فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13]، قَالَ: "دَنَا مِنْهُ رَبُّهُ". وَهَذَا سَنَدٌ حَسَنٌ، وَهُوَ شَاهِدٌ قَوِيٌّ لِرِوَايَةِ شَرِيكٍ" [3].
وقد اعترض بعض العلماء -منهم أبو سليمان الخطابي [4] وابن حزم [5].. وغيرهما [6]- على لفظ: "وَدَنَا الْجَبَّارُ". واتهموا شريك بن عبد الله -وهو أحد الرواة الثقات- بالوهم في الحديث؛ بل زاد الأمر عند بعضهم حتى قال كلامًا لا يليق عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وكذلك عن البخاري رحمه الله، وكل ذلك في محاولة منهم لتنزيه ربِّ العزَّة عن الدنوِّ والتدلي، والاقتراب حتى يكون قاب قوسين أو أدنى من محمد صلى الله عليه وسلم.
والحقُّ أنني في عجب من هذا الغوص في تفاصيل لا يمكن بحال إدراك طبيعتها أو كنهها! إن الله تعالى يفعل ما يشاء، ونحن بعقولنا القاصرة، وأفهامنا المحدودة، لا يمكن أن نفهم كيفية فعله سبحانه للأشياء؛ ولكنه سبحانه أخبرنا -سواء في كتابه، أو عن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم- أنه يفعل أمورًا عدَّة، فهو سبحانه يتكلم، ويسمع، ويرى، ويضحك، ويغضب، ويغار.. وغير ذلك من أمور وصف بها نفسه سبحانه، فنحن نؤمن بهذه الصفات والأفعال؛ لكن لا نعرف كيف يفعلها؛ بل إننا على يقين أنها لا تُشبه أعمال البشر ولا أفعالهم، لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]،
ونحن لن نكون أكثر تنزيهًا له سبحانه من نبيه العظيم محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان يذكر الصفة من صفات الله تعالى ثم لا يُسارع بعدها إلى تأويلها، أو نفي حدوثها على الوجه الذي تقتضيه اللغة؛ إنما كان يذكر الأمر ببساطة، ودون تعقيدات أو تفصيلات، وكان الصحابة الكرام في قمَّة الأدب مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يتطاولوا بسؤال تفصيلي، ولم يتطوَّعوا بتفسير هذه الصفات على هواهم، وتركوا الأمر كله للمالك سبحانه، وهو ما ينبغي لنا أن نفعله حيال هذه الأمور الغيبية.
أنت تقرأ
لقاءات ومواقف وقصص الرسل مع الله ربهم وادعيه وأسئلة دينيه
Spiritualلا تستطيع الكلمات بحال أن تصف هذا المشهد! فالقلوب تدقُّ بشدَّة عندما تتهيَّأ للقاء ملك من ملوك الدنيا، فكيف بلقاء ربِّ العزَّة مالك الملك ذي الجلال والإكرام؟! كيف كان حاله صلى الله عليه وسلم؟! وفي أي شيء كان يُفَكِّر عندما أخبره جبريل عليه السلام أن...